مضى القرن الماضي وهو يحمل في طياته جدلية الحداثة، وإشكالاتها التي ارتبطت بتقدم التطور الصناعي والاقتصادي والاجتماعي، بعد أن ألقت ثورة المعلوماتية ظلالها، كي تشكل محوراً هاماً ومؤثراً في حياتنا اليومية، إذ استطاعت أن ترمي بشباكها العديد من التساؤلات، أبرزها القضايا الشائكة في الشعر العربي المعاصر وخاصة الحداثة.

حول هذا الموضوع تحدث الناقد الدكتور "عاطف البطرس" لموقع eSwueda قائلاً: «الحداثة قطيعة، مع أنماط التفكير القديم، مؤسسة على رؤية فلسفية ثقافية جديدة للعالم، أعادت موضوع الإدراك الإنساني للكون والطبيعة، والاجتماع البشري على نحو نوعي مختلف، أنتج منظومةً معرفيةً وثقافية واجتماعية جديدة، هي نفسها تكنت باسم الحداثة، وهي بالتالي حالة تحولٍ وانتقال مجتمعي مؤسسي، يترتب عليه انتقال البنى العديدة، بما في ذلك بنية الخطاب والفكر والثقافة والشعر، وعلى هذا فنحن نسقط من فهمنا للحداثة المدلول الزمني المحدد بفترة قرن العشرين، وما بعده كما نسقط الحداثة بمعنى الآنية والحالية، أي المعاصرة بما فيها من استهلاك للتقانة، والاستفادة من التطور العصري للاقتصاد والعقل السياسي.

الحداثة قطيعة، مع أنماط التفكير القديم، مؤسسة على رؤية فلسفية ثقافية جديدة للعالم، أعادت موضوع الإدراك الإنساني للكون والطبيعة، والاجتماع البشري على نحو نوعي مختلف، أنتج منظومةً معرفيةً وثقافية واجتماعية جديدة، هي نفسها تكنت باسم الحداثة، وهي بالتالي حالة تحولٍ وانتقال مجتمعي مؤسسي، يترتب عليه انتقال البنى العديدة، بما في ذلك بنية الخطاب والفكر والثقافة والشعر، وعلى هذا فنحن نسقط من فهمنا للحداثة المدلول الزمني المحدد بفترة قرن العشرين، وما بعده كما نسقط الحداثة بمعنى الآنية والحالية، أي المعاصرة بما فيها من استهلاك للتقانة، والاستفادة من التطور العصري للاقتصاد والعقل السياسي. إن الجوهر الفلسفي للحداثة، يتمثل في مفهوم مركزية الإنسان "النزعة الإنسانية"، بما تمثل من استقلال للفرد ونمو الذاتية، التي تشكل أساس وعيه، كذلك النزعة العقلية التجريبية في مجال المعرفة والتقدم والحرية، والتاريخ والمجتمع، والقطيعة هنا لا تنفي التراكم المعرفي وإنما تقطع مع أنماط التفكير القديم وأساليبه

إن الجوهر الفلسفي للحداثة، يتمثل في مفهوم مركزية الإنسان "النزعة الإنسانية"، بما تمثل من استقلال للفرد ونمو الذاتية، التي تشكل أساس وعيه، كذلك النزعة العقلية التجريبية في مجال المعرفة والتقدم والحرية، والتاريخ والمجتمع، والقطيعة هنا لا تنفي التراكم المعرفي وإنما تقطع مع أنماط التفكير القديم وأساليبه».

