التعاون مع طبيعة "الجبل" وليس الاعتداء عليها، وتطبيق أساليب المكافحة المتكاملة للآفات، وإعادة اكتشاف قيمة التنوع البيولوجي، مفاهيم تطبيقية للوصول إلى الزراعة العضوية.

حول مفهوم الزراعة العضوية، مدونة وطن "eSyria" وبتاريخ 9 حزيران 2014 التقت الباحث الدكتور المهندس "ناصر علي عامر" الباحث في الهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية، ليبيّن قائلاً: «الزراعة العضوية هي عبارة عن نظام شامل لإدارة الإنتاج، يحافظ على سلامة النظام البيئي الزراعي، بما في ذلك التنوع البيولوجي والدورات البيولوجية والنشاط البيولوجي في التربة. ويركز على استخدام أساليب الإدارة بدلاً من استخدام المدخلات غير الزراعية. ويتم ذلك من خلال استخدام الطرائق الزراعية والبيولوجية والميكانيكية بدلاً من استخدام المواد المصنعة.

لعل فترة الانتقال من الزراعة التقليدية إلى الزراعة العضوية -تسمى فترة التحوّل- وهي سنتان للزراعات الحقلية، وثلاث سنوات لأشجار الفاكهة والمحاصيل الدائمة، وتخضع هذه الفترة إلى استثناءات تحكمها تشريعات وقوانين خاصة، إن الانتقال إلى الزراعة العضوية هو عملية طويلة المدى علماً أنه لا يوجد طريقة واحدة معينة للانتقال، حيث إن لكل مزرعة أو وحدة إنتاجية ظروفها الخاصة، وسهولة عملية الانتقال تتعلق بشكل مباشر بالحالة البدائية للمزرعة، إذ إن المزارع ذات الاعتماد الكبير على المدخلات الكيميائية سوف تأخذ وقتاً وجهداً أكبر لتحويلها، وتحتاج إلى استخدام المخصبات العضوية كالسماد البلدي للأبقار والدواجن والسماد الأخضر وبقايا النباتات لتحسين خواص التربة، والاهتمام باختيار الأصناف المقاومة والملائمة للمنطقة، واتباع طرق المكافحة الحيوية، وتطبيق الدورات الزراعية، ولهذا فإن الزراعة العضوية علمياً وإنتاجياً وعملياً تعيش حالة دائمة من التطوير والتجديد والتحديث

والزراعة العضوية نظام متكامل يشمل كافة العمليات الزراعية، بدءاً من تجهيز التربة وإعداد البذور للزراعة، وانتهاءً بجني المحصول وتسويقه واستهلاكه، حيث تخضع تلك الزراعة لقوانين وتشريعات دولية محددة، كما أنها تعتمد بشكل كبير على الأصول والأصناف المحلية، واتباع الدورات الزراعية، واستخدام بقايا المحاصيل والمخلفات الحيوانية، واستخدام الأسمدة الخضراء والنباتات البقولية، واستخدام المخلفات العضوية من خارج المزرعة بشروط محددة، وتطبيق أساليب المكافحة المتكاملة للآفات، التي تتصف بأنها أسلوب شمولي يسعى إلى تحقيق إنتاجية عالية الجودة، إضافة إلى المحافظة على الموارد الطبيعية وخصوبة التربة ونظافة الماء وغنى التنوع الحيوي، إذ تتناقص مساحة الأراضي الزراعية بسبب تدهور خصوبة التربة، وزيادة تركيز الملوحة، وقلة الموارد المائية.

الباحث الدكتور وسيم محسن

والأصناف الجديدة المطورة ذات الإنتاج العالي تحتاج إلى مدخلات زراعية، مثل الماء والأسمدة والمبيدات بكميات كبيرة، ويؤدي الاستخدام الجائر للأسمدة والمبيدات إلى إحداث أضرار صحية - بيئية على الكائنات الحية والوسط البيئي، وتلوث الأغذية والتربة والمياه الجوفية والهواء، مع تناقص أسعار بعض المنتجات الزراعية نظراً لكثرة العرض».

