بهدف مدِّ جسور التكافل بين أبناء الوطن الواحد، ابتكر عدد من المغتربين المنحدرين من منطقة "شهبا" مبادرة أطلقوا عليها "مدّ قمح" لكي تكون (عيش وملح) بين الجميع. وخلال أيام، زرع المتطوعون والمتبرعون قصة حب من نوع خاص لم تألفها المنطقة منذ عشرات السنين.

(القمح)؛ هي كلمة السر ومفتاح المحبة كما وصفها المزارع "حمد الطويل" لمدوّنة وطن "eSyria" التي التقته بتاريخ 26 آب 2020، حيث تحول منزله إلى خلية نحل طوال الأيام الماضية، وقال: «عندما كان القحط والمحل يضرب البلاد، كان الفلاحون الذين خزنوا أقماحهم في (الكواير)؛ يفتحونها لكل محتاج، وهناك قصص كثيرة تمتد لعشرات السنين عن رجال أحرقوا دفاتر ديونهم بعد انتهاء بيع القمح في سنوات المحل، فالقمح هو المنقذ للمحتاجين. وفي هذه الأوقات الصعبة التي يمر بها الناس؛ جاءت هذه المبادرة من أبنائنا المغتربين لكي تسد ولو زاوية صغيرة من احتياج العائلات الكبيرة، صحيح أن الكمية عبارة عن عشرين كيلو من القمح الصافي، لكنها كافية لكي تكون طحيناً أو برغلاً أو حتى وجبات من (السليقة) إن دعت الحاجة، لكن الأهم من كل ذلك حالة الروح التي تبثها حبات القمح بين أيدي الناس، إن كانوا متبرعين أو متطوعين أو مستقبلين لهذه الهدية الرمزية».

إن الفكرة تطورت كثيراً، حيث بلغت التبرعات حتى اللحظة ستة عشر طناً، وكنا نعتقد في البداية أننا نستهدف مئة أسرة كحد أقصى، لكن الخير في نفوس أبنائنا كبير، وحتى من الذين لا يملكون إلا حاجتهم تبرعوا منها بكل محبة، ولذلك فنحن مستمرون، طالما أن هناك متبرعين من الداخل والخارج يرسلون المال والقمح لكي يصل الخير إلى أكبر عدد ممكن من الأسر

وتابع القول: «إن الفكرة تطورت كثيراً، حيث بلغت التبرعات حتى اللحظة ستة عشر طناً، وكنا نعتقد في البداية أننا نستهدف مئة أسرة كحد أقصى، لكن الخير في نفوس أبنائنا كبير، وحتى من الذين لا يملكون إلا حاجتهم تبرعوا منها بكل محبة، ولذلك فنحن مستمرون، طالما أن هناك متبرعين من الداخل والخارج يرسلون المال والقمح لكي يصل الخير إلى أكبر عدد ممكن من الأسر».

شباب وشابات في حملة التوزيع

"سامر الخطيب" أحد منسقي المبادرة تحدث عن المستهدفين منها، فقال: «منذ الدقائق الأولى لإطلاق المبادرة التي تبناها عدد من المغتربين الشباب في دول الخليج و"أوروبا" كان لدينا ما يقارب الستة أطنان من القمح، حيث كانت مضافة المزارع "حمد الطويل" هي المكان المخصص لجمع التبرعات وتوزيعها، خاصة أن أحد المتبرعين والقائمين على المبادرة ابنه المغترب.

وتركز عملنا في البداية على استهداف بيوت من لا معيل لهم؛ كالأرامل، وزوجات الشهداء، وكذلك بيوت المرضى وذوي الاحتياجات الخاصة، وضيوف المدينة، وتعاونا مع مجلس مدينة "شهبا" لتكريم فوج الإطفاء وعمال النظافة، وتواصلنا مع رعاة المجالس والكنيسة والجامع لكي يصل القمح إلى كل بيت محتاج.

تقسيم القمح

"مدّ قمح" كما أطلق عليها؛ تعني العودة للتراث والجذور، ومعناها الرمزي كبير وواسع، ولهذا جاءت التبرعات بوقت قياسي لا يتعدى الدقائق، وليس من أبناء "السويداء" فقط، حيث ساهم معنا عدد من الكرماء من "دمشق"، والجميل في هذا العمل أن كل الأطياف الاجتماعية والدينية اشتركت بالتوزيع، وخاصة الشباب والشابات الذين يثبتون يوماً بعد يوم أنهم أهل لحمل المسؤولية».

"بشير دنون" الناشط الدائم على الأرض، قال عن دوره: «لم نقدم شيئاً يذكر في هذه الظروف الصعبة على الجميع، وكان دورنا محصوراً في وضع القمح المعلب بأكياس، وإيصاله إلى بيوت المستهدفين فقط، لكن الملاحظ في هذه المبادرة المبتكرة أن عدداً من الذين كنا نستهدفهم كانوا يحثونا على أن نستهدف بيتاً آخر، ويتنازلون عن حصتهم لأجل جيرانهم، وهذا هو المعنى الحقيقي للإيثار والمحبة بين أبناء المجتمع الواحد الذي يعيش الظروف نفسها، وفي مثل هذه المواقف كانت حصة الجميع جاهزة، فالخير كثير، والقمح أكثر، ففيه بركة ورسالة مستمرة».

المقسوم