صنع مبتكر "الفيسبوك" بإبداع "مضافة" خاصة في البيئة الافتراضية لكل واحد منا، وهي تتلاقى في بعض عاداتها ومضامينها مع منظومة عادات "مضافاتنا" في "جبل العرب" بوجه عام، على الرغم من الفوارق الشاسعة في التصور.

مدونة وطن "eSyria" وبتاريخ 24 كانون الثاني 2016، التقت الطبيب الفنان "فيصل الأطرش"؛ الذي تحدث عن المقاربة بين المضافتين بالقول: «الباحث في التراث اللا مادي والمادي في "جبل العرب" وخاصة في "مضافاتنا" يشعر بأن العلاقة متبادلة ما بين المضافة الافتراضية التي أبدعها موقع التواصل الاجتماعي "الفيسبوك"؛ حيث بتنا نعتقد أنه قد أمضى حيوات سابقة في مضافاتنا، حتى توصل إلى ما توصل إليه، وبدورنا نسّميها "مضافة الفيسبوك"، هذه المضافة غير مكلفة بفرشها وكسائها وطولها وعرضها، أو بالنمط العمراني بها، وهي تتسع لآلاف الزوار من دون تكلف أو الشعور بالملل مهما جلسوا فيها، ومن دون معاناة في تكاليف ضيافتهم، إذ لكل منا طريقة يقوم فيها بالتعريف عن نفسه من خلال تعليق صوره الشخصية بصدر مضافته الفيسبوكية (صور الزعامات والمشايخ والذي يرغب بهم أحياء أو أمواتاً)، وهذا يشابه نمطية "المضافة" التقليدية في "جبل العرب"؛ إذ نجد في صدر كل مضافة صور الأجداد والآباء والأحباء والقادة والزعماء، وأغلب الأحيان لوحات فنية تنمّ عن ارتباط صاحب الصفحة ببيئته الاجتماعية والثقافية عبر الفن التشكيلي أو صور فوتوغرافية، والجميع يتحدثون فيها، ولا تسمع من يقول: «وحدو الهرج ياغانمين». والقهوة المرة وباقي الضيافة شراكة بين الجميع، كالضيف يشرب ويأكل على مزاجه ومن ماله الخاص، وهو يركن على وسادته كما يشاء براحة من دون تكلف أو تقيد في لباس أو جلوس، ومن ميزات مضافة "الفيسبوك" العصرية أن فيها تلفزيوناً وراديو وفيديو، ويمكن طرد من لا نرغب به بأسلوب الحظر، وهي عادة غير مستحبة أن نقوم بها في مضافاتنا لأنها ليست من عاداتنا وتقاليدنا، والأهم ونحن في فصل الشتاء الآن والثلج يكسو البلاد لا يمنع البعد والظروف الجوية من زياراتنا لمضافات أصدقائنا والحديث بكل المواضيع وأخذ قرارات مهمة».

قد يطول وصف هذه المضافة ومقارنتها بمضافاتنا، ومن جهة ثانية كان يزور المضافات عند الضرورة مخبرون يحاولون زرع الشقاق أو تسويق فتن هدفها البلبلة وخلق الفوضى في المجتمع الأهلي لأغراض متعددة، أما في "مضافات الفيسبوك" فهناك غرف دراسات تراقب طروحاتنا وأفكارنا وتخطط لرسم مستقبلنا، وذلك بإشراف عقول تمولها الصهيونية وأميركا

تتابع المهندسة "مجد أبو زيدان" وصف معالم المضافتين بالقول: «قد يطول وصف هذه المضافة ومقارنتها بمضافاتنا، ومن جهة ثانية كان يزور المضافات عند الضرورة مخبرون يحاولون زرع الشقاق أو تسويق فتن هدفها البلبلة وخلق الفوضى في المجتمع الأهلي لأغراض متعددة، أما في "مضافات الفيسبوك" فهناك غرف دراسات تراقب طروحاتنا وأفكارنا وتخطط لرسم مستقبلنا، وذلك بإشراف عقول تمولها الصهيونية وأميركا».

المهندسة مجد أبو زيدان

وبيّن الباحث "هايل القنطار" المهتم بالتراث الشعبي وتدوينه قائلاً: «للمضافة في مجتمعنا مكانتها الاجتماعية فهي من أفرزت للمجتمع شخصيات وطنية، وقامات فكرية وأدبية، وفيها يتم حل النزاعات والخلافات الاجتماعية، وبالمقارنة مع "مضافة الفيسبوك" التي تحمل جوانب إيجابية وسلبية في آن واحد، فإن الملاحظات تنحصر في عدم التكلفة إلا وفق ما يريد صاحبها من وقت، فهذا التكليف في مضافاتنا الاجتماعية هو جزء من منظومتنا الاجتماعية التي لا يمكن لأحد القبول بها أو التخلي عنها لأسباب تتعلق في بناء الشخصية والهوية والبيئة المحلية، فزائر "مضافة الفيسبوك" لا تعلم من هو ومن أي جهة، وهو يطرح أفكاره من دون حساب لمشاعر الآخرين بها، وقد تحمل المخالفة للآداب العامة.

بلا شك هناك فوارق إيجابية في "مضافة الفيسبوك"، لكن لبناء شخصية واقعية غير افتراضية تحمل الهوية والثقافة الجمعية المحلية الوطنية، فإن مضافاتنا تبقى هي المصدر الأول، والأهم ما طرأ ويطرأ من تقنيات معلوماتية تدخل في إطار سهولة التعامل مع الأشخاص البعيدين جغرافياً عن المشاهدة أو الأخبار، والحقيقة إن المضافة النافحة للقيم الأخلاقية التي يلتزم بها معظم أفراد المجتمع لا تجدها في المضافة الافتراضية».

المضافات الافتراضية

وتابع الباحث "القنطار" بالقول: «لعل المضافات الافتراضية لا يحكمها قانون اجتماعي، بل تحكمها منظومة من الكهرباء والأساليب التقنية الآلية، ولهذا قد تخلو من الحياة والتعايش والتشارك بين منظومتها وديمومة بقائها، لكن المضافة الواقعية تنشر القيم والأخلاق الاجتماعية، والثقافة الجمعية المستمدة من العادات والتقاليد، غير المضافة الافتراضية التي تفرض عاداتها وفق ما تطلبه إدارة "الفيسبوك"، أو عادات وافدة تخالف العادات الأصيلة، والأهم أنها تفرض أفكاراً ورؤى تكون وراءها مؤسسات لبناء شخصية افتراضية أيضاً، بينما المضافة تعمل على بناء شخصية وطنية قوامها العادات الوطنية المحلية والبيئة الاجتماعية للمكان، خاصة أن التعامل مع المضافة ثابت يتغير بظروف تغير الحياة، لكنها تبقى بقيمتها، فمثلاً تغير كساء المضافة من الطلاء والفرش ونوع البلاط، لكنها ظلت كما هي في كل منزل كـ"منزول" للضيافة واستقبال الزوار، وهي لا ترفض أحداً وتستقبل جميع أفراد المجتمع.

بينما الافتراضية لديها القدرة على تحديد النوع والعدد وغيرها من الافتراضات، ولهذا هناك تغيرات بتغيير التقانة وتطورها، وهي غير ثابتة بمعناها ومبناها، لكنها الأسهل في التعامل، والأقل في التكاليف، والأسرع في إيصال المعلومة إلى أي مكان في العالم».

الأستاذ هايل القنطار