يعد توثيق وتدوين تاريخ التراث اللا مادي مشروعاً توثيقياً تراثياً يحمل مناحي الحياة المختلفة؛ حيث يتضمن التاريخ في مضمونه شخصيات وطنية كان لها الأثر الإيجابي في حياتنا وذاكرتنا الوطنية، وخطت ملامح الجلاء المتكئ على "أركان الثورة السورية الكبرى".

حول أهم الخطوات التوثيقية والأهداف للعمل التراثي التاريخي؛ مدونة وطن "eSyria" وبتاريخ 15 نيسان 2015، التقت الكاتب والباحث التاريخي التراثي "محمد جابر" فبيّن قائلاً: «التوثيق والتدوين عمل ثقافي يحمل بين طياته الإبداع والجهد وخاصة إذا كان عن شخصيات وطنية مهمة في تاريخنا المعاصر؛ لما قدمته من مآثر إنسانية واجتماعية ووطنية، فأعضاء أركان الثورة السورية الكبرى أو هيئة الأركان، لم يأتوا عن طريق الانتخاب، أو التمثيل الجغرافي أو الطائفي أو العائلي أو ما أشبه ذلك، بل اعتمد المؤتمرون في اختيارهم على الثقة بالكفاءة الذاتية والشخصية القيادية، والإخلاص الوطني لكل منهم، غير أن العامل الرئيس -كما نعتقد- هو تاريخهم النضالي وانتماء بعضهم إلى جمعيات وطنية سرية أو أحزاب سياسية وطنية، وما كان لهم من أيادٍ بيضاء إبان الثورة العربية الكبرى ضد العثمانيين، وما تبعه من الجهد والنشاط والنضال السياسي السابق الذي كان يقوم به هؤلاء القادة، إبان الإعداد والتمهيد للثورة ضد الفرنسيين إذ كانوا متفقين منذ سنين، وقد أقسموا جميعاً يمين الإخلاص والولاء لها وللوطن، وعلى السعي الدؤوب لأجل إنجاحها خلال الاتصالات واللقاءات والاجتماعات السرية التي كانت تتم فيما بينهم للتخطيط لهذه الثورة، بالاتفاق مع إخوانهم من أحرار العرب، داخل "سورية" وخارجها، منذ معركة "ميسلون" في 24 تموز سنة 1920 وتقوّض الحكم الوطني في "دمشق"، وكشفهم نوايا الحلفاء، ولهذا لا بد من مزج بين الفكر التنويري الثوري وبين فعل الشخصيات الوطنية النابعة من ثقافة وطنية فطرية».

يعد عمل "أركان الثورة السورية" حالة توثيقية لشخصيات قدمت لتاريخنا المعاصر الكثير، ولم نعرف عنها إلا القليل، إن العمل التدويني والبحث في المعلومات عن كل شخصية من تلك الشخصيات علمي ومنهجي، وهو جهد كبير لمعرفة أعمالها وأفعالها من خلال الأحداث والوقائع الي جرت بدقة علمية، العمل التوثيقي يحمل ميزة معرفية وقيمة ثقافية جمعية في معرفة ثقافة تلك الشخصيات بالبعد الاجتماعي والوطني والإنساني، وكيف استطاع أركان الثورة العمل على توحيد الصفوف ودحر الاستعمار بالإرادة والتصميم وليس بالتكافؤ والعتاد الحربي، ودخلت مآثر التاريخ وللباحث حق في اتخاذ الطرائق المنهجية العلمية لتقديم رؤية علمية تحليلية لفعل وحركة هؤلاء الأبطال بصورة استحقوا عليها رفع القبعة احتراماً لجهدهم وفكرهم ونضالهم الوطني

