لـ"المضافات" دور في الماضي والحاضر، خاصة أن المجالس لها رؤية بتحويلها إلى مدارس متطورة وفق منهجية اجتماعية تتواكب مع الحياة ومتطلباتها، وبعد خلق تواصل وشبكات متعددة عبر مقاهي الإنترنت، لكن ثمة إشكالية بالقواسم والروابط للاستفادة منهما معاً.

مدونة وطن "eSyria" وبتاريخ 30 أيار 2015، التقت المفكر الدكتور "فايز عز الدين"؛ الذي بيّن قائلاً: «لكل من المضاقة ومقهى "النت" وظائف اجتماعية وثقافية واتصالية، فالمضافة مكان الاتصال المباشر في العالم الواقعي، و"النت" وسيلة الاتصال غير مباشر في العالم الافتراضي، ولكن للمضافة وظيفة المدرسة الاجتماعية والثقافية والحقوقية والإنسانية عموماً، وهي تعلم القيم الاجتماعية العليا وتظهر هذه القيم في سلوك المواطنين، بينما الإنترنت فمن الصعوبة ضبط القيم؛ فهو مفتوح، المضافة تتواجد الضابطة العقلانية أكثر بينما "النت" فلا ضابطة له، لكن إمكانية التشابك والتشبيك بينهما في العالم الواقعي والافتراضي ممكن بالعودة إلى قدرة القائمين، لأن دوائر الاتصال في "النت" أوسع بكثير من المضافة، لكن الأهم الأنسنة التي تصب بالواقعية بثقافة متجاذبة ومتفاعلة، وربما كنا قادرين على لعب أدوار إضافية إذا أحسن التقدير، والا فإننا نخسر الاثنين معاً، وبالتالي لابد من تفاعلهما لنكون معاً في دوائر متسقة لكل من "المضافة والنت" في المخرجات والمدخلات»

التكيف هو عملية مستمرة، يهدف الفرد بها إلى أن يغير سلوكه لتزداد علاقته توافقاً وتوازناً مع البيئة، التي تشمل كل ما يحيط به ويؤثر في توازنه النفسي والبدني. حيث يجب أن يأخذ هذا التكيف أمام الشابكة أشكالاً كثيرة مثل التكيف الثقافي الاجتماعي والنفسي المعرفي والنفسي الانفعالي والفلسفي والأخلاقي، ومع التطور السريع لهذه البيئة يجد الإنسان نفسه عاجزاً عن إجراء التعديلات اللازمة لتكيفه الكامل معها في الوقت المناسب، حيث تأتي الطرائق التربوية والمناهج المدرسية أغلب الأحيان متأخرة عما يحدث من تغيرات

حول مكونات المجتمع الافتراضي أوضحت المهندسة المعلوماتية "مجد أبو زيدان" قائلة: «تعد الإنترنت أبرز ثمرة نتجت عن تلاحم ثلاث ثورات كونية: ثورة المعلومات، ثورة الاتصالات، وثورة الحواسيب، وهي شبكة تربط آلاف شبكات الحواسيب المنتشرة في بقاع العالم ويستخدمها ملايين الناس.ولأننا نعيش في عصر تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، فمن الطبيعي الاندماج في هذا المجتمع، وحين نسأل أنفسنا هل سحبت الإنترنت البساط من المقاهي والمضافات؟ وأنا هنا لا أعتقد ذلك، لأن لكل منهما رواده ويمكن تحقيق التكامل فيما بينهما، لأنه وبمقارنة بسيطة بين المقهى الافتراضي من جهة وبين المضافات من جهة أخرى؛ نجد في المضافة أن الرجال يجلسون ويتحاورون في كل القضايا التي تهمهم ففيها يتم تناقل الأدب الشعبي، وفيها ترسم خطط المعارك، وفيها تحل المشكلات فهي مدرسة بما تقدمه من علوم وتجارب، وبنت شخصيات اجتماعية دخلت التاريخ وأصبحت رموزاً وطنية وثقافية وأدبية، وفي المضافة قهوة مرة و"خبز وملح"؛ وهو ما يزيد من المشاعر الطيبة بين الناس، ولكن التواصل فيها مع عدد محدود من الأشخاص مع ميزة مهمة جداً؛ احترام تبادل الأحاديث، وهناك مشاعر وأحاسيس تنتقل بين الناس، بينما في المقهى الافتراضي يتواصل الشخص مع آلاف الناس ولكنه يبقى وحيداً، ويتصف هذا المقهى بالعالمية، حيث تلغى الحواجز الجغرافية المكانية والزمانية، وكذلك يتصف بالتفاعلية فالفرد فيها مستقبل وقارئ ومرسل وكاتب؛ حيث تلغى السلبية الموجودة في الإعلام القديم كما في الصحف والمجلات والتلفاز؛ إذ هناك حيز واسع للمشاركة، ويتصف بسهولة الاستعمال وتعدد الاستعمالات والتنوع».

