"كان يا ما كان، في قديم الزمان"؛ عبارة تطلق العنان لخيالنا ليحلق في عالم الحكايات والقصص، التي كانت الجانب الأجمل في طفولتنا، حيث التفاصيل الجميلة وأبطال الخيال والعبر.

مدونة وطن "eSyria" أضاءت على تجارب عدد من الأشخاص مع الحكايات منذ الصغر، والتقت بتاريخ 1 تموز 2016، ربة المنزل "كفاح أحمد أبو طافش"؛ التي قالت: «كان والدي يحب القراءة كثيراً، حتى إنه توفي وهو يقرأ، وأذكر دائماً حكاياته وما كان يقصه على مسامعنا من قصص تربوية وتثقيفية، والنصائح التي كان يقدمها لنا كحكاية، فالحكاية تبقى في الذهن وهي أكثر ثباتاً في الذاكرة.

عندما نقرأ القصص للأطفال نحفز لديهم حب المطالعة، وقد جهزت مكتبة صغيرة في الروضة بعد أن طلبت من كل طفل إحضار قصة، وكل يوم سنقرأ في نهاية الدوام إحدى القصص، ولمست تفاعلاً من الأطفال وسباقاً فيما بينهم لمن سنقرأ قصته أولاً

فكلما تحدث عن الصبر والكرم وغير ذلك من الصفات الإنسانية أحضر أمثلة من القصص والحكايات وكتب التاريخ التي قرأها».

"كفاح أبو طافش"

وتتابع قائلة: «بعد أن كبرت وتزوجت أصبحت أقص هذه الحكايات على مسامع أبنائي، فكثيراً ما كنت أقف حائرة أمام سلوكيات لا أفضلها لدى أبنائي، لأجد أنه من خلال حكاية معينة، أساعدهم على تغييرها لا بل تحسينها، وقد واجهني موقف مع أحد أبنائي وهو تقليده لغيره من أقرانه، لأجد أنه من خلال حكاية واحدة ما زلت أذكرها عن لسان أبي، تغير سلوكه وأصبح شغوفاً ببناء شخصيته المستقلة، حتى إنه كان يطلب مني أن أقصها له أكثر من مرة حتى حفظها.

تقول الحكاية: «يحكى أن حمارين كانا يسيران على طريق واحد، أحدهما يحمل الملح على ظهره والآخر يحمل إسفنجاً، فكان حمل الأول ثقيلاً والثاني خفيفاً.

"عبير فليحان"

وصادفتهما أثناء سيرهما بركة ماء، عبر من خلالها الحمار الأول، فذاب الملح الذي يحمله على ظهره، لاحظ الحمار الثاني أن مشية الحمار الأول تحسنت، ولم يعد مجهداً كما في بداية الطريق، فقرر أن يقلده، وما إن نزل في الماء حتى شرب الإسفنج الماء وأصبح ثقيلاً جداً».

والمغزى من هذه الحكاية أن تقليد غيرنا قد لا يكون في مصلحتنا، يجب النظر جيداً إلى تصرفات الآخرين، وتقليد ما يعود علينا بالمنفعة وليس ذلك التقليد الأعمى، كانت الحكايات تنقذني في كثير من الأحيان وأضطر إلى تأليفها بمواقف معينة، وكان وذلك وليد الساعة، ويحدث أن أنسى التفاصيل بعد مدة، أحياناً المواقف تستدعي هذا الحل، والهدف هو إعطاء عبرة لأطفالي».

"عادل البعيني"

"عبير فليحان" خريجة أدب عربي، أضافت: «لا أذكر من حكايات أمي في الصغر إلا الحكايات القاسية، فكنا نسمع حكايات اجتماعية عن زوجة الأب الشريرة وغيرها، حتى أغاني الأطفال كنت ألاحظ أنها تحتوي ألفاظاً صادمة مثل أغنية "يا الله تنام لأذبحلك طير الحمام"، كنت أتساءل ما الغاية من هذه الكلمة في أغنية تساعد الأطفال على النوم؟ أنا كنت أغنيها مع تغيير لهذه الكلمة، ومن هنا بدأت مع أطفالي أحكي لهم القصص بأسلوب لطيف وشيق وأبعدهم عن الرعب، وفي أغلب الأحيان كنت أقوم بتأليف هذه القصص».

