يعدّ الراوي في "جبل العرب" شخصية ثقافية، لأنها تنطوي على ذاكرة جمعية مهمة في حفظ وتوثيق الأحداث بالشعر والأدب، ويعمل على نقلها بين أفراد المجتمع في "المضافات"، وما زال الشاعر "لؤي العقباني" على عهده كراوٍ للحكايات الشعبية من خلال الشعر منذ ما يزيد على ثلاثة عقود.

وحول شخصية الراوي ومكوناته في توثيق وتدوين الأحداث وميزاته؛ مدونة وطن "eSyria" وبتاريخ 11 كانون الأول 2015، التقت الشاعرة "ربيعة غانم" مسؤولة التراث في "مديرية الثقافة بالسويداء"؛ حيث بيّنت قائلة: «من المعلوم أن شخصية الراوي في الجبل تختلف في مفهومها ومقوماتها عن الحكواتي في غير مناطق من وطننا الحبيب، إذ تعتمد شخصية الحكواتي في نظرتنا الاجتماعية على موسم معين أو أوقات محددة، واعتماده على قصص قديمة كقصة "الزير" أو "تغريبة بني هلال" وحكايات الأساطير، لكن الراوي في جبل العرب يتميز بشخصية اعتبارية؛ فهو موثق ومدوّن ورجل مدهش في الأداء لاستقطاب الحديث بين الناس، ولديه قدرة إبداعية في خطف الأنظار في "المضافات" لجعل وجوده لافتاً، فهو يمثل حالة عند أفراد المجتمع، والشاعر "لؤي العقباني" هو من نمط هؤلاء الذين جاهدوا منذ صغرهم على دراسة وحفظ الحكايات الواقعية التي تحمل عنصري التشويق في مجرياتها وعنصر الإبداع في الشعر الشعبي الذي يتقنه في الأداء وخاصة على آلة "الربابة"، إذاً هو شخصية لها أبعادها الاجتماعية والإنسانية والثقافية».

هناك ملاحظات لا بد منها؛ وهي أن مكونات شخصية الراوي نابعة من خبرة اجتماعية، ويملك الجرأة والشجاعة في أن يتحدث أمام جمع غفير من المجتمع، ولهذا تراه يتمتع بحب الناس وإعجابهم بأدائه وذاكرته الحاضرة السريعة، وللراوي قدرة في كيفية التعامل بقضايا اجتماعية واقتصادية وثقافية، ولا ينحصر فقط في موضوع الحكايات الشعبية والأدب الشعبي، بل هو جزء من منظومة القرار الجمعي

وتابعت "ربيعة غانم" عضو اتحاد الكتّاب العرب قائلة: «عمل الفنان "لؤي العقباني" على توثيق قصص و"سوالف" عربية قديمة، وهي حكايات واقعية جرت فعلاً وتركت أثراً إيجابياً في المجتمع، منها حكاية "بيان بن سلبة"، وقصيد "عبيد بن الرشيد"، أو "عبد الكريم الجربة"، أو شعراء الجبل الذين مضى عليهم أكثر من مئة عام، مثل: "شبلي الأطرش"، و"إسماعيل العبد الله"، و"فندي الخزاعي"، و"أسعد نصار"، وغيرهم الكثير، فالحديث يملأ المضافة رزانة وهيبة ووقاراً، والمتلقي تراه ينصت باحترام لذلك التاريخ. إذاً، شخصية الراوي هنا شخصية إبداعية، تعمل عمل التوثيق والتدوين وإعادة إحياء الموروث الشعبي والتراث الشعبي بطريقة جديدة بما يتلاءم مع العصر، وهذا ما استطاع فعله الشاعر "لؤي العقباني" بتقديم باقة من تلك القصائد بصوته وعلى آلة "الربابة"».

ربيعة غانم

الشاعر "لؤي العقباني" أوضح بالقول: «منذ أكثر من ربع قرن وأنا أقوم بجمع التراث الشعبي وأقدمه كحكايات أو رواية داعماً كل حكاية بقصيدة شعرية من أنماط الشعر الشعبي تثبت أحداثها، يقيناً مني أن شخصية الراوي في المقاعد والمجالس هي تعبير عن رؤية ثقافية، لأن المجالس مدارس، ولأن المقاعد هي تنمية لبناء الشخصية، فإن الراوي حين يسرد قصة ما عن "بيان بن سلبة" وفطنته، وكرم "عبد الكريم الجربا" فهذا يعني أننا قدمنا نموذجاً لشخصيات في تاريخنا العربي أصبحوا رموزاً في الذاكرة ويجب الاستفادة منها ومن مآثرها في بناء الأجيال اللاحقة؛ لعل ذلك يحتاج إلى كثير من البحث، وبالتالي فإن الراوي يجاهد لبناء ثقافته ويسعى للحصول على طريقة خاصة به في كيفية استقطاب المتلقي بالتشويق والسرد الحكائي، وأنا لم أكن كذلك لولا تأثري بالسلف الصالح من أدباء وشعراء كانوا المثال في نشر فضائل هؤلاء الشخصيات وغيرها الكثير، فالراوي يحمل مقومات مهمة للوصول إلى مرحلة الدعوة بمعنى أن المجتمع يطلبه للمقاعد والمجالس، إذ كثيراً ما كان أفراد المجتمع من وجهاء وشيوخ وأصحاب الرأي يجتمعون، ويطالبون بشخصية (فلان) المعروف بفطنته ورأيه، معتمدين على حفظه وذاكرته في معالجة الأمور الاجتماعية، كأن يشارك ويساهم في حل النزاعات والخلافات ويطرح ثقافة التصالح والتوافق من خلال سرده لحكايات تتشابه بالتماثل مع الحياة وطبيعتها».

وتابع الشاعر الراوي "لؤي العقباني" عن مكونات شخصية الراوي: «هناك ملاحظات لا بد منها؛ وهي أن مكونات شخصية الراوي نابعة من خبرة اجتماعية، ويملك الجرأة والشجاعة في أن يتحدث أمام جمع غفير من المجتمع، ولهذا تراه يتمتع بحب الناس وإعجابهم بأدائه وذاكرته الحاضرة السريعة، وللراوي قدرة في كيفية التعامل بقضايا اجتماعية واقتصادية وثقافية، ولا ينحصر فقط في موضوع الحكايات الشعبية والأدب الشعبي، بل هو جزء من منظومة القرار الجمعي».

الرواي لؤي العقباني
لؤي العقباني