وتابع الأستاذ "محمد جابر" بالقول: «وهؤلاء الأركان الثلاثة عشر، قد يجهلهم كثيرون، أو يتجاهلونهم، ومعظمهم لم يكتب أو يتحدث عن نفسه، وهو ما سبب خسارة في ما ذهب معهم من أخبار، وقد رأيت أن أجمع أسماءهم في عمل واحد، يحتوي على ترجمة أو نبذة عن حياة كل منهم، وعن دوره في الثورة وعما أنجز وقدم للوطن، وأن يكون ذلك مختصراً، لأن الحديث عن أي ركن من هؤلاء الأركان قد يتطلب كتاباً خاصاً به ولكن برؤية تحليلية بنيوية لكل منهم، ورأيت أن أدرج أسماءهم حسب التسلسل الزمني لوفاة كل منهم. كما أنني وضعت ما استشهدت به من كتاباتهم ورسائلهم، بين قوسين، ونقلتها على علاتها بأمانة، وبكل ما تحمل من أخطاء لغوية ونحوية، فكل واحد من هؤلاء القادة، لقي مختلف ضروب الانتقام من قبل الفرنسيين، إما بتدمير داره أو بمصادرة أملاكه، أو الحكم عليه بالنفي أو بالإعدام مرة أو مراراً أو بكافة هذه الأحكام مجتمعة، وقد استشهد أو أصيب بعضهم في المعارك، أو فقد ولداً أو أخاً أو أسرة بكاملها، أو اضطر إلى النزوح إلى الفيافي والقفار خارج الوطن من دون زادٍ أو عتاد، ليرى الأهوال التي تفوق أهوال الحرب، فيدفن أطفاله في الصحارى، بعيداً عن بلادهم، إذ ماتوا ولم يتحملوا الجوع والعطش والمرض، أو يضطر إلى شرب الماء المملوء بالديدان أو شرب بول الخيل أو الإبل، ولم يكن أي منهم يتكبر على أية مهمة يكلف بها، أو يتذمر أو يرفض الانضواء تحت قيادة أي قائد حملة أو معركة يعينه القائد العام، حتى لو كان في سن بنيه أو أقل منه خبرة، بل كان يعضده ويتعاون معه ويأتمر لأوامره، لأنه لم يكن يهدف إلا إلى إنجاح الثورة».

الباحث محمد جابر

وعن الحالة الفكرية والثقافية والدافع للعمل أشار الباحث "محمد جابر" قائلاً: «لم تكن ثورتهم محلية، بل اتسمت ببعديها الوطني والقومي، واشتهرت بالتضحية والإخلاص بكل صدق وحب لهذا الوطن واعتزاز بالعروبة، فقد عشقوا الحرية وحاربوا الظلم والحيف، ورفعوا شعار: "الدين لله والوطن للجميع"، وواجهوا أكبر جيش بري في العالم في ذلك العصر بأسلحتهم البدائية وأدوات الفلاحة، فخاضوا 78 معركة، وأسقطوا 90 طائرة فرنسية برصاص بندقياتهم، وصبروا وثابروا وانتصروا، وحققوا الاستقلال، وقدموا لنا وطناً، وقد حاول الأعداء والمتآمرون فصلهم عن أمهم "سورية"، وإقامة دولة درزية لهم فأبوا، وسميت ثورتهم بثورة سلطان أو بالثورة الدرزية فرفضوا، وسموها الثورة الوطنية السورية أو الثورة السورية الكبرى، وسمي جبلهم بجبل الدروز فلم يقبلوا، وسموه جبل العرب، وبعد تحقيق الاستقلال، عادوا كقائدهم إلى العمل في الأرض التي عشقوها، ذلكم هم أركان الثورة السورية الكبرى الثلاثة عشر، رجال تميزوا بعظم الهمة والإقدام والثبات، ولم يقتصر دورهم القيادي على الإدارتين السياسية والعسكرية وحسب، بل جادوا بالنفس والمال والبنين، وكانوا يقودون المعارك ويخوضون غمارها ويضربون بالسيف، ويستعذبون الموت في سبيل الحرية وكرامة الوطن، وقد استشهد منهم أربعة على أرضه، إذ كان حبهم لوطنهم يفوق حبهم لكل شيء، فاندفعوا ثائرين، وكأن كلاً منهم يمثل جيشاً بكامله.

"والناسُ مثلُ بيوتِ الشِّعرِ كم رجلِ... منهم بألفٍ وكم بيتٍ بديوانِ"».

المهندس كمال العيسمي

وحول القيمة الفكرية والتوثيقية للعمل أوضح الباحث التاريخي المهندس "كمال العيسمي" بالقول: «يعد عمل "أركان الثورة السورية" حالة توثيقية لشخصيات قدمت لتاريخنا المعاصر الكثير، ولم نعرف عنها إلا القليل، إن العمل التدويني والبحث في المعلومات عن كل شخصية من تلك الشخصيات علمي ومنهجي، وهو جهد كبير لمعرفة أعمالها وأفعالها من خلال الأحداث والوقائع الي جرت بدقة علمية، العمل التوثيقي يحمل ميزة معرفية وقيمة ثقافية جمعية في معرفة ثقافة تلك الشخصيات بالبعد الاجتماعي والوطني والإنساني، وكيف استطاع أركان الثورة العمل على توحيد الصفوف ودحر الاستعمار بالإرادة والتصميم وليس بالتكافؤ والعتاد الحربي، ودخلت مآثر التاريخ وللباحث حق في اتخاذ الطرائق المنهجية العلمية لتقديم رؤية علمية تحليلية لفعل وحركة هؤلاء الأبطال بصورة استحقوا عليها رفع القبعة احتراماً لجهدهم وفكرهم ونضالهم الوطني».

العمل المدورس