ظلت الأقدام شبه العارية هي الوسيلة الوحيدة للوصول إلى المدارس، ومع دخول الآلات القليلة في خمسينيات القرن الماضي كان عدد قليل من طلبة العلم يستطيعون تحمّل التكاليف، لكن رحلة البحث عن المعرفة كانت أقوى من الجوع والبرد والحرّ.

مدونة وطن "eSyria" التقت يوم الأربعاء 25 تشرين الثاني 2015، الفنان التشكيلي "محمد حماد" ابن الثانية والسبعين عاماً والمولود في قرية "صميد"، الذي يعدّ من الرعيل الأول في مجال الفن التشكيلي بالمحافظة، تحدث عن رحلته للوصول إلى المدرسة بالقول: «عندما رغبت في إكمال علمي والحصول على "السرتفيكا" كان لزاماً عليّ قطع مسافة طويلة بين قريتي ومدينة "شهبا"، كنت أحمل أمتعتي ولوازم الطعام على ظهري، وأمشي لساعات طويلة حتى موعد الوصول، وكان يوم العودة إلى البيت عقوبة كاملة بسبب البرد الشديد والثلوج التي تعيق الحركة، كنا نلبس في أقدامنا شبه حذاء، وكانت الضباع مصدر رعب حقيقي لنا بسبب كثرتها في منطقة "اللجاة"، إضافة إلى الحيوانات المفترسة الأخرى، لكن التصميم على التعلم كان أكبر من كل ذلك، حتى عندما انتقلنا إلى مدينة "السويداء" تابعنا على نفس المنوال، لكننا كنا نبقى فيها أياماً طويلة، وأذكر عندما كان أحدنا يشتري حذاءً جديداً كان يضعه تحت إبطه ويمشي حافياً حتى يبقى أطول مدة ممكنة، كانت رحلاتنا ملأى بالتشويق الدائم والقصص التي ما زلنا نسردها لأحفادنا، وخاصة في ليالي الشتاء».

كان طلاب الصف السابع ملزمين بالدوام في مدينة "السويداء"، وكان الأهل يقومون بتجهيز حزمة تحتوي فراشاً ولحافاً ومخدة وصندوقاً، أو أي حاوية تحوي مستلزمات الطبخ من: (ببور، بريموس، وطنجرة صغيرة مع مقلاة، وإبريق، وتوابع الطبخ والشراب)، ويمكن إضافة (قطرميزات) اللبن و"المكدوس" والزيتون، أو وضعها في حاوية مستقلة مع لفات الخبز العربي، تنقل هذه الحاجات إلى الطريق العام على ظهر الدواب، ومن هناك تنقل بالسيارة الوحيدة المخصصة لنقل الركاب من القرية إلى "السويداء"، ولحسن الحظ كان سائق السيارة خدوماً جداً ولا يترك طالباً إلا بعد أن يطمئن أنه وصل إلى البيت الذي استأجره ويضع كل أغراضه داخل غرفته؛ وبذلك تكون رحلة الذهاب قد اكتملت لنبدأ رحلة الإياب أو رحلة الشتاء والصيف

وعن رحلة البحث عن العلم والمعرفة، أوضح الموظف المتقاعد والمتطوع الدائم في الإغاثة والحفاظ على البيئة "عثمان حمزة" ذلك بالقول: «كان طلاب الصف السابع ملزمين بالدوام في مدينة "السويداء"، وكان الأهل يقومون بتجهيز حزمة تحتوي فراشاً ولحافاً ومخدة وصندوقاً، أو أي حاوية تحوي مستلزمات الطبخ من: (ببور، بريموس، وطنجرة صغيرة مع مقلاة، وإبريق، وتوابع الطبخ والشراب)، ويمكن إضافة (قطرميزات) اللبن و"المكدوس" والزيتون، أو وضعها في حاوية مستقلة مع لفات الخبز العربي، تنقل هذه الحاجات إلى الطريق العام على ظهر الدواب، ومن هناك تنقل بالسيارة الوحيدة المخصصة لنقل الركاب من القرية إلى "السويداء"، ولحسن الحظ كان سائق السيارة خدوماً جداً ولا يترك طالباً إلا بعد أن يطمئن أنه وصل إلى البيت الذي استأجره ويضع كل أغراضه داخل غرفته؛ وبذلك تكون رحلة الذهاب قد اكتملت لنبدأ رحلة الإياب أو رحلة الشتاء والصيف».

الأستاذ عثمان حمزة

ويتابع: «من حسن حظنا أنه في تلك الفترة من فصل الصيف السلطة المحلية في مدينة "السