تعدّ اللهجة المحكية في جبل العرب وتحديداً في محافظة "السويداء" أقرب اللهجات إلى اللغة الفصحى، نظراً إلى ما تمتاز به من قوة اللفظ وسلامة نطق الحروف.

وعن خصوصية هذه اللهجة وما الذي أكسبها صفاتها تحدث الكاتب "سمير الشحف" لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 24 حزيران 2016، قائلاً: «عندما سكن الجبل توافدت إليه الوفود من لبنان و"حلب" و"صفد" في فلسطين، ومن قدموا جلبوا معهم لهجتهم وفلكلورهم، وكان لابد من إيجاد لغة للتفاهم بين اللهجات الثلاث؛ وهو ما أنتج اللهجة المحكية التي كانت قريبة من اللغة العربية الفصحى، هذا إضافة إلى الدور الذي لعبته البيئة، فقد فرضت قساوة بيئة الجبل على نغمة الكلام، فكانت مشدودة وواضحة، ولها إيقاع سريع، ومخارج الحروف سليمة وفصيحة، والثقافة التي امتاز بها أبناء الجبل كان لها أكبر الأثر في حفاظ هذه اللهجة على قوتها».

لها دور بارز في ترسيخ قوة هذه اللهجة ومنع تأثرها بلهجات أخرى، ففي "المضافات" برز متحدثون بارزون هؤلاء لديهم ثقافة بارزة وخبرة، حيث كانوا القادة في الكلام بين جمهور المتحدثين، وهؤلاء المتحدثين هم من المثقفين بدرجات عالية؛ وهو ما ساهم في اقتراب اللهجة العامية من الفصحى

وبرأي "الشحف" أن لـ"المضافة" دوراً كبيراً في حفاظ اللهجة على قوتها، حيث تابع: «لها دور بارز في ترسيخ قوة هذه اللهجة ومنع تأثرها بلهجات أخرى، ففي "المضافات" برز متحدثون بارزون هؤلاء لديهم ثقافة بارزة وخبرة، حيث كانوا القادة في الكلام بين جمهور المتحدثين، وهؤلاء المتحدثين هم من المثقفين بدرجات عالية؛ وهو ما ساهم في اقتراب اللهجة العامية من الفصحى».

سمير الشحف

الباحث "محمد طربيه" رئيس فرع جمعية العاديات في "السويداء"، تحدث قائلاً: «يحضرني موقف من أيام الجامعة، فعندما قرأت أمام أستاذ اللغة العربية المرحوم "عبد الكريم الأشتر"، نصاً من الكتاب المقرر في الجامعة، بادرني بالقول بعد انتهاء القراءة: أنت من جبل العرب؟ فأجبت: أجل، ولكن كيف عرفت؟

أجاب: سلامة نطقك، وصحة لفظك للحروف، حتى إنك تلفظ الجيم معطشةً، والمقصود هنا بالجيم المعطشة؛ أي نقول "الجبل" بلفظ صريح للام التعريف، وليس "الجبل" بلفظ الجيم مباشرة بعد الألف.

محمد طربيه

وإن دلّ هذا على شيء، فإنما يدل على ظاهرة عامة يمكن معها القول إن لهجة أبناء الجبل أقرب اللهجات المحلية إلى الفصحى، وذلك بسبب العزلة النسبية لأبنائه الذين اعتادوا نطق الحروف من دون تعريف، "فالقاف" تلفظ صريحة وليست "آف"، و"الثاء" تلفظ "ثاء" واضحة وليست "ساء"، و"الذال" أيضاً تلفظ واضحة وليست "زاياً"».

وتابع قائلاً: «هذه اللهجة هي محصلة امتزاج أبناء الجبل الذين سكنوه من مصادر أربعة، وهي: لبنان، وبلاد "صفد" في فلسطين، ومنطقة "الجبل الأعلى" في "حلب"، و"راشيا"، ومناطق من "ريف دمشق"، لكن اللهجة العامية مثلها مثل باقي اللهجات العامية لا تتقيد بحركات الإعراب، مثلاً نقول: "جاؤوا المعلمين"، وفيها خروج عن قواعد الإعراب بوجود فاعلين للفعل، الواو فاعل، و"المعلمين" فاعل هذا من جهة، ومن جهة ثانية فمن حق المعلمين أن تكون مرفوعة بالواو والنون لأنها فاعل.

كما يجري تسهيل الهمزة فنقول "بير" بدلاً من بئر، و"سما" بدلاً من سماء، و"راس" بدلاً من رأس، وأكثر ما يظهر ذلك سواء عدم التقيد بقواعد الإعراب أو تسهيل الحروف في الشعر الشعبي أو العامي، وهذا سبب تسميته بالشعر الملحون، واللحن هو الخطأ في اللغة، ولاسيما عدم التقيد بحركات الإعراب».

هذا وقد درج لدى قبائل العرب قديماً ظهور لهجات مختلفة، تأثرت لهجة أهل الجبل بإحداها، عن هذا الأمر أضاف "طربيه" بالقول: «من المعروف أن كل لهجة من لهجات قبائل العرب قديماً يشوبها عيب ما، فقبيلة "تميم" تقلب الهمزة عيناً إذا وقعت في أول الكلام، فتقول "عسلامة" بدل السلامة، وهي ما تسمى "العنعنة"، وبنو "هذيل" يقلبون الحاء عيناً وتسمى "العهعهة"، وقبيلة "قضاعة" يجعلون الياء المشدودة جيماً وهي "الجعجعة"، وبعض قبائل ربيعة يزيدون شيناً بعد ضمير المخاطب، فيقولون "عليكش" بدلاً من عليك، أو يبدلون الكاف شيناً فيقولون "عليش" بدلاً من عليك وهي "الشنشنة"، ويرجح أنه في لهجة أبناء الجبل بقايا من هذه "الشنشنة"، فيقولون مثلاً "مابديش" بدلاً من "ما بدي"، ولكن في الوقت الحالي نلاحظ انحسار هذه "الشنشنة" بسبب الانتقال إلى الحياة المدنية؛ وهو ما دمث اللفظ أو العبارة، فأصبحنا نقول: "ما بدي"، أو "ما عندي".

هذا إضافة إلى أن الشعر الشعبي الذي كان متأثراً في أول عهده بالطابع البدوي بمفرداته وجمله ومعانيه، وبعد أن بدأ هذا الطابع ينحسر، أخذت العبارة ترق أكثر وأكثر، وكذلك الألفاظ ولا سيما في الشعر الذي تناول معارك الثورة السورية ضد الفرنسيين على وجه التحديد».