وعن أهمية الزراعة العضوية أشار الباحث بالقول: «تمتاز الزراعة العضوية بكونها أفضل أنظمة الزراعة محافظة على البيئة، حيث نجد أن الاستخدام المكثف للأسمدة والمبيدات في الزراعة يشكل تهديداً على التنوع الحيوي، كذلك فإن الأثر المتبقي للمبيدات ضار بصحة الإنسان، علاوة على ما تسببه صناعة المبيدات من حوادث للعاملين فيها، فالزراعة العضوية قد تكون حلاً لبعض مشكلات الزراعة التقليدية، مثل انجراف وتدهور مواصفات التربة، عن طريق اتباع بعض تقنيات الزراعة العضوية كالتسميد العضوي ومحاصيل التغطية، والزراعة البينية والزراعة المختلطة وغيرها.

الباحث الدكتور ناصر علي عامر

وفي الزراعة العضوية يجب تغيير طريقة التفكير "فبدلاً من معالجة المشكلات لا بد من معالجة أسباب هذه المشكلات"، وهنا تظهر أهمية بعض المفاهيم مثل التعاون مع الطبيعة وليس الاعتداء عليها، ومحاولة حل المشكلات بشكل استباقي، والحرص على عملية الإنتاج أكثر من المنتج نفسه، وتصحيح بعض الممارسات الزراعية التقليدية، وأهمية الحفاظ على الحواجز الطبيعية بين الأراضي، وإعادة اكتشاف قيمة التنوع البيولوجي، والتنمية المستدامة في مجال الزراعة يمكن أن تحدد بالقدرة على الحفاظ على رأس المال الطبيعي، متاحاً بمرور الوقت مع العمل على تحقيق أرباح من السلع والخدمات، إذ تتحقق التنمية المستدامة عن طريق استخدام الموارد المتجددة بطريقة يكون فيها معدل الاستخدام أقل من معدل الإنتاج، وطرح كمية من الفضلات في البيئة مساوية أو أقل من قدرتها على الاستيعاب.

والتنمية المستدامة في مجال الزراعة يمكن أن تحدد بالقدرة على الحفاظ على رأس المال الطبيعي متاحاً بمرور الوقت مع العمل على تحقيق أرباح من السلع والخدمات».

أمن الحقول العضوية

أما الميزات النسبية لمحافظة "السويداء" للتحول إلى الزراعة العضوية، فأشار إليها الباحث "عامر" بالقول: «تمتلك محافظة "السويداء" الكثير من المؤهلات والزراعات التي تسمح لها بالتحول من الزراعة التقليدية إلى الزراعة العضوية، وهي متوافقة مع قانون الزراعة العضوية السوري ومع تشريعات الزراعة العضوية الأوروبية، إذ تمتلك المحافظة تنوعاً كبيراً من الأصناف المحلية للأشجار المثمرة والخضار والمحاصيل، مع وجود أصول وراثية محلية مقاومة للآفات ومتأقلمة مع الظروف المناخية مثل: البطم الأطلسي، والإجاص البري، والمحلب، واللوز المرّ، وغيرها". والخضار مثل: الفليفلة، الباذنجان، البصل، البامياء، الكوسا، وغيرها... التي يمكن الاستفادة منها في برامج التربية والتحسين الوراثي، إضافة إلى مجموعة من النباتات الطبية البرية القيّمة، وعلى الرغم من أهمية الزراعة العضوية إلا أنها لم تأخذ حقها من الدراسات والأبحاث التي تتناسب مع أهميتها الغذائية والصحية، للمساعدة في تطورها وانتشارها بين المزارعين والمساهمة في تسويق منتجاتها إلى المستهلكين، وهي قابلة للتطوير والتحديث في كل وقت وزمان».

