يعدّ التراث اللا مادي حالة فكرية وإشكالية حكائية في عالم الحكاية الشعبية التي تتضمن بناء الحدث الواقعي منه والخيالي القائم على البنية الثلاثية باعتماد العدد.

حول بناء الحدث مدونة وطن "eSyria" وبتاريخ 2 نيسان 2016، التقت الباحث التراثي "فوزات رزق" عضو اتحاد الكتاب العرب؛ الذي قال: «عادةً ما يقوم بناء الحدث في الحكاية الشعبية على البنية الثلاثية؛ وهي بنية شائعة في كثير من الحكايات، وراسخة في الوجدان الإنساني، ولعل مرجعها إلى التكوين الثلاثي للأسرة المؤلفة من الأب والأم والأولاد، والمقصود بالبنية الثلاثية اعتماد العدد ثلاثة في عدد الشخصيات الرئيسة أحياناً، أو في أيام المهلة المعطاة لأحد أبطال الحكاية لحل معضلة ما، أو في العقبات الثلاث التي يجب اجتيازها للوصول إلى هدف ما، فحكاية أولاد الملك مثلاً جعلت الأولاد ثلاثة، وجعلت القاضي يستضيفهم ثلاثة أيام، كما جعلت علامات الجمل ثلاثاً، وعلامات الزاد الذي قدم للأولاد ثلاثاً، وحكاية البنات الثلاث شائعة في الكثير من الحكايات، فهن ثلاث فقيرات مرة وثلاث محتالات مرة أخرى، وثلاث ساحرات مرة ثالثة، والضيف لا يسأل عن غرضه إلا بعد ثلاثة أيام، والملك يعطي وزيره مهلة ثلاثة أيام لحل المشكلة التي أوقعه الملك فيها، والمارد يعطي ثلاث شعرات لمن أنقذه، والحصان كذلك يعطي من ذيله ثلاث شعرات لفارسه».

كثيراً ما تقع البنية الحكائية في مطب اللا منطقية، والبعد عن الصدق الفني الذي لا يشترط حصول الفعل حقيقة، لكنه يشترط إمكانية حدوثه ضمن الشكل الحكائي الذي اختارته الحكاية، ومن هنا فقد يكون الحدث غريباً أو أسطورياً، ويمكن قبوله في سياقه الغرائبي أو الأسطوري الذي جاء فيه، أما حين يأتي الحدث معطلاً من أسباب الإقناع الفني فإنه يقع في دائرة اللا منطقية، فالبطل الذي يستطيع مثلاً أن يحرق شعرة من شعرات المارد ليتخلص من مأزق وقع فيه، يجب أن يحرق الشعرة عند بلوغ ساعة الصفر وإلا فلن يبقى هناك معنى لهذا السلاح الذي بنت عليه الحكاية حبكتها وعطله السارد من دون هدف

وتابع الباحث "فوزات رزق" بالقول: «وربما ناب عن العدد ثلاثة العدد سبعة لكن بتواتر قليل، أو العدد تسعة بتواتر أقل، وقلما نجد أعداداً أخرى في الحكاية الشعبية خلافاً لهذه الأعداد الثلاثة التي تؤكد مرة أخرى البنية الثلاثية، أما العدد 40 فقلما يرد إلا في الحكايات التي يكون أبطالها أربعين أزعر أو أربعين "حرامياً"، أو في حبكة الفتاة التي يخطفها الغول ويحملها إلى قصره ويسلمها مفاتيح غرف القصر الأربعين، ويمكن القول إنه من بين كل عشر حكايات هناك ثماني حكايات تحتوي البنية الثلاثية، والأكثر من ذلك أن يحمل العنوان هذه البنية الثلاثية، مثل الأخوات الثلاث، الغولة والإخوة الثلاثة، الجمل والأخوات الثلاث، الغول والأخوات الثلاث، العجائز الثلاث، الفأرات الثلاث، الحكم الثلاث، ولعل المثل الشعبي القائل: "السيبي لا تركب إلا على ثلاثة" ترجمة لتأثير العدد ثلاثة في الذهنية الشعبية».

الباحث التراثي فوزات رزق

وتؤكد الدكتورة "نبيلة إبراهيم"* البنية الثلاثية في الحكاية الشعبية بقولها: «العدد واحد يدل على الشيء الذي لم يتطور بعد. والعدد اثنان الذي يساوي العدد واحد مزدوجاً يرمز إلى التضاد: النور والظلمة، الماء والأرض، الليل والنهار. لكنه لا يدل على النهاية والاكتمال، وهو يشبه الخط الذي يصل بين نقطتين، فمن الممكن أن يمتد إلى ما لا نهاية. أما العدد ثلاثة فهو يعطي للشكل سحره واكتماله، وهناك الثلاثيات منها البداية والوسط والنهاية، الماضي والحاضر والمستقبل، الجسد والروح والعقل، الإدراك والشعور والإرادة، وهنال قول في التجربة: "الثالثة ثابتة"، وبحديث للرسول "ص" قال: "قال أمك، قال: ثم من؟ قال أمك، قال: ثم من؟ قال أمك، قال: ثم من؟ قال أبوك"».

الباحث التراثي "محمود مفلح البكر" بيّن بنية الغرائبية في الحدث الحكائي بقوله: «كثيراً ما تقع البنية الحكائية في مطب اللا منطقية، والبعد عن الصدق الفني الذي لا يشترط حصول الفعل حقيقة، لكنه يشترط إمكانية حدوثه ضمن الشكل الحكائي الذي اختارته الحكاية، ومن هنا فقد يكون الحدث غريباً أو أسطورياً، ويمكن قبوله في سياقه الغرائبي أو الأسطوري الذي جاء فيه، أما حين يأتي الحدث معطلاً من أسباب الإقناع الفني فإنه يقع في دائرة اللا منطقية، فالبطل الذي يستطيع مثلاً أن يحرق شعرة من شعرات المارد ليتخلص من مأزق وقع فيه، يجب أن يحرق الشعرة عند بلوغ ساعة الصفر وإلا فلن يبقى هناك معنى لهذا السلاح الذي بنت عليه الحكاية حبكتها وعطله السارد من دون هدف».

الباحث التراثي محمود مفلح البكر

*د. نبيلة إبراهيم – أشكال التعبير في الأدب الشعبي ـ دار نهضة مصر- القاهرة.