اعتمد السكان والقائمون على الآثار على أنفسهم في حفظ وإعادة الحياة للكثير من الأوابد الحضارية في مدن محافظة "السويداء"، رغم كل العوائق، محافظين على أسس حماية الآثار وطرائق صيانتها.

حين يتم وضع مدن مثل "شهبا" و"قنوات" ضمن المدن التاريخية، لأجل الحضارات التي مرت من هنا، والصروح الشامخة القائمة فيها، تزداد قيمة المدينة التاريخية المتجسدة في الشهادة المادية لأحجارها وهياكلها. غير أن الأخطار التي تحيط بتلك المدن التاريخية تبقى كبيرة وكثيرة، استعرضها لمدونة وطن "eSyria" الباحث في الآثار الأستاذ "وليد أبو رايد" يوم الأحد الواقع في 15 حزيران 2014، بالقول: «التكامل التقليدي والوظيفي للمدن التاريخية كثيراً ما يتعرض في العالم اليوم للأخطار، وخاصة في البلدان النامية. والأسباب العديدة للانهيار تتمثل في النمو الديموغرافي وتحول السكان في جميع أنحاء العالم من المناطق الريفية نحو المراكز الحضرية، ما يؤدي إلى تغييرات اجتماعية وتداعي المركز التاريخي حيث تتحول الأماكن إلى مناطق تجارية.

المدينة التاريخية كيان متعدد الوظائف يشتمل على نشاطات سكنية واجتماعية وسياسية واقتصادية. ونظراً لأن ذلك هو جوهر الكيان الحضري، ينبغي تحديد المنطقة التاريخية بصورة سليمة، ودراسة هذه الجوانب وتنظيمها بصورة كافية. وفي الحقيقة إن التجانس الذي توفره مواد البناء التقليدية وطرق التشييد تعدّ جزءاً من الأصالة وينبغي احترامها. أما أهداف التخطيط فتشتمل على عنصرين: أولهما كما في مدن التراث العالمي، حفظ النسيج من خلال الاستخدام المفيد للهدف الرئيسي. ولا تشمل المحافظة على الموقع على النطاق الحضري القيم الثقافية والتاريخية فحسب، بل تتضمن انعكاساته الاقتصادية والاجتماعية الكاملة. أما العنصر الثاني، فهو أهداف التخطيط حيث يشكل المركز التاريخي جزءاً أساسياً من الكل وأكثر شمولاً، وينبغي دراسته كجزء من واقع ديناميكي معاصر وليس كمعلم ثابت للتأمل وجذب السياح

كذلك زيادة استخدام النقل الآلي الخاص ما يؤدي إلى حدوث تلوث هوائي وتذبذبات مدمرة. ويلاحظ أن إقامة المباني شديدة الارتفاع تقوم بخنق المراكز الحضرية التاريخية من خلال تغيير مناخها المحلي. وكذلك التغييرات في طرق وحجم العمليات الصناعية والتجارية، ما يؤثر في الوظائف الاقتصادية للمناطق الحضرية. ويتبين أن التحول عن الإنتاج الحرفي إلى إنتاج الحجم الكبير الذي يتطلب مباني أكبر حجماً وما يتبع ذلك من تجمع لحركة المرور التي لا تستطيع أن تستوعبها المناطق التاريخية. وفي الحالة العامة للمدن الثلاث "السويداء، وقنوات، وشهبا" يبدو أن إدخال الوظائف والخدمات الحديثة لكي تحل مكان البنية الأساسية التقليدية تتسبب في حدوث زيادة على الحجم الذي تواجدت على أساسه تلك الأوابد.

المعبد الكبير في شهبا.

ونأتي للعامل الأهم: انعدام صيانة المباني القديمة والفشل في إدراك قيمتها الثقافية والوظيفية، ما يزيد أخطار التلاشي والانهيار، وهذا الأمر ناتج عن الحاجة الفعلية إلى تخصيص مبالغ مادية كبيرة غير متوافرة للقيام بهذا الأمر».

وعرّف المدينة التاريخية وأهداف التخطيط الذي ينبغي عمله للحفاظ على تلك المدن فقال: «المدينة التاريخية كيان متعدد الوظائف يشتمل على نشاطات سكنية واجتماعية وسياسية واقتصادية. ونظراً لأن ذلك هو جوهر الكيان الحضري، ينبغي تحديد المنطقة التاريخية بصورة سليمة، ودراسة هذه الجوانب وتنظيمها بصورة كافية. وفي الحقيقة إن التجانس الذي توفره مواد البناء التقليدية وطرق التشييد تعدّ جزءاً من الأصالة وينبغي احترامها. أما أهداف التخطيط فتشتمل على عنصرين: أولهما كما في مدن التراث العالمي، حفظ النسيج من خلال الاستخدام المفيد للهدف الرئيسي. ولا تشمل المحافظة على الموقع على النطاق الحضري القيم الثقافية والتاريخية فحسب، بل تتضمن انعكاساته الاقتصادية والاجتماعية الكاملة. أما العنصر الثاني، فهو أهداف التخطيط حيث يشكل المركز التاريخي جزءاً أساسياً من الكل وأكثر شمولاً، وينبغي دراسته كجزء من واقع ديناميكي معاصر وليس كمعلم ثابت للتأمل وجذب السياح».

الأبراج العالية والحماية من الانهيار.

قامت دائرة آثار "السويداء" والبعثات الوطنية والأجنبية على مدى سنوات ماضية في العمل على ترميم وإنقاذ العديد من المواقع المتهدمة، التي كانت آيلة للسقوط مثل المسارح في "شهبا" و"قنوات"، وبعض الكنائس والمعابد والمدافن المتعددة في هذه المدن. ولكن المحافظة المتكاملة على المواقع تتطلب الكثير من الإمكانيات، وهو ما عرفه الباحث "ناجي فيصل" بالقول: «تعني المحافظة المتكاملة على المواقع، التوفيق بين متطلبات المحافظة على الموقع وأهداف تخطيط المدن، أي مراعاة القيم والمصالح الخاصة بالنسيج التاريخي القائم باعتباره عنصراً مساوياً في حالته للعوامل الأخرى في عملية التخطيط العامة.

إن أساس أي تخطيط وتدخل في نسيج قائم هو معرفة وفهم المورد المعني من حيث تاريخه وأحواله الحالية. ولا بد أن تكون نقطة البداية لتخطيط المحافظة على الموقع لتحديد النسيج التاريخي للمدينة استناداً إلى دراسة تحدد من خلالها النسيج الحضري التاريخي وعمليات التحويل الحديثة، ويتم ذلك من خلال دراسة مقارنة للخطط المساحية الحاضرة، والوثائق المقابلة التي ترجع إلى فترات تاريخية سابقة. وكذلك ينبغي تحليل متطلبات النقل بصورة متأنية في ضوء قدرة المناطق التاريخية على استيعاب المركبات العاملة بمحركات أو حركة السير على الأقدام. وهذا ما يتطلب العمل بين وزارة الثقافة ووزارة الإدارة المحلية لنصل إلى مدن تاريخية مأهولة بالسكان، ومحافظة على تلك الصروح باعتبارها هوية المكان وعاملاً مهماً في الدخل القومي. وبذلك فقط يمكننا المحافظة على مدننا التاريخية دون الحاجة إلى أي تدخلات من منظمات خارجية لكون مدننا تاريخية بامتياز».

مسرح شهبا يعج بالناس في الصيف.