يحمل المجتمع في "جبل العرب" منظومة من العادات والتقاليد الاجتماعية، وهي تختلف بين المدينة والريف بعلاقة تبادلية، ومن خلال تعدد وسائل الاتصال ودمجها بعادات الريف دخل التأثير إلى تلك المنظومة الاجتماعية الريفية.

حول علاقة وسائل الاتصال بالمجتمع الريفي؛ مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 11 كانون الثاني 2016، الباحثة الاجتماعية الدكتورة "ريما يحيى الحجار" الأستاذة الجامعية لعلم الاجتماع الإعلامي في جامعة "دمشق"، فبيّنت قائلة: «تتسم العلاقات الريفية بوجه عام بالتماسك الاجتماعي والتواصل المباشر شبه اليومي، وبحكم العرف والتقليد والعادات لأفراد المجتمع؛ حيث إنها تمثل أهم الضوابط الاجتماعية التي تفوق القانون أحياناً كثيرة، ويختلف الريف عن المدينة بحجم السكان وتجانسهم وحراكهم الاجتماعي، والتعليم والصحة والترفيه، وبعض الملامح الأخرى، لكن بعد ثورة التكنولوجيا والاتصالات الحديثة؛ مثل الفضائيات، الأجهزة ذكية، الشبكة العنكبوتية، مواقع التواصل الاجتماعي، وغيرها؛ التي طالت المجتمع الريفي، بدأت العلاقات الاجتماعية الريفية تتقلص، ومال الأفراد إلى الاستقلالية والانشغال بالشؤون الخاصة أكثر من العامة، وقرّبت وسائل الاتصال المسافات، لكن أبعدت أفراد المجتمع بعضهم عن بعض؛ إذ اكتفوا بإنجاز الكثير من الالتزامات والواجبات الاجتماعية باتصال هاتفي أو بمراسلة عبر الهاتف النقال أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك لدى مختلف الفئات العمرية والثقافية والاجتماعية، فالتهنئة بأعياد الميلاد والأعياد الدينية، والنجاح والولادة والزواج والخطبة والعودة من السفر وزيارة المريض وحتى العزاء، وغيرها من المناسبات أصبحت تتم عبر رسالة نصية قصيرة عبر الهاتف النقال بتعليق».

لا شك أن المجتمع بمكوناته ومرتكزاته الاجتماعية ومنظومته من العادات والتقاليد الاجتماعية وطبيعة الحياة اليومية اختلف، وبات يخوض تجربة جديدة مع عالم افتراضي معلوماتي يقرب البعيد بطريقة خيالية من جهة، ويجعل لغة التواصل أكثر حميمية من خلال الصوت والصورة والمشاهدة من جهة ثانية، وهناك اعتبارات اجتماعية أخرى، كتغير في العادات والتقاليد؛ حيث دخلت المجتمع عادات لم تكن موجودة، وهي وافدة من المدينة إلى الريف، وأصبحت جزءاً من سلوك أفراد مجتمعنا اليومية من دون تدخل من جهات أو أفراد، بل النظام المعلوماتي جعل العالم قرية صغيرة، وبالتالي تكوين المفاهيم الاجتماعية تبدل، ودخل فيها الإيجابي والسلبي، وهذا ما يدفعنا جميعاً اجتماعياً في "المضافات" والتجمعات الاجتماعية إلى طرح الأفكار الإيجابية عن المعلوماتية؛ كتوفير الوقت والجهد والتعب وإيصال المعلومة بالسرعة القصوى، كذلك طرح السلبية وما تحمله من سموم ثقافية تربوية في صفوف أفراد مجتمعنا؛ وخاصة فئة الشباب، ولهذا فإن المجتمع يحمل بين طياته الكثير من الأنظمة القابلة للتغيير، وهناك ثوابت يجب الاحتفاظ بها لتكون الدرع الحصين ضد سلبيات المعلوماتية والعولمة المزيفة

