تحمل الحكاية الشعبية دلالات متعددة، ولها خاصية في الدلالة البنيوية والعمل الإبداعي ضمن مرتكزاتها الفنية، وهي تتماهى مع الحدث وبناء الفضاء المكاني والزماني في دراسة بنيتها.

حول مبدأ البنية الدلالية في الحكاية الشعبية؛ مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 11 كانون الثاني 2016، الباحث التراثي "فوزات رزق" عضو اتحاد الكتّاب العرب؛ الذي قال: «لعل هاجس القص لا يقل إلحاحاً عن الرغبة في تلقي القصّ، ولعل المتعة التي يعيشها المتلقي خير دليل على ذلك؛ لأن السارد والمتلقي يعيدان معاً صياغة الحياة بالطريقة التي يشتهيانها، الأول من خلال امتلاك القدرة على خلق الحياة بما في الحياة من عناصر مختلفة من أشخاص يتحركون وهدف يسعون إليه، وفضاء مكاني يتحركون فيه، وزماني يعيشونه، وحوار يدور بين الأشخاص يتخذونه سبيلاً للتواصل، والثاني بتمثله لهذه الحياة وإغنائها برؤية إضافية تتناسب مع قدرته على التخيل، إذ يرى المتلقي أشياءً قد لا تخطر للسارد ببال؛ فهو يستقبل العناصر التي تلقاها، ويعيد صياغتها بخياله صياغة خاصة به تتفق مع هواجسه ورغباته؛ لتصل أحياناً إلى حد التناقض بين متلقيين من سارد واحد، ولم يكن هاجس القص هذا ليولد عرضاً في نزعات الإنسان الأولى، فقد كان سبيل الإنسان للتواصل مع الآخرين من جهة، ووسيلة من وسائل فهم ما يحيط به وتفسيره، ولعل أسطورة التكوين التي أوردتها "نبيلة إبراهيم" في كتابها: "أشكال التعبير في الأدب الشعبي" خير مثال لتفسير خلف الكون».

يمكن القول إن من بين كل عشر حكايات هناك ثماني حكايات تحتوي البنية الثلاثية، والأكثر من ذلك أن يحمل العنوان هذه البنية الثلاثية، الأخوات الثلاث الغولة والإخوة الثلاثة، الجمل والأخوات الثلاث، الغول والأخوات الثلاث، العجائز الثلاث، الفئران الثلاثة، ولعل المثل الشعبي القائل: (السيبة لا تركب إلا على ثلاثة)؛ ترجمة لتأثير العدد ثلاثة في الذهنية الشعبية

وحول الشخصيات ومؤلفي الحكايات تابع: «من حيث الشخصيات الحكائية وبناء الحدث القائم على تحقيق الأمنيات في لحظة غضب أو يأس، وبناء الحدث القائم على تحذير من فعل ما، من حيث الفضاء الزماني للحكايات، تبدأ الحكاية العربية عادةً بالفعل السردي "كان" (كان ياما كان في قديم الزمان)، ومن حيث الفضاء المكاني المكون من محطات مكانية متكررة، وخلاصة إنه يمكننا أن نصل من خلال ما سبق إلى نتيجة مهمة؛ وهي أن جذر الكثير من الحكايات الشعبية واحد صاغها مبدعها الأول في زمن لا نستطيع تحديده، ثم تعاورها الألسن فأصابها التطوير والإطالة والحذف والزيادة بما يتناسب مع طبيعة البيئة ومتلقي الحكاية.

الباحث التراثي فوزات رزق

وهذا يقودنا إلى نتيجة أخرى؛ وهي أن مؤلف هذه الحكايات ليس واحداً إنما نشأت الحكايات بالتراكم شأن كل موروث شعبي، إذ يرمي كل جيل فوقه شيئاً من خصائصه وفلسفته وقيمه؛ فإذا هو إنتاج جماعي يجمع الخصائص المشتركة لأجيال متعاقبة وشعوب مختلفة. ومن أهم هذه المرتكزات: بناء الحدث، وطريقة السرد، وسمات الشخصية الحكائية وأنماطها، والفضاءان الزماني والمكاني، وخصوصية الحوار، وبالتالي فإن تلك المرتكزات تجعل من الحكاية الشعبية نمطاً ثقافياً فكرياً يساهم بنقل أحداث المجتمع، ويسرد تاريخه الماضي والمعاصر بحكاية شفوية يبدأ بها بمقولة: (كان يا ما كان في قديم الزمان)؛ استحضاراً للماضي بطرح الحاضر وبثقافة ممنهجة لتقديم الوقائع بأسلوب سردي مشوق للمتلقي».

الأستاذ "إسماعيل الملحم" المهتم بجمع التراث وعضو اتحاد الكتاب العرب أوضح عن بناء الحدث بالحكاية الشعبية، وقال: «أغلب الأحيان يقوم بناء الحدث في الحكاية الشعبية على البنية الثلاثية؛ وهي بنية شائعة في الحكايات وراسخة في الوجدان الإنساني، ولعل مرجعها إلى التكوين الثلاثي للأسرة المؤلفة من الأب والأم والأولاد، والمقصود بالبنية الثلاثية اعتماد العدد ثلاثة في عدد الشخصيات الرئيسة أحياناً، أو في أيام المهلة المعطاة لأحد أبطال الحكاية لحل معضلة ما، أو في العقبات الثلاث التي ينبغي اجتيازها للوصول إلى هدف ما، فحكاية أولاد الملك على سبيل المثال جعلت أولاد الملك الثلاثة وجعلت القاضي يستضيفهم ثلاثة أيام، كما جعلت علامات الجمل ثلاثاً، وعلامات الزاد الذي قدم للأولاد ثلاثاً، وحكاية البنات الثلاث شائعة في الكثير من الحكايات، فهن ثلاث فقيرات مرة، وثلاث محتالات مرة أخرى، وثلاث ساحرات مرة ثالثة، والضيف لا يسأل عن غرضه إلا بعد ثلاثة أيام، والملك يعطي وزيره مهلة ثلاثة أيام لحل المشكلة التي أوقعه الملك فيها، والمارد يعطي ثلاث شعرات لمن أنقذه، والحصان كذلك يعطي من ذيله ثلاث شعرات لفارسه.. وهكذا، وربما ناب عن العدد ثلاثة العدد سبعة، لكن بتواتر قريب، أو العدد تسعة بتواتر أقل، وقلما نجد أعداداً أخرى في الحكاية الشعبية خلافاً لهذه الأعداد الثلاثة التي تؤكد مرة أخرى على البنية الثلاثية».

الأستاذ إسماعيل الملحم

وتابع الأستاذ "الملحم" بالقول: «يمكن القول إن من بين كل عشر حكايات هناك ثماني حكايات تحتوي البنية الثلاثية، والأكثر من ذلك أن يحمل العنوان هذه البنية الثلاثية، الأخوات الثلاث الغولة والإخوة الثلاثة، الجمل والأخوات الثلاث، الغول والأخوات الثلاث، العجائز الثلاث، الفئران الثلاثة، ولعل المثل الشعبي القائل: (السيبة لا تركب إلا على ثلاثة)؛ ترجمة لتأثير العدد ثلاثة في الذهنية الشعبية».