المهندسة مجد أبو زيدان

وحول قبول تلك الظاهرة الجديدة، والاستعداد للتكيف معها تابعت المهندسة "مجد أبو زيدان" بالقول: «كيف لا والإنترنت هو صوت من لا صوت له، ولكن يجب ألا ننسى بأنها سلاح ذو حدين، لذا يجب رصد سلبيات هذه الظاهرة من باب التحذير، أما متطلبات التكيف الإيجابي مع المقهى الافتراضي، فلكل إنسان غايته في هذه الحياة، فإن كانت غايته إيجابية يصل لما هو إيجابي على الإنترنت والعكس بالعكس، مع تعزيز القيم والتقاليد الجيدة، والدمج بين الاثنين ممكن، وذلك بالاستفادة من حسنات الإنترنت في اختصار الوقت والمسافات وكذلك باستثماره من خلال نشر قيمنا وثقافتنا للعالم بأسره، وتطوير المهارات والخبرات لدينا والاستفادة من تجارب الآخرين في حل المشكلات ومعرفة الجديد، وتعزيز دور المضافة بما تحمل من قيم ومثل وعادات وتقاليد أصيلة؛ وبالتالي عندما نتكلم عن حماية مضافة فنحن نتكلم عن حماية إرث ثقافي، حماية قيم ومعتقدات أصيلة، وهذا من خلال نشر الوعي على مستوى المجتمع والأسرة في الاستخدام الإيجابي، وسن قوانين ناظمة لاستخدام الشبكات الاجتماعية تجرم الاستخدام المسيء، وإجراء بحث عن الإيجابية للشبكات الاجتماعية في مجتمع معين، ودراسة الوعي الأسري، بهذا يمكن تحقيق التماهي بينهما معاً».

وللكاتب "هيسم جادو أبو سعيد" رأي في ذلك بقوله: «لقد دخلت الشابكة ـ الإنترنت مختلف جوانب حياتنا، بل غزتها. ولم يعد دورها يقتصر على تبادل المعلومات وتوفيرها لمن يحتاج إليها، فقد بات دورها فعالاً في التواصل الاجتماعي وفي الترفيه والتسلية وغيرها من الجوانب التي تمس الناس وتثير اهتماماتهم. ففي عام 2012 فاق عدد الهواتف الذكية والحواسيب اللوحية وغيرها من الأجهزة ذات الصلة بالشابكة، عدد البشر، ونمت بيانات الأجهزة النقالة في العالم بنسبة 70%، حتى باتت المخاوف تتزايد من محدودية سعة البنية التحتية العالمية للشبكات، ومن خطورة الوصول إلى الحد الأقصى لتلك السعة، خدمت الشابكة بجانبين: الأول يتعلق بمواصفات الشابكة ذاتها، مثل قدرتها على الانتشار الواسع، وقدرتها على عرض المثيرات بشكل لافت ومغرٍ، وتوافر التقنيات والبنى التحتية التي تسمح بالانتشار، والثاني بمواصفات الناس الذين تتعامل معهم الشابكة، مثل المستوى الفكري والثقافي وقابلية تأثرهم الذي قد يصل إلى حالة الإدمان».

الكاتب هيسم جادو أبو سعيد

وتابع "أبو سعيد" بالقول: «تأثرت المقاهي والمضافات التي تعد الأمكنة التقليدية للقاء والتواصل بين الناس في مجتمعاتنا بوجود الإنترنت، إذ سحبت الشابكة البساط من تحتهما، لكن بطريقتين مختلفتين؛ ففيما يتعلق بالمضافات فقد قلّلت الشابكة من حضور الناس وخصوصاً من جيل الشباب في هذه المضافات، بسبب استحواذها على انتباههم واهتمامهم وتقديمها لوسائل الإثارة والتشويق الجاذبة لهم. وفيما يتعلق بالمقاهي فقد قامت المقاهي في محاولة للإفادة من الشابكة في كسب المزيد من الزبائن، بالتزود بخدمة الشابكة التي يستطيع روّادها استخدامها، فظل حضور الناس مستمراً في هذه المقاهي، وإن اختلفت فعاليتها، فقد صار المقهى مجرد طقس مرافق للشابكة، ولا بد من التمييز بين المضافة والمقهى عبر مقارنة بسيطة وسريعة، كي لا نستمر في الحديث عنهما كأنهما شيء واحد، فهنالك فروق كبيرة بينهما من أهمها أن حضور الناس إلى المضافة يكون لهدف مشترك، فالجميع يعرفون بعضهم بعضاً ولديهم ما يناقشونه ويتبادلون الرأي حوله، ليتوصلوا إلى قرارات يلتزمون بها، وأغلب الأحيان يوجد في جلسات المضافة قائد يدير الحديث ويلخصه ويصوغ القرارات الأخيرة ويفرض على الحاضرين الالتزام بها. أما في المقاهي فكل شخص يحضر بمفرده أو يحضرون ضمن مجموعات منفصلة قد لا يجمع بينها معرفة شخصية، فتدخل كل مجموعة في حوارها الخاص المختلف عن المجموعة الأخرى والمنعزل عنها، فلا يتأثر أي منهم بالآخر. أما فيما يتعلق بالمقهى الافتراضي فأهم ما يميزه غياب التواصل وجهاً لوجه، وهو ما يؤثر على قدرات التواصل الاجتماعي والشخصي لدى مرتاديه، وإمكانية اشتراك أي شخص فيه على اختلاف جنسه أو بلده أو انتمائه أو معتقداته، وهذا ما يجعل منه ذا تأثير خطير على العقول والأفكار إن لم تكن مدعّمة بتربية مناسبة. خصوصاً أن الكثيرين يميلون إلى استخدام الشابكة كملهى للتسلية والترفيه وتبادل الشائعات والنميمة».

وبيّن الأديب "هيسم أبو سعيد" عن عملية التكيف مع الشابكة بقوله: «التكيف هو عملية مستمرة، يهدف الفرد بها إلى أن يغير سلوكه لتزداد علاقته توافقاً وتوازناً مع البيئة، التي تشمل كل ما يحيط به ويؤثر في توازنه النفسي والبدني. حيث يجب أن يأخذ هذا التكيف أمام الشابكة أشكالاً كثيرة مثل التكيف الثقافي الاجتماعي والنفسي المعرفي والنفسي الانفعالي والفلسفي والأخلاقي، ومع التطور السريع لهذه البيئة يجد الإنسان نفسه عاجزاً عن إجراء التعديلات اللازمة لتكيفه الكامل معها في الوقت المناسب، حيث تأتي الطرائق التربوية والمناهج المدرسية أغلب الأحيان متأخرة عما يحدث من تغيرات».

مقاهي الإنترنت

وأشار "أبو سعيد" إلى إمكانية تكيف المضافة من خلال إدخال الشابكة إليها قائلاً: «لقد استطاعت المقاهي، أن تستثمر الشابكة كأداة جذب لزبائنها من خلال توفير خدمة الشابكة فيها، لكنها بذلك غيرت من وظيفتها التي كانت تتمثل في اللقاء وتبادل الأفكار والآراء. وإذا ما تم استخدام الشابكة في المضافة فسوف يتم تغيير وظيفة المضافة ودورها، وحتى شكلها، حيث سيصعب علينا عندها أن نسميها مضافة. مع ضرورة التأكيد هنا على الجوانب الإيجابية لها كمنبر اجتماعي ينهل منه الشباب الكثير من خبراتهم، ويجمع الآراء ويوحدها ضمن أدبيات متفق عليها لا يتم تجاوزها. وبعيداً عما قد تمثله المضافة من تعصب جماعات مغلقة، ومن سيطرة فئات محددة على رأي وقرارات الآخرين. وهنا، في سبيل الحفاظ عليها وعلى دورها الإيجابي، تبرز الحاجة إلى توافر من يتمكن من التواصل مع أجيال الشباب ومشكلاتهم واهتماماتهم ليكون شريكاً لهم، لا ملقناً أو واعظاً أو آمراً؛ حيث يدفعهم للهرب منها في دروب كثيرة قد تكون الشابكة أكثرها جاذبية».