وعن علاقة الزراعة العضوية بالتجدد والمواكبة أوضح الباحث الدكتور المهندس "وسيم محسن" بالقول: «إن الزراعة العضوية قابلة للتجدد والتطور، ذلك لأنها إنتاج متكامل، فهي تحافظ على البيئة وتقلل من تلوث التربة والمياه، وتوفر غذاءً صحياً خالياً من الكيماويات والمبيدات، وتحافظ على التنوّع الوراثي داخل النظام الزّراعي والبيئة المحيطة، مع حماية النباتات والمواطن البيئيّة الطبيعيّة، واستخدام الموارد المتاحة والحد من استخدام مصادر الطاقة غير المتجددة والمواد المصنعة، والعمل قدر الإمكان ضمن نظام مقفل مع التركيز الشديد على تدوير المادة العضويّة والعناصر الغذائيّة، وتحسين خصوبة التربة وذلك من خلال اتباع دورات زراعية وزيادة المواد العضوية، والعمل مع الأنظمة البيئيّة الطبيعيّة بدلاً من محاولة السيطرة عليها، وفقدان الثقة بالأغذية المنتجة بالطرائق التقليدية، وحماية الصحة من الملوثات الكيميائية، والحصول على أغذية ذات جودة أكبر ومنتجات خالية من الأغذية المعدلة وراثياً، ومنع أو التقليل من تدهور التربة، وحفظ وصيانة المصادر البيئية والتنوع الحيوي وتوفير استخدام الطاقة، ومساعدة المزارعين ذوي الحيازات الصغيرة والإمكانيات المحدودة، وحماية الأجيال القادمة من التلوث، وانخفاض العرض مقارنة مع الطلب عليها، وتكاليف إنتاجها أعلى عادة نتيجة لارتفاع أجور اليد العاملة.

وتؤدي معاملات ما بعد الحصاد للكمية الصغيرة نسبياً من الأغذية العضوية إلى ارتفاع التكاليف، وتعاني سلسلة التسويق والتوزيع الخاصة بالمنتجات العضوية من عدم كفاءة، كما أن التكاليف مرتفعة لصغر الأحجام نسبياً، إذ لا تشمل أسعار الأغذية العضوية تكاليف إنتاج الأغذية ذاتها فحسب، بل تغطي مجموعة من العوامل الأخرى التي لا تدرج في أسعار الأغذية التقليدية، مثل: تعزيز وحماية البيئة، ارتفاع مستوى رعاية الحيوانات، تجنب المخاطر الصحية التي يتعرض لها المزارعون».

وتابع الباحث عن التجديد والتحديث في الزراعة العضوية، فأوضح قائلاً: «لعل فترة الانتقال من الزراعة التقليدية إلى الزراعة العضوية -تسمى فترة التحوّل- وهي سنتان للزراعات الحقلية، وثلاث سنوات لأشجار الفاكهة والمحاصيل الدائمة، وتخضع هذه الفترة إلى استثناءات تحكمها تشريعات وقوانين خاصة، إن الانتقال إلى الزراعة العضوية هو عملية طويلة المدى علماً أنه لا يوجد طريقة واحدة معينة للانتقال، حيث إن لكل مزرعة أو وحدة إنتاجية ظروفها الخاصة، وسهولة عملية الانتقال تتعلق بشكل مباشر بالحالة البدائية للمزرعة، إذ إن المزارع ذات الاعتماد الكبير على المدخلات الكيميائية سوف تأخذ وقتاً وجهداً أكبر لتحويلها، وتحتاج إلى استخدام المخصبات العضوية كالسماد البلدي للأبقار والدواجن والسماد الأخضر وبقايا النباتات لتحسين خواص التربة، والاهتمام باختيار الأصناف المقاومة والملائمة للمنطقة، واتباع طرق المكافحة الحيوية، وتطبيق الدورات الزراعية، ولهذا فإن الزراعة العضوية علمياً وإنتاجياً وعملياً تعيش حالة دائمة من التطوير والتجديد والتحديث».