على مساحة كبيرة، وفي أكثر الأماكن غنى، يتوضع "بيت اليتيم" الذي يعدّ من أكثر البيوت شهرة واهتماماً في "السويداء"؛ فهو نتاج عمل شعبي مستمر، بدأ منذ عام 1948، واستطاع على مر السنين تخريج عشرات الشبان الفاعلين في المجتمع.

مدونة وطن "eSyria" وبتاريخ 28 كانون الثاني 2018، التقت عضو مجلس الإدارة، الزميل "حسين خويص"، الذي تحدث عن بداية هذا الصرح الكبير بالقول: «لم تكن بداية إحداث "بيت اليتيم" مجرد مصادفة، إنما كانت الفكرة عبر مجموعة من المغتربين من أبناء المحافظة في الأربعينات من القرن العشرين، حيث اجتمعوا للمساهمة بجمع مبالغ من المال لإرسالها إلى المحافظة في سبيل تقديمها للمحتاجين من الأيتام الذين حرمهم الزمن من حنان الأبوين.

منذ أن قدمنا إلى الدار عام 2011 مع عدد من الأشخاص الفاعلين في المجتمع، حاولنا تحسين كل المرافق وتطوير المكان، وترافق ذلك مع دراسة وضع كل نزيل ومعرفة كل شيء عنه وعن وضعه ومواهبه لتطويرها، وقد استثمرنا موارد الدار الاستثمار الأمثل، ونحاول أن نصل إلى مرحلة تكون هذه الموارد كبيرة جداً، وتحقق كل المتطلبات

وكانت المبادرة الطيبة من رجل خيّر ومقدام على عمل الخير لمن قسا عليهم الزمن من أيتام ومشردين وعجزة ومكفوفين، الراحل "عارف النكدي" محافظ "السويداء" بعد استقلال "سورية"، حيث أسس "بيت اليتيم"، وقدم له كل الدعم المادي والمعنوي.

مكتبة الدار

لقد عرف الناس "النكدي" في مناصب قضائية مختلفة، وكان مؤسساً وراعياً لأهم جمعية خيرية في المحافظة، التي اتسعت خدماتها مع الزمن، وصار اسمها "جمعية الرعاية الاجتماعية بالسويداء".

وفي عام 1959، أُسّست جمعية "حماية الأحداث"، ثم أُسّست في عام 1960 جمعية "رعاية وتأهيل المكفوفين"، وبموجب القرار الوزاري رقم 703 بتاريخ 11 حزيران 1971، تم دمج الجمعيات الثلاث بجمعية واحدة تسـمى "جمعية الرعاية الاجتماعية بالسويداء"، وأخذت رقم إشهار 137، وانتخب أول مجلس لإدارتها».

حفلات ترفيهية

ويضيف المربي "نايف البدين" عن أهداف الجمعية ومواردها: «لـ"بيت اليتيم" أهداف ثلاثة، لكنها واسعة في مضمونها وفاعليتها على الأرض، وهي: إيواء ورعاية الأيتام رعاية كاملة (أكل، لباس، علاج صحي، متابعة مدرسية)، وتامين البيئة اللازمة لتنشئتهم تنشئة صالحة.

وإيواء المسنين من الجنسين الذين يفتقدون وسائل العيش الأساسية والرعاية الأسرية، وتقديم كافة متطلبات الحياة لهم.

المساهمة بالتطوع

وكذلك حماية الأحداث من الجنوح، وتهيئة الوسائل لمعالجة انحرافهم، وتوجيههم التوجيه الصحيح.

والشيء اللافت للنظر، أن الموارد المالية التي ترد إلى البيت غير المنصوص عليها في النظام، تأتي من قبل جميع الناس الذين يعلمون ما تقدمه من خدمات جليلة، ويمكن أن يستفيد منها أي منزل، إضافة إلى الدعم الكبير الذي يقدمه المغتربون من أبناء الوطن، حتى كبر البيت، وباتت له موارد ذاتية، وتتبع له مدرسة "الفتاة"، التي تقع في مكان حسّاس وسط مدينة "السويداء"».

مدرّب البرمجة العصبية واللغوية، "سعد فرحات" الحاصل على شهادتين علميتين من جامعة "دمشق"، الذي كان أحد نزلاء البيت في طفولته، قال: «عشت وإخوتي زمناً ليس بالقليل في هذا البيت الذي قدم لنا كل أنواع الدعم والرعاية، وله الفضل الأكبر فيما وصلنا إليه من علم ومعرفة. وبعد أن كبرنا، لم ننسَ هذا البيت، والذين كانوا وراء نجاحنا من مشرفين وإداريين، فمن خلال عملي كمدرب بالبرمجة اللغوية والعصبية، أقمت العديد من الدورات للمشرفين والإداريين الذين هم بالأصل خريجو جامعات، وعلى مستوى عالٍ من العلم والثقافة والإنسانية، ونطمح دائماً إلى المزيد لجعل النزلاء جاهزين بأي وقت للحياة خارج البيت، فمنذ سبع سنوات كان قرار الإدارة في تطوير مهارات المشرفين والإداريين، لأن النزلاء مسؤولية كبيرة، ويجب متابعتهم وتخريجهم ليكونوا القدوة الحسنة في المجتمع».

"مفيد عامر" رئيس مجلس الإدارة، تحدث عن وضع النزلاء والأقسام، بالقول: «نحاول بكل طاقتنا أن نكون قريبين من أبنائنا الأطفال، وتلبية كل احتياجاتهم كأي أسرة، لدينا روضة تضم 16 طفلاً، يلقون الرعاية الطبية والغذائية والنفسية السليمة، ونحاول أن نعوضهم من خلال المشرفات الأمهات عن اليتم والحرمان قدر استطاعتنا، ولدينا أطفال وشبان من كافة الأعمار يلتحقون بأفضل المدارس، ونهتم بتعليمهم؛ من خلال المشرفين الذين ينظمون وقتهم بين الدراسة والترفيه والغذاء والنوم. وقد خرج من الدار عدد من الشابات بثوب الزفاف، وقد أقمنا لهن عرساً حقيقياً في مضافة الدار الواسعة، وكأنهن خرجن من بيوت أهلهن.

وكثيرون من الشبان باتوا فاعلين في المجتمع بعد أن تخرّجوا في الجامعات، ومنهم من عاد لكي يساهم معنا في تربية الأطفال وتحسين مهارتهم العلمية والحياتية، ونحرص دائماً أن يخرج أبناؤنا لمواجهة المجتمع وهم يمتلكون أسلحة العلم والمعرفة والروح أيضاً، ونحرص على أن يساهموا في الفعاليات والنشاطات الاجتماعية التي تجري في المحافظة لمقابلة الناس والاحتكاك معهم، فليست مهمتنا الأكل والشرب واللباس فقط، فمعرفة الحياة علم ومدرسة أيضاً».

ويضيف: «منذ أن قدمنا إلى الدار عام 2011 مع عدد من الأشخاص الفاعلين في المجتمع، حاولنا تحسين كل المرافق وتطوير المكان، وترافق ذلك مع دراسة وضع كل نزيل ومعرفة كل شيء عنه وعن وضعه ومواهبه لتطويرها، وقد استثمرنا موارد الدار الاستثمار الأمثل، ونحاول أن نصل إلى مرحلة تكون هذه الموارد كبيرة جداً، وتحقق كل المتطلبات».

يذكر أن الدار تضم 110 نزلاء من الأيتام والمسنين، وأن عدداً كبيراً من الفعاليات الاجتماعية والأهلية قد أقامت الكثير من المهرجانات والندوات والنشاطات الفنية والثقافية ودورات التوعية بالتعاون مع "بيت اليتيم".