يختزل التاريخ قصصاً لأشخاص عاصروا فترة مهمة وحدثاً غير مسارات الحياة؛ كما هو الحال في "السويداء" عندما خرج مجموعة من الرجال طالبين الحرية من المحتل الفرنسي، وقد ترك بعضهم أصواتهم وبعضاً من مذكراتهم على ورق، وهو ما يطلق عليه التاريخ الشفوي.

مدونة وطن "eSyria" التقت الزميل الصحفي "منهال الشوفي" صاحب كتاب (بيارق الثورة) يوم السبت الواقع في 21 شباط 2015؛ الذي تحدث عن التاريخ الشفوي الذي اعتمد عليه في إنجاز كتابه بالقول: «لقد ترك لنا التاريخ آثاراً متنوعة وتراثاً شفوياً غنياً بالمآثر الوطنية وخاصة في عصرنا الحالي وعبر العصور التاريخية، والمنتشرة في كل بقاع أرض "سورية"، وتعد محافظة "السويداء" حقلاً فسيحاً يستطيع فيه العلماء والمؤرخون الحصاد المثمر، وهذا ما نجده اليوم في العديد من المؤلفات التاريخية التي تهدف إلى جمع وكتابة التراث الشعبي الشفوي للثورة السورية الكبرى تمجيداً لمقاومة وبطولات شعبنا من أجل نيل الحرية، وقد كانت مهمتي شاقة وممتعة بنفس الوقت، حيث اعتمدت على كثير من المصادر والمؤلفين الذين عاصروا وأرخوا الثورة السورية الكبرى، وعلى من بقي على قيد الحياة من المجاهدين وتقاطع المعلومات يحتاج إلى دراسة متأنية بعيداً عن العواطف التي في كثير من الأحيان تكون طاغية على الحدث وتطمس معالم وأحداثاً قد تغير من مجريات الواقع وتبعده عن الحقيقة».

لقد ترك لنا التاريخ آثاراً متنوعة وتراثاً شفوياً غنياً بالمآثر الوطنية وخاصة في عصرنا الحالي وعبر العصور التاريخية، والمنتشرة في كل بقاع أرض "سورية"، وتعد محافظة "السويداء" حقلاً فسيحاً يستطيع فيه العلماء والمؤرخون الحصاد المثمر، وهذا ما نجده اليوم في العديد من المؤلفات التاريخية التي تهدف إلى جمع وكتابة التراث الشعبي الشفوي للثورة السورية الكبرى تمجيداً لمقاومة وبطولات شعبنا من أجل نيل الحرية، وقد كانت مهمتي شاقة وممتعة بنفس الوقت، حيث اعتمدت على كثير من المصادر والمؤلفين الذين عاصروا وأرخوا الثورة السورية الكبرى، وعلى من بقي على قيد الحياة من المجاهدين وتقاطع المعلومات يحتاج إلى دراسة متأنية بعيداً عن العواطف التي في كثير من الأحيان تكون طاغية على الحدث وتطمس معالم وأحداثاً قد تغير من مجريات الواقع وتبعده عن الحقيقة

وعن الرحالة الذين قدموا إلى المنطقة والتبشيريين والمؤرخين الذين كتبوا مشاهداتهم، يقول الأستاذ الباحث "نصار واكد" أمين سر الجمعية التاريخية في "السويداء"، عن ذلك: «لقد ارتحل إلى محافظتنا عدد كبير من الرحالة والمستشرقين الأجانب الذين كتبوا ودونوا الكثير من الروايات الشفوية عن العادات والتقاليد وتاريخ الاستيطان وغيره، كما دونوا نتائج أبحاثهم الأثرية والتاريخية في كتب ترجم معظمها إلى اللغة العربية، مثل العالم الفرنسي "جون لويس بركهاردت" الذي زار منطقتنا في العام 1810م ودوّن معظم مشاهداته، وترجم تلك المشاهدات الأستاذ "سلامي عبيد"، ومن الترجمات الحديثة كتاب (مغامرات بين خرائب باشان) للدكتور الأيرلندي "وليم رايت" الذي زار منطقتنا عام 1874م، وترجمه الأستاذ الباحث "كمال الشوفاني"، وكتاب (مذكرات الكابتن كاربييه في جبل العرب) عام 1929م بعد أربعة أعوام من انطلاق الثورة السورية الكبرى 1925م، وهو موجه إلى الرأي العام الفرنسي، للمترجم الأستاذ "نبيل أبو صعب"، وعلى الرغم من هذه الترجمات العديدة والمثمرة هناك وثائق نادرة يعثر عليها بين الحين والآخر».

سلطان الأطرش مفجر الثورة السورية الكبرى.

وفي هذا السياق أصبح الاهتمام بتاريخنا المدون والشفوي سمة من سمات عصرنا الراهن وخاصة مع تطور تكنولوجيا الاتصالات، ومع اتساع طفرة وثورة المعلومات التي أعطت الوثائق قيمة جديدة وأداة حاسمة في العثور على حقائق تجلي صورة الماضي، وفي قضايا قد تكون محط خلاف في الحاضر وربما في المستقبل، ويتابع "واكد" حديثه بالقول: «من هنا تأتي أهمية التاريخ الشفوي الذي يعد حقلاً جديداً في حقول البحث التاريخي ومنهجاً بحثياً وغنياً يتيح للمؤرخين اكتشاف عوالم معرفية وتاريخية جديدة، من خلال إعطاء الكلمة للمغيبين عن التاريخ المكتوب والمهمشين في المجتمع، كما يعد أحد الروافد المهمة في التاريخ البشري لأنه التاريخ المروي عن الآخرين، الذي يعرف بأنه تسجيل وحفظ وتفسير للمعلومات التاريخية لأشخاص عاصروا أحداثاً مهمة معتمدين على خبرتهم الشخصية أو مما سمعوه من أحداث أدت إلى تغيير في عملية التحقيب التاريخي، وتحول في إدراك الأحداث الزمنية التي ألغت المسافة بين الماضي والحاضر. لقد استخدم الباحثون المخطوطات المدونة والشفوية مصادر لدراساتهم التاريخية فجهدوا واجتهدوا في البحث عنها والاستعانة بها، وأمل بعضهم أن يعود لنشر ما يقع بين أيديهم من مخطوطات ذات أهمية بالنفع على طلبة العلم والمتخصصين، فكثر نشر المخطوطات العربية، وجاءت الرواية الشفوية مؤيدة لبعض المخطوطات ومكتشفة الأخطاء لبعضها الآخر».

ويورد الأستاذ "نصار واكد" مثالاً حول التناقض بين العديد من المؤرخين لفترة مهمة بتاريخ الجبل، حيث يؤكد: «هناك الكثيرون من الذين أرخوا لدخول "آل الأطرش" إلى محافظة "السويداء" ونهاية الحكم "لآل الحمدان"، فهذا "حنا أبي راشد" ويوافقه الضابط الفرنسي "بورون" في كتابه بالفرنسية والأستاذ "صلاح مزهر" في إحدى محاضراته، ويؤكده "سعيد الصغير" في كتابه (بني معروف)، كل هؤلاء يذكرون نهاية "آل الحمدان" عام 1869م، أما الدكتور "فندي أبو فخر" في كتابه "تاريخ حوران" فهو يدحض التاريخ السابق ويؤكد أن عام 1874م هو نهاية حكمهم، كما يوافقه الدكتور "وليم رايت" الذي قام بترجمة كتابه الأستاذ "كمال الشوفاني"، ويرجح الأستاذ "نبيه القاضي" نهاية "آل الحمدان" في العام 1876م، نلاحظ مما سبق أن كل مؤرخ يعتمد على ما كتبه مؤرخ سابق وهكذا إلى أن تظهر الحقيقة. ومن خلال المخطوطات التي تدعمها الرواية الشفوية من مؤرخين ورحالة، وهناك مخطوطة حروب "اللجاة" 1836-1838 للشيخ "حسين إبراهيم الهجري" المتميز في تأريخه لحروب "اللجاة" بالحصافة والأمانة ووفرة المعلومات، وبأسلوب متميز وخاصة في تصويره الدقيق لمعاناة السكان وهم يواجهون القتل والتدمير والحصار، هذه المخطوطة التي قدمها وحققها الدكتور "فندي أبو فخر"، والتي تعد مصدراً مهماً يشمل تاريخ المنطقة على الرغم من أنه لم يخض في نقد وتقييم أو حكم أو انتزاع المخطوطة من سياقها التاريخي وإطارها الفكري العام؛ لكونها تنطق بصدق معبرة عن آلام وآمال الإنسان في حياة أفضل، وعن توقه لنيل حريته وكرامته، وهذه المخطوطة متوافقة مع ما كتب عن حرب "اللجاة" من وثائق للحكم نفسه. وعلى الرغم من ذلك يمكننا القول إن الوثيقة مهما كان نوعها فهي ليست مقدسة بل تبقى متهمة حتى تثبت الوثائق الأخرى براءتها، والدليل على ذلك أن هناك الكثير من الأحداث التي تم تفسيرها والوصول الى استنتاجات مستندة إلى الوثائق ثم أثبتت الأيام فيما بعد أنها غير صحيحة عند اكتشاف وثائق جديدة عن الوقائع نفسها».

الأستاذ منهال الشوفي.
كتاب بيارق الثورة.