د. عاطف البطرس

وعن منتج شعر الحداثة تابع "البطرس" قائلاً: «لا يمكن أن تكون حداثة شعرية ما لم يوجد شاعر حديث يعيش مجتمعاً حداثياً، لأنها فعل تاريخي حضاري متصل من إنتاج النشاط البشري، ولا يحق لأحد إلغاء دور الآخرين في صياغتها، ويؤكد تعريفه هذا بما جاءت به الفلسفة الرشدية، وما قام به الفلاسفة العرب كمساهمة جادة في إعادة وصل أوروبا بماضيها، الذي انقطع بسبب انتصار الوحي المسيحي المعمم عبر الإمبراطورية الرومانية، يعني الماضي العقلاني اليوناني الأرسطي، لذا فإن عقلانية "ديكارت"، وديمقراطية وموضوعية "سبينوزا"، وجدلية "هيجل وماركس"، غير قابلة لأن تقرأ، بوصفها محض إنتاج للعقلانية الأرسطية، لأنها تخطت حدود العقل الصوري مع فيزياء نيوتن وتطورية دارون، وما كان لهذه الإنجازات أن تتم لولا صناعة الورق واكتشاف الكهرباء واختراع الدولاب والأبجدية.

والسؤال أين يقع الشاعر العربي اليوم منتج شعر الحداثة.. من عملية الحداثة نفسها؟ لأن فعل الحداثة بكل تجلياته وعلى كافة المستويات لم يتحقق في المجتمعات العربية التي لا نريد الخوض في تفاصيلها، وما تواجهه وتعانيه اليوم من ارتداد وعودة إلى القديم، تحت ما يسمى اليوم "الأصالة"، لكن ليس كل ما يجري في المنطق يجري في الواقع، فللواقع منطقه الخاص، لأن القاعدة المادية لا تنتج بنية فوقية مباشرة، هناك سلسلة متعددة من العلاقات والوسائط، والفن إنتاج اجتماعي ذو طابع فردي، ولا يمكن للفنان أن يخرج عن عصره ووعي ذلك العصر، إلا في حالات اختراق شديدة الخصوصية والفرادة، وقد يسبق البناء الفوقي البناء التحتي، كما يمكن أن يحدث خلل في العلاقة التطابقية بينهما، وقد عرف التاريخ مثل هذه الخروقات، المرحلة اليونانية في التاريخ القديم، والمرحلة المعاصرة من التاريخ الحديث، بفعل ثورة الاتصالات وعولمة المعرفة، ودول الأطراف تقوم اليوم بإنتاج أدبي وفكري متقدم على المركز، ظهور الرواية في بعض الدول المتخلفة صناعياً وعلمياً، أمريكا اللاتينية، الرواية الروسية في القرن التاسع عشر، تؤكد أن الفنون والآداب تتجاوز قانون التطابق الآنف الذكر.

د. علي حسن الفواز

أخيراً الحداثة العربية هي تجربة لغة وثقافة وليست فعلاً وحياة، والشاعر اليوم يعيش ما يسمى بالغصة الكونية الكبرى، وهي دراما الإنسان الواقع على تخوم عالمين، عالم يصبو إليه ولا يستطيع اللحاق به، وعالم يتبرم منه، لكنه ملزم مع ذلك ان يحيا فيه».

وحول أن الحداثة "غواية الكتابة...أم كتابة الغواية" أوضح الدكتور "علي حسن الفواز" من العراق قائلاً: «يظل سؤال الحداثة سؤالا غامضا وباعثا على الكثير من الريبة والقلق، ليس لأنه سؤال في الوجود، أو سؤال في المعنى أو سؤال في الزمن، بقدر ما انه السؤال المفارق، الذي يقودنا إلى سلسلة من الأسئلة، مثلما يضعنا إزاء سلسة طويلة من مهيمنات، الأثر الذي ورثناه واستعملنا أسحلته وشفراته وأشاعته، على وهم أن هذا الأثر يختصر تاريخنا المتاح والمباح، والحافل بمدونات نقلنا وأسئلتنا الأولى، تلك التي تورط بها العقل الشعري في مغامراته المبكرة، وأنتج من خلال صدماتها، الأسئلة التي انحنت على توهم المفارقة والاختلاف، في النظر إلى الأشياء والى صناعة المغاير.

