ثقافة المقاومة جزء من بناء الذات بمرجعية قائمة على الفكر وصيرورته، وإشكالية هذا المفهوم كانت محور حوار موسع طرحه د. "حسين جمعة" مع مثقفي المحافظة، في محاولة لتوصيف المفهوم وحل إشكاليته، ومعرفة نقاط ارتكازه انطلاقاً من هدفه الأسمى، وهو حرية الإنسان وعدم خضوعه للاستبداد والاحتلال....

حول ثقافة المقاومة وإعادة بناء الذات تحدث الأستاذ الدكتور "حسين جمعة" رئيس اتحاد الكتاب العرب لمدونة وطن "eSyria" وبتاريخ 8 تموز 2014، قائلاً: «يعد مصطلح الوطنية، والقومية والمقاومة، والجهاد والكفاح والنكبة والانتفاضة في طليعة المصطلحات التي تعرضت للتغيير بين الناس قديماً وحديثاً، حياة وثقافة، أدباً وفناً، ونشير إلى هذه القضايا بوصفها ركائز تمثل روح الأمة، وشفافية ألقها النفسي في التعبير عن القيم الموروثة ورصد دلالات قسم منها، وفي ضوء الوعي الوطني ندرك أن المفاهيم الثقافية للأمة العربية والإسلامية تقع تحت ضغط التأثر والتأثير المتبادل، فتغنى، وتثرى، وتتطور تارة، وتضطرب ويشوبها القلق والضبابية، والانحراف والتراجع إلى الوراء تارة أخرى، إن لم نقل إنها ثقافة أخذت تذوي وتتهاوى أمام نظريات الآخر الغربي وقوته التقنية والإعلامية، وخاصة ما يتعلق بالتحرر الوطني ومقاومة العدو الطامع في البلاد والعباد، أما ما يتعلق بالقطيعة مع الثقافة العربية والإسلامية الموروثة فحدث ولا حرج، فالثقافة العربية ابتليت بمفهوم الانزياح في القيم الأصيلة والمبادئ الثابتة لمصلحة فلسفة الثقافة الغربية، فالغرب جعل الثقافة مظهراً من أهم مظاهر الصراع بين الأمم، وسعى إلى نشر مفاهيمه الفكرية والفلسفية، وطبيعة حياته المادية، وفق قانون الغالب والمغلوب.

لا بد أن نعتني بكيفية تربية الناشئة لإثبات حق مقاومة الشعوب للعدوان أياً كانت طبيعيتها ووظيفتها، ولا بد لكل طفل أن يدرك أن القوة التي يمتلكها إنسان ما أو دولة ما لا تبيح الاعتداء على الآخر بالعنف والقتل والتهجير، أو السرقة والنهب والاغتصاب للمروءة والكرامة والحرية، فالحقوق الفردية والجمعية غير قابلة للتجزئة أو النقصان أو العبث والسمسرة والبيع، ومن الواجب تهيئة ثقافة أصيلة تعزز حق الإنسان في الدفاع عن نفسه، ومواجهة أي نمط من الإرهاب أو العنف الذي يقع عليه، وأن تنشئ أبناءها على وعي ثقافة المقاومة، في إطار تنمية شاملة ومستدامة تربط بين حقوق الإنسان والواجبات المطلوبة، إن قيمة التربية المبكرة للأطفال والشبيبة وإعدادهم الإعداد العلمي الموضوعي الوطني يحقق المواطنة الحقيقية التي تجذر فكرة الهوية والانتماء والدفاع عنهما، ويتكامل في ذلك كل وسائل التربية من الأدب إلى الثقافة والإعلام

ليس ثمة حضارة خلقية وأخرى متوحشة، فالحضارة حضارة، وهي تتصف على مدى التاريخ الإنساني بعناصر البناء والتقدم والارتقاء للجنس البشري في الوقت الذي يتجلى فيها نزوع الخير والفضيلة، أما الثقافة المدنية: مادية ومعنوية؛ فإنها قد تتصف بالخير أو بالشر والتوحش تبعاً لاستخدامها البشري، ما يشي بأن نزوع الخير والشر إنما يكمن في الطبع البشري أو في الاكتساب النفسي والمعرفي الذي يصطبغ بصبغة المصالح الزائفة، إذ لا مراء في أن الحياة الثقافية بما فيها من الإنجازات الفكرية والأدبية والفنية قد أخذت تتراجع في المنتصف الثاني من القرن العشرين لمصلحة الحياة السياسية، ثم الاقتصادية والتقنية، والأيديولوجية الخالصة، ثم أضحت الحياة الاجتماعية ملبية لذلك فتغيرت المفاهيم، وتنوعت المصطلحات وتعددت دلالاتها وتبدلت القيم، وربما حكم على القديم منها بالتخلف أو الانحراف، أو القصور أو العجز».

الأديب فرحان الخطيب

وحول المقاومة والتنشئة الوطنية تابع حديثه بالقول: «لا بد أن نعتني بكيفية تربية الناشئة لإثبات حق مقاومة الشعوب للعدوان أياً كانت طبيعيتها ووظيفتها، ولا بد لكل طفل أن يدرك أن القوة التي يمتلكها إنسان ما أو دولة ما لا تبيح الاعتداء على الآخر بالعنف والقتل والتهجير، أو السرقة والنهب والاغتصاب للمروءة والكرامة والحرية، فالحقوق الفردية والجمعية غير قابلة للتجزئة أو النقصان أو العبث والسمسرة والبيع، ومن الواجب تهيئة ثقافة أصيلة تعزز حق الإنسان في الدفاع عن نفسه، ومواجهة أي نمط من الإرهاب أو العنف الذي يقع عليه، وأن تنشئ أبناءها على وعي ثقافة المقاومة، في إطار تنمية شاملة ومستدامة تربط بين حقوق الإنسان والواجبات المطلوبة، إن قيمة التربية المبكرة للأطفال والشبيبة وإعدادهم الإعداد العلمي الموضوعي الوطني يحقق المواطنة الحقيقية التي تجذر فكرة الهوية والانتماء والدفاع عنهما، ويتكامل في ذلك كل وسائل التربية من الأدب إلى الثقافة والإعلام».

أما مكونات المقاومة وأركانها فأوضحها الدكتور "جمعة" قائلاً: «إن المقاومة فعل فطري وإرادي واع ومسؤول للدفاع عن الوجود والهوية والأرض، ولا يمتنع عقلاً ولا منطقاً، أن يتخذ هذا الفعل أبعاداً ذاتية وفكرية تنبثق حيناً من ردة الفعل لأنه لا يرتبط بالإنسان المجرد من العواطف، أو بالشكل الاحتمالي دون غيره، أي إن الفعل أو رد الفعل لا يمكن أن يكون معلقاً بالفراغ، وإنما يرتبط بالإنسان بوصفه كائناً بشرياً يتحرك في حيز خاص به يحرم على الآخر النيل منه.

الأستاذ الدكتور حسين جمعة

إن أي إنسان وكذلك بقية المخلوقات الحية تحقق كينونتها الفاعلة والإيجابية من خلال المكان الذي هو الوطن الذي تولد فيه وتنشأ، في إطار الاتحاد المطلق بالحقيقة التي تجذر العلاقة بين المخلوق والوسط الذي يألفه، ويستظل بظله، وينهل العادات والتقاليد في رحابه، فتغدو علاقة الانتماء إليه ذات خصوصية عاطفية واجتماعية وتاريخية مميزة لها عن غيرها، وتبقى هذه العلاقة ميزة للجماعات البشرية، وبهذا يتشكل من خلال مفهوم الانتماء إلى المكان هوية خاصة تجذر مفهوم المقاومة والدفاع عنه بوصفه دفاعاً عن الذات والوجود بكل مكوناته الأصيلة، والممثلة بأبعاد عاطفية، واجتماعية، وتاريخية، ووطنية قومية حضارية».

ربما كان للأدب رؤية في التنشئة الوطنية المقاومة حيث أشار الأديب "فرحان الخطيب" عضو اتحاد الكتاب العرب قائلاً: «لم يختلف اثنان على أثر الأدب في التنشئة الوطنية، والقومية، إذ أصبح مسلّماً لدى الصغار والكبار منذ القديم أن الأدب سخر لقضايا المجتمع والدفاع عنها، فينفتحون على فضاء رحب، ويتجه بهم إلى ملكوت أرحب، وينمي فيهم روح التطلع والنهوض من الأشكال الفكرية المنحرفة، فالأدب أياً كان جنسه شعراً أم قصة أم مسرحاً أم رواية يبث في الناشئة والكبار على السواء لحظات التنوير والتثوير، ولا يمكن لغيره أن يقوم بدوره، فهو رسالة تربوية وفنية وثقافية فاعلة تنطلق من لحظة التوتر المدهشة ولا سيما حين يرف على جناح الكلمة المحفزة، ثم إن الأدب في صيرورته الجمالية لا يفترق عن قوانين التربية الوطنية التي تنمي علاقة المواطن بالوطن ورموزه ابتداء من التغني برمزي العلم والنشيد الوطني وانتهاء بتنمية قوانين المعرفة الشاملة، فثقافة المقاومة ثقافة تفضي إلى حال روحية، ورؤية موضوعية منتمية إلى الكون الإنساني الحضاري الذي يحقق سعادة الإنسان ويرتقي بها ما يجعلها تنمي العلاقات بين الناس، وبالتالي فإن الأدب يساهم في ثقافة المقاومة وتنشئة الجيل على أدبها وفعلها».

من مؤلفات د. حسين جمعة