وتابعت: «من المعلوم أن عدداً لا يستهان به من أهالي محافظة "السويداء" يمتهنون السفر والهجرة، ولعل قلة صلة الرحم بالزيارات المباشرة، والتواصل بالصوت والصورة وفق برامج خاصة عن طريق الهاتف النقال أو جهاز الحاسوب أو الحاسوب المحمول، تخفف من لهفة شوقهم وتعينهم على تحمل الغربة، نتيجة التواصل شبه اليومي مع ذويهم، وأصبحنا نعيش في مجتمع افتراضي، ونبني صداقات مع أفراد مجهولين قد يخدعوننا بجنسهم أو عملهم أو انتمائهم أو أي معلومة شخصية، وأحياناً تتكون علاقات عاطفية بين المتواصلين وربما أكثر من ذلك، وقد توسعت الشبكات وأبراج الاتصالات لتغطي أبعد نقطة على الخارطة السورية من أقصاها إلى أقصاها، حيث أصبحت شبكات الإنترنت متاحة في كافة القرى تقريباً، والآن تكاد لا تجد قرية لم تصل إليها شبكات الإنترنت، ومعظم أبنائها يستخدمونها لغايات عدة، والكثير من الأسر تجد فيها أجهزة هاتفية متطورة بعدد أفرادها، حتى الأطفال منهم، غير منتبهين أو مهتمين لمخاطر استخدام الاتصالات الحديثة ومواقع التواصل الاجتماعي من قبل الأطفال والمراهقين، على الرغم من فوائدها، ولعل تغير الكثير من ملامح الحياة الريفية، ودخول التقنيات إليها لم يعد الريف ذلك المكان الهادئ البعيد الذي يختص بالزراعة أو الرعي والطبيعة الجميلة والهواء النقي، وسكانه يتسمون بالبساطة والعفوية، ولا يعرفون الكثير أبعد من حدود منطقتهم، بل أصبحت معظم المناطق الريفية أشبه بأحياء مدنية أو مدن صغيرة لا ينقصها الكثير من متطلبات المدينة عدا المصانع والتلوث والضجيج والمؤسسات الحكومية والتعليم العالي والمستشفيات، كيف لا والعالم كله أصبح "قريةً صغيرة" في ظل نظام العولمة الجديد والغزو الفكري والثقافي، ليكوّن شخصيات وعقولاً تتناسب مع متطلباته».

الدكتورة ريما يحيى الحجار

الأستاذ "بدران بدران" المعلم والمدرّس ورئيس بلدية قرية "الكفر" بين رأيه في ذلك قائلاً: «لا شك أن المجتمع بمكوناته ومرتكزاته الاجتماعية ومنظومته من العادات والتقاليد الاجتماعية وطبيعة الحياة اليومية اختلف، وبات يخوض تجربة جديدة مع عالم افتراضي معلوماتي يقرب البعيد بطريقة خيالية من جهة، ويجعل لغة التواصل أكثر حميمية من خلال الصوت والصورة والمشاهدة من جهة ثانية، وهناك اعتبارات اجتماعية أخرى، كتغير في العادات والتقاليد؛ حيث دخلت المجتمع عادات لم تكن موجودة، وهي وافدة من المدينة إلى الريف، وأصبحت جزءاً من سلوك أفراد مجتمعنا اليومية من دون تدخل من جهات أو أفراد، بل النظام المعلوماتي جعل العالم قرية صغيرة، وبالتالي تكوين المفاهيم الاجتماعية تبدل، ودخل فيها الإيجابي والسلبي، وهذا ما يدفعنا جميعاً اجتماعياً في "المضافات" والتجمعات الاجتماعية إلى طرح الأفكار الإيجابية عن المعلوماتية؛ كتوفير الوقت والجهد والتعب وإيصال المعلومة بالسرعة القصوى، كذلك طرح السلبية وما تحمله من سموم ثقافية تربوية في صفوف أفراد مجتمعنا؛ وخاصة فئة الشباب، ولهذا فإن المجتمع يحمل بين طياته الكثير من الأنظمة القابلة للتغيير، وهناك ثوابت يجب الاحتفاظ بها لتكون الدرع الحصين ضد سلبيات المعلوماتية والعولمة المزيفة».

الأستاذ بدران بدران
الدكتورة ريما الحجار