مغامرة الأسئلة باتت هي إرهاص التحول، وباتت هي اللعبة الغاوية أيضاً، إذ أنها تحولت إلى نوع محرض على كشف المزيد من المساحات غير المكتشفة، والرؤى المسكوت عنها، والمفاهيم التي تتعلق بموضوعات صناعة الشعر، والخطاب الشعري، وليس بفطرتها ومعيارها العمومي، فضلا عن المزيد من دوافع التعرية، وربما إلى ما يشبه مراودة المقدس السياسي، والمقدس الأيديولوجي، ومقدسات الجسد والنص التي خرج الكثير من الشعراء العراقيين عبر شقوقها، يبحثون عبر تماهيات لذة التمرد والتلصص عن جسد آخر، له عريه الدافق والموجع والغاوي، وله تبدلاته العاصفة ونكوصاتة التي تحرض على الكثير من الحرية والسيولة والتماهي، إذ يكون هذا الجسد"جسد القصيدة، شكلها، ماءها الشعري كما يسميه "عبد الملك مرتاض" هو الصانع الاستثنائي لنص الغواية والمراودة والانتهاك، وإذ تكون أسئلة حداثته هي محاولة لاصطناع خارطة أخرى، تحوز الطريق إلى السري، الغامض، والباعث على خروج له مساحاته البصرية النافرة عن تلك المهيمنات المدونة كالوصايا، والباعثة على ارتكاب شيطنة التمرد على الطاعة.

في هذا السياق سيظل سؤال الحداثة معلّقا وغائما، فعن أية حداثة نسأل! وعن أية هموم نظرية تخص تفاعلنا مع غير البريء مع الآخر، وفي أي ضوء سنضع المقاربات التي تحتفي بنصنا وسؤالنا! وعن أية تأسيسات جديدة يمكن أن نشاغل بها ما هو مكرس ونافذ في وعينا القديم، والذي مازال ملتبسا باشتباكاته عند إشكالات الحداثة واشتغالاتها العارمة في التجديد وفي التعرية!».

وحول سؤال الحداثة الشعري والفراغات الدامية بين الباحث الدكتور "إبراهيم محمود" بالقول: «ربما يكون عنوانٌ كهذا تسييراً أو تحفيزاً لعنف مفهومي، ينعطف على الحداثة وتوابعها من المفردات التي لا تستقر في مجتمع يعاني صراعات، على مستوى الهوية الثقافية والحضارية والكونية، ولكنه الصراع الهائل التضاريس والأبعاد ظاهراً وباطناً، بالنسبة لشعرائنا الذين يتقاسمون الاسم الواحد، وانقسام هذا الاسم على نفسه، على امتداد أكثر من نصف قرن. إنه صراع يتجاوز نطاق هذا الشعر، يسمّي مواقع المعنيين بها وجمهورهم، ونحن نواجه بما يكونه الشعر واللاشعر، بالشعر الحر أو المنثور أو النثر وحقيقته الشعرية راهناً ومآله..

إن الحداثة غير ممكن القبض عليها، لأنها ما إن تسمى حتى تفلت من التحديد من المقاربة الدقيقة، من الرؤيا الخاصة التي تصلنا بها، باعتبارها شديدة الحساسية إزاء الزمان ومستجداته المكانية.

وربما كان "محمود درويش" مثالاً آخر، يقرّبنا من إشكالية الحداثة، حيث جرى تداوله وكأنه شاعر الحداثة المنتظر، كأنه الوجه الأمثل لفلسطين شعوراً وحساسية وحلماً أو لسان حال في الجملة، انطلاقاً من لعبة ثقافية وسياسية وإعلامية، أساءت إلى الاسم ومفهوم الشعر والصوت الذي يعرّف به. إن الحداثة عندما تفتن تضاد حقيقتها.

لا تعود الحداثة كينونة ثقافة أو موضوعاً حاضراً ملء الجسد بروحه، إنما في حالة غياب، حتى وإن بدت في أكثر حالاتها حضوراً في الكلام الدائر بيننا ومنذ أكثر من نصف قرن، وهي لم تتأهل بعد».