تحتل مدينة "شهبا" مكانة كبيرة عبر العصور لما تحتويه من أوابد صارعت الزمن والكوارث الطبيعية والإنسانية. وعلى الرغم من هذه المكانة إلا أن آثارها الباقية فيها الكثير من النظم المعمارية التي تعرضت للتهديم والانزياحات، مختلطة بالمواقع المسكونة كنماذج حية على قدرة هذه الجدران على الصمود في وجه الزمن.

مدونة وطن "eSyria" التقت الباحث في الآثار الأستاذ "وليد أبو رايد" يوم الجمعة الواقع في 19 أيلول 2014، الحاصل على درجة الماجستير في علم الآثار من جامعة "دمشق"، فتحدث عن النظم المعمارية وكيفية المحافظة على المواقع المأهولة في مدينة "شهبا" قائلاً: «تشمل النظم المعمارية التعامل مع الموارد التي تستوعب الاستخدام الوظيفي، وتخضع لتغييرات بيئية، إذ يتعين على المبنى أن يعمل قبل كل شيء كمبنى يقاوم للبقاء ويقاوم الأحمال الثابتة والدينامكية. كما ينبغي أن يشمل بيئة داخلية تناسب الاستخدام المبرمج، وإن صون المورد التراثي يشتمل أيضاً على الاهتمام بالمسائل ذات الصلة بالمحافظة على موقعه والمحيط الذي يوجد فيه وبيئته المادية، ينبغي للصيانة الوقائية أن تحول في معظم الحالات دون الحاجة إلى تدخلات رئيسية، كما هو الحال في إعادة مسرح وبوابات "شهبا" إلى الحياة، وغيرها من المعالم التي يتجاوز عمرها 1500 سنة، والحقيقة إن سياسة الحد الأدنى من التدخل أثبتت عموماً أنها السياسة الفضلى لضمان المحافظة على الموقع الفعال، وإن أفضل سبيل لحفظ المباني أو المواقع هو إبقاؤها قيد الاستعمال».

حتى عندما تهدف هذه التدخلات إلى تثبيت الأطلال أو حمايتها أو تفسيرها، فإن مسألة عمليات البناء الجديدة تمثل إشكالية في كثير من الأحيان وتتطلب الدراسة الحساسة والواعية لأهداف المحافظة على الموقع الرئيسي من معالجة أطلال التراث العالمي، حماية التراث العالمي وتقديمه للجمهور، ولا ينبغي التفكير في تجميع الأوصال إلا إذا كانت المكونات الأصلية ما زالت موجودة في الموقع في حالتها الأصلية بصورة كافية لتبرير ذلك، فإن العلاقة بين الموقع والسياق الاجتماعي والاقتصادي المعاصر قد تفوق القيم الثقافية أو ما يسمى تبرير الاستخدامات المكيفة والمعالجات

يمكن تعريف الموقع المملوء بالأطلال بأنه بناء فقد الكثير من شكله ومادته الأصلية، لدرجة أنه فقد أيضاً وحدته المحتملة باعتباره شكلاً هيكلياً وظيفياً. غير أن حالة الحطام التي عليها الموقع قد تنطوي على أهمية، وتمثل قيماً ثقافية نوعية. ونظراً لفقد تكامليتها المادية، تتعرض الأطلال التاريخية لمشكلة تحلل خاصة، ولذا فإنها تستحق معالجة وعناية خاصة. ويتابع: «حتى عندما تهدف هذه التدخلات إلى تثبيت الأطلال أو حمايتها أو تفسيرها، فإن مسألة عمليات البناء الجديدة تمثل إشكالية في كثير من الأحيان وتتطلب الدراسة الحساسة والواعية لأهداف المحافظة على الموقع الرئيسي من معالجة أطلال التراث العالمي، حماية التراث العالمي وتقديمه للجمهور، ولا ينبغي التفكير في تجميع الأوصال إلا إذا كانت المكونات الأصلية ما زالت موجودة في الموقع في حالتها الأصلية بصورة كافية لتبرير ذلك، فإن العلاقة بين الموقع والسياق الاجتماعي والاقتصادي المعاصر قد تفوق القيم الثقافية أو ما يسمى تبرير الاستخدامات المكيفة والمعالجات».

وعن كيفية تعلق المعالجة بالأصالة لا بد لأي أثر أو موقع أن يستوفي معايير الأصالة فيما يتعلق بالتصميم والحرفة والمواد والمحيط، حيث أوضح الباحث "ناجي فيصل" موضوع الأصالة، وكيفية التعامل مع البناء الأثري بالقول: «يجب التعامل أولاً مع الأصالة في المواد، من مادة البناء الأصلية، والطبقات التاريخية، وثانياً الهدف من المعالجة، واحترام المادة التاريخية وتمييز المادة الجديدة عن التاريخية حتى لا يمكن خداع أو تظليل المشاهد، أما التنفيذ فيتعلق بالصيانة وصون أساس المادة التي تتعلق بفترة البناء، وتهدف الأصالة في الحرفة إلى معرفة دلائل تكنولوجيا البناء الأصلية، وتقنيات المعالجة في الهياكل التاريخية والموارد، والهدف منها احترام قرائن الحرفة الأصلية في مواد البناء والنظم الهيكلية، ويقوم التنفيذ في المحافظة على الموقع وصيانة المادة والهياكل الأصلية مع توفير التجانس بين الإصلاحات والأجزاء الجديدة من خلال استخدام الحرفة التقليدية، وتأتي الأصالة في التصميم من خلال المكونات أو الجوانب التي يعرض بها التصميم الفني والمعماري والهندسي أو الوظيفي للمورد التراثي والمحيط الذي يوجد فيه (الفكرة الفنية والوظيفية)، والهدف منه احترام مفهوم التصميم على النحو الذي تم التعبير عنه وتوثيقه في الأشكال التاريخية للهيكل الأصلي، ويتم التنفيذ من خلال صون وصيانة وإصلاح وتدعيم وترميم، أو تجميع الهياكل التاريخية وإحداث التجانس بين الإنشاءات الجديدة وأفكار التصميم، وأخيراً تأتي الأصالة في المحيط، وهو محيط المورد المتصل بفترات البناء، والمتنزهات أو الحدائق التاريخية والمناظر الطبيعية التاريخية أو الثقافية، وقيم مناظر المدن وقيم المجموعات،

والهدف منه الاحتفاظ بالمورد التراثي في موقعه الأصلي والمحافظة على العلاقة بينه وبين محيطه، ويتم التنفيذ من خلال تخطيط الرقابة، وتخطيط المحافظة على الموقع الحضري أو المتعلق بالمنطقة، والمحافظة على الموقع المتكامل، وهكذا تتم عملية الأصالة بكل أشكالها للمحافظة على الموقع الأثري».