عاد الاخضرار إلى أرض "رضيمة الشرقية" بعد أن ظلّت بوراً منذ سنوات بعيدة بسبب الاعتماد على الحالة الاستهلاكية، حتى عادت روح المحبة إلى الأرض العطشى، وتجدد الاعتماد على الذات، فشقت الأرض من جديد.

مدونة وطن "eSyria" التقت المحامي "سامر ذبيان" يوم الأحد الواقع في 6 تموز 2014، الذي تحدث عن ثقافة الاستهلاك: «تعد الهجرة الداخلية من الريف إلى المدينة للبحث عن فرص عمل جديدة أحد أهم الأسباب التي جعلت السكان يتركون أراضيهم بوراً، وفي المقام الثاني تأتي الهجرة الخارجية التي يمتهنها أغلب سكان "جبل العرب" منذ عشرات السنين، وما وفرته تلك الهجرات من أموال طائلة للعائلة التي عاشت في بحبوحة جعلتها تعتمد على كل ما هو جاهز. وبالمقابل كان لغلاء المعيشة، ومستلزمات الإنتاج الزراعي الأثر الكبير في جعل الفلاح في حيرة دائمة، فالعمل في ظل هذه الظروف خاسر تماماً، وكان مع الوقت يجد نفسه بلا مظلة تقيه شر الفقر، وباتت فلاحة الأرض وزراعتها عبئاً ثقيل الظل يمارسه الفلاح حياء وخجلاً من المحيط، ومن الأرض التي أعطته زمناً طويلاً، ويأتي احتباس الأمطار وعدم كفاية خطط الري الزراعية لتزيد من عوامل ترك الأرض والاعتماد على المنتجات الجاهزة.

كل ما يتعلق بمؤونة المنزل كانت الأرض تؤمنه، من البرغل والعدس والطحين والحمص، والخضار والفاكهة التي كانت تحقق اكتفاء ذاتياً لأي مزارع في القرى، وكان كل فلاح يربّي في جوار المنزل الأبقار والأغنام والدجاج، وهو ما يوفّر له السمن العربي والأجبان والألبان، والبيض واللحوم، ويستغل كل ما تنتجه الأرض والحيوانات الداجنة في بيع ما يزيد عن الحاجة. ومع التطور في الحياة، وإحساس الناس بالبحبوحة التي وفرتها الغربة، والعقارات من أرض وبيوت اعتمد أغلب الناس على غيرهم في تأمين مستلزمات المنزل من الخبز إلى الفاكهة والخضار حتى كانت الأزمات المالية والغلاء الذي أصاب الأغنياء قبل الفقراء، وقد شعر الجميع بقيمة ما كان بين أيديهم، وبدؤوا العودة لممارسة ما كان يوفر عليهم كل شيء، فالأرض لا تقدر بثمن حتى لو كانت صحراء قاحلة

كل ذلك حصل مع الأزمة التي تمر بها البلاد، ما أثر بشكل سلبي في دائرة الإنتاج الزراعي بالكامل، ومن مآثر ثقافة الاستهلاك ما يتعلق بعلف الحيوانات (التبن)، وهو المادة الرئيسية في تسمين الحيوانات التي كان الفلاحون يبيعونها بمبالغ بسيطة بعد جمع "تبابينهم" (جمع تبان: وهو ملحق الإسطبل الذي يوضع فيه التبن لتغذية الحيوانات على مدار العام) على آخرها، من أجل سنوات المحل، وباقي التبن الموجود في البيدر كان الفلاحون يهبونه للفقراء، أما الآن فالتبن يباع بالكيلوغرام، وبمبلغ كبير؟! كل ذلك بسبب ثقافة الاستهلاك التي أصابت البشر والكائنات الحية بمقتل».

زراعة الحمص.

وذهب السيد "سلامة الصالح" المولود في قرية "الجنينة" للحديث عما حدث معه خلال السنوات الأخيرة بالقول: «أعمل موظفاً في القطاع العام، وأعتمد منذ أن بدأت في الوظيفة على راتبي الذي بدأ يتحسن مع الوقت في بداية المشوار، وكان يكفيني حتى اشتدت الأمور في السنوات الأخيرة، وفي الحقيقة الأرض التي أهملتها مع مرور الوقت، ولم أفلحها أو أقوم بزراعتها إلا حياء من الناس حتى باتت في وضع مؤسف، تحتاج إلى الكثير من العمل خاصة مع قلة الأمطار والجفاف، ولكنني عقدت العزم على الاهتمام بها، وإعادتها للحياة، وفي نفس الوقت أعتمد على كل ما يتعلق بها من إنتاج حتى أوقف النزف الذي يلاحقني منذ سنوات.

الأرض عبارة عن قطعة صغيرة لا تتجاوز ستة عشر دونماً، وقريبة من القرية، ويمكن الوصول إليها بسهولة، فبدأت فلاحتها بسكة تناسب وضعها (فقد تعلمت منذ الصغر أن الأرض التي تعرضت للعطش يجب ألا تكون السكة عميقة حتى لا تتبخر الرطوبة الموجودة في الأسفل)، وعندما جاء موعد الزرع بعد موسم مطري ضعيف (الزرع البدري) قمت بالزرع على الجرار الزراعي على الرغم من قناعتي أن الزرع على الفدان في مثل هذه الحالة هو الأجدى، ولكن تلك الأيام قد انقضت، وفات أوانها مع التطور العلمي والتكنولوجي، وباتت الزراعة على الفدان من التراث، ولم يكن الموسم كما نتمنى، غير أن ما تم جمعه من القمح كافٍ لكي نتموّن من البرغل والقمح والطحين».

تعبئة التبن بالخيش.

أما الفلاح "هنيدي درويش" من أهالي قرية "رضيمة الشرقية"، فلخص ما جعل الناس يعودون إلى الأرض بالقول: «كل ما يتعلق بمؤونة المنزل كانت الأرض تؤمنه، من البرغل والعدس والطحين والحمص، والخضار والفاكهة التي كانت تحقق اكتفاء ذاتياً لأي مزارع في القرى، وكان كل فلاح يربّي في جوار المنزل الأبقار والأغنام والدجاج، وهو ما يوفّر له السمن العربي والأجبان والألبان، والبيض واللحوم، ويستغل كل ما تنتجه الأرض والحيوانات الداجنة في بيع ما يزيد عن الحاجة.

ومع التطور في الحياة، وإحساس الناس بالبحبوحة التي وفرتها الغربة، والعقارات من أرض وبيوت اعتمد أغلب الناس على غيرهم في تأمين مستلزمات المنزل من الخبز إلى الفاكهة والخضار حتى كانت الأزمات المالية والغلاء الذي أصاب الأغنياء قبل الفقراء، وقد شعر الجميع بقيمة ما كان بين أيديهم، وبدؤوا العودة لممارسة ما كان يوفر عليهم كل شيء، فالأرض لا تقدر بثمن حتى لو كانت صحراء قاحلة».

الطحين في المطحنة القديمة للخبز المنزلي.

ويبقى أن نضيف إن العودة إلى الاكتفاء الذاتي خطوة مهمة إلى الأمام مهما كانت أسبابها، ولا بد من زيادة التوعية والتثقيف لتستمر كحالة اجتماعية كانت سائدة قي مجتمعنا.