تعمل "عبير" في روضة للأطفال، وعن عملها تحدثت: «من خلال عملي مع الأطفال في الروضة، وجدت أن القصة التي يمكن أن أرويها للأطفال عن أمر معين أو سلوك معين، تساعدهم كثيراً وتحسن سلوكهم، وحدث ذات مرة أن رويت لهم قصة عن أذى الناس، وكانت لدي حالة مشابهة بين الأطفال، لاحظت أن المعني بالقصة كان أكثرهم تأثراً، حتى إنه حاورني بعدة أمور بعد انتهاء السرد، سألني عن مصير الطفل، وعن انطباع أهله وأقاربه، ووجدت أنني من خلال ذلك ساعدته، ولعلها طريقة أفضل من المواجهة المباشرة وإحراجه».

وتتابع: «عندما نقرأ القصص للأطفال نحفز لديهم حب المطالعة، وقد جهزت مكتبة صغيرة في الروضة بعد أن طلبت من كل طفل إحضار قصة، وكل يوم سنقرأ في نهاية الدوام إحدى القصص، ولمست تفاعلاً من الأطفال وسباقاً فيما بينهم لمن سنقرأ قصته أولاً».

"عادل البعيني" مدرّس لغة عربية متقاعد وشاعر لديه أربعة دواوين شعرية مطبوعة، قال: «أثناء تدريسي للغة العربية ولمادة القواعد بوجه خاص كنت أسعى إلى ترسيخ القواعد في أذهان الطلاب من خلال الحكاية، حكاية "كان وأخواتها" و"إن وأخواتها"، وهذا شائع لدى بعض المدرّسين، ابتكار الحكايات بقصد إيصال المعلومات.

وفي سياق آخر بعيداً عن التدريس، ما زلت أذكر الحكايات التي كان يقصها لنا الأجداد والآباء والأمهات، فوسائل الترفيه والتعليم لم تكن متوافرة كما هي اليوم، وكانت التسلية هدفنا الأول من سماع الحكاية، التي كانت تنتهي دائما بعبرة قلما ننساها، وأذكر من حكايات الأجداد تلك التي تقول: «عاشت أم مع ابنها حياة عادية، وكان الابن لديه عادة سيئة وهي السرقة، فكثيراً ما يسرق أغراض غيره، وكانت أمه كلما سرق شيئاً تقول له: هذه المرة لا بأس، لكن إياك أن تعيدها المرة القادمة.

إلا أن المرات تتالت والشاب كبر وترسخت هذه العادة السيئة في سلوكه، وبدأ السرقات تكبر حتى إنه بات يرتكب الجرائم، وأمه لا تنفك تنذره بأن يكون حذراً في المرة القادمة، إلى أن جاء يوم ألقي فيه القبض على الشاب، وحكم عليه القاضي لكثرة جرائمه ومنها القتل بالموت، وقبل تنفيذ الحكم سؤل ماذا يتمنى؟ فأخبرهم أنه يريد أن يرى والدته للمرة الأخيرة.

وعندما شاهد أمه، طلب منها أن تمد لسانها وهذا آخر ما يتمنى، عجبت لأمره إلا أنها آثرت تنفيذ رغبته، وما إن قامت بمد لسانها حتى أنقض عليه بأسنانه فقطعه.

تعجب الجميع لأمره وسئل عن سبب ما فعل، فأجابهم: لسانها وحده من صنع مني لصاً وقاتلاً، لم تنهني يوماً عن أمر، فعندما كنت أسرق لم تعاقبني حتى، فقط تكتفي بالقول: إياك أن تعيدها في المرة القادمة».

وتبقى الحكاية مخزوناً فكرياً لمواقف وأحداث ابتكرناها أو عشناها، ولكل حكاية هدف، تماماً كحكايات الأمهات.