بين المدينة والقرية منظومة من الحياة الاجتماعية لها مقومات وآليات إنتاج وطرائق استهلاك متعددة، ولعل البحث في ميزات شخصية أفراد كل منهما ينطوي على آراء تحمل الاختلاف والائتلاف فيما بينهما.

حول منظومة الإنتاج في القرية مدونة وطن "eSyria" وبتاريخ 25 أيار 2015، التقت "بدران بدران" من أهالي قرية "الكفر"، حيث بيّن قائلاً: «يعدّ مجتمع القرية مجتمعاً له منظومته الخاصة في بناء الشخصية الإنسانية، وتحديد الرؤية الفكرية والثقافية ونوع التوجه، القرية القائمة على العمل والإنتاج، بطرائق وأساليب مختلفة، تجعل من أفراد مجتمعها بالإجمال والإجماع منتجين، ذلك لأن طبيعتها البسيطة ومساحتها الضيقة ونوع التربية فيها قائمة على ثقافة الإنتاج، وكل فرد فيها يحمل خصوصية وفق عمله ومهنته التي يتقنها، وجميع المهن ذات قيمة عملية عالية للمجتمع وللبيئة الاجتماعية، ولهذا كثيراً ما نجد ابن القرية لا يتحدث بلغة المال والتجارة والربح بقدر ما يتحدث بالعمل والإنتاج، إذ نرى ضمن عاداتنا وتقاليدنا اليومية وفي كثير من المناسبات الاجتماعية عندما يريد بعضهم الاطمئنان عن بعضهم يتبادلون عبارات الاستثمار والإنتاج بمعنى عبارات واقعية كأن يقول أحدهم للآخر: "كيف موسمك هذا السنة؟ إن شاء الله الغلال وفير"، لا يفكر ولا يسأل ابن القرية ماذا اشتريت وأنتجت، وكم صار رصيدك في البنك؟ لأنه لا يفكر قطعاً في الشراء والاستهلاك والامتلاك، بل في تقديم الخدمات بأنواعها الزراعية والصناعية والاجتماعية من خلال طبيعة الإنتاج».

للبنية التفكيرية والتركيبية لشخصية ابن القرية عوامل متعددة: أولها أنه مواكب للطبيعة بمعنى منسجم مع مناخها بين الحر والقر، ثانياً بساطته في التعبير وجمالية حياته اليومية ذات الروتين الواحد لموسم كامل تجعله يتوافق في هارموني ذاتي في تعاطي منظومة الحياة الإنتاجية وريعها الاقتصادي، ثالثاً طبيعة الحياة اليومية من عادات وتقاليد تساهم في تكوين العمق الانتمائي لهويته الاجتماعية وخاصة المكان، إذ قلما تجد ابن القرية يستطيع المكوث في المدينة لأيام حتى يعود مسرعاً إلى قريته لاثماً هواءها وطبيعتها الجميلة، وقد نصنف ذلك في خانة الإنتاج لا الاستهلاك

وتابع "بدران " بالقول: «للبنية التفكيرية والتركيبية لشخصية ابن القرية عوامل متعددة: أولها أنه مواكب للطبيعة بمعنى منسجم مع مناخها بين الحر والقر، ثانياً بساطته في التعبير وجمالية حياته اليومية ذات الروتين الواحد لموسم كامل تجعله يتوافق في هارموني ذاتي في تعاطي منظومة الحياة الإنتاجية وريعها الاقتصادي، ثالثاً طبيعة الحياة اليومية من عادات وتقاليد تساهم في تكوين العمق الانتمائي لهويته الاجتماعية وخاصة المكان، إذ قلما تجد ابن القرية يستطيع المكوث في المدينة لأيام حتى يعود مسرعاً إلى قريته لاثماً هواءها وطبيعتها الجميلة، وقد نصنف ذلك في خانة الإنتاج لا الاستهلاك».

بدران بدران

وعن طبيعة الاستهلاك في المدينة أشار "محمد طربيه" من أهالي مدينة "السويداء" بالقول: «تتكون علاقة ابن المدينة مع الحياة في الاستهلاك، لأنه على علاقة مباشرة بتسويق الإنتاج، ولهذا تراه يؤمن بالتجارة والربح والعمل الدائم للاستهلاك، خاصة أن المدينة هي سوق التصريف للمنتوجات الريفية، وبالتالي فإن طبيعة العلاقة الاستهلاكية تتكون وتتداخل في التفكير والرؤية والتركيب البنيوي للشخصية المدنية، ولعل هذا ما يدفع المرء إلى تكوين الأفكار والسلوك والمعارف المنسجمة مع طبيعة الاستهلاك، حيث جعل متطلبات الحياة اليومية العامل الرئيس في تحديد نوع السلوك الاستهلاكي، إذ ربما لا يفكر نسبياً في عملية الإنتاج بقدر الاستهلاك والتسويق، وهناك نظم وقيم مدنية تبتعد في نهجها عن ابن القرية، فهو يعمل بروتين مع تطوير تنموي، لا يعتمد في استراتيجيته على نشر منظومة القرية من عادات وتقاليد».

وهناك آراء قد تختلف مع الرأيين السابقين؛ حيث حدثنا المحامي "عامر الخطيب"؛ وهو ابن القرية المقيم بالمدينة قائلاً: «هناك تباين في الرأي بين ابن القرية والمدينة، فقد عملت المدينة بتأثيرها في ابن القرية المقيم بها، واستطاعت أن تدخل في سلوكه التمدن، كما نشرت في تفكيره ذلك، ولكن ظل ابن القرية بالمقابل محافظاً على منظومة القيم الجمعية التي اكتسبها من القرية، وحاول فرضها بسلوكه على المجتمع المدني الرافض الالتزام بها، والمقتنع بجمال تلك القيم، إلا أن رغبته في الاستهلاك تجعله لا يقبل أي عادة جديدة مهما بلغ جمالها، وبذلك يبقى رهين الصناعة والتجارة والعمل التسويقي اليومي، وابن القرية اختلط في أجواء المدينة متأثراً في الابتعاد عن العديد من قيم الإنتاج وخاصة الإنتاج المحلي، بل وقع تحت وطأة الاستهلاك المدني».

بدران بدران
المحامي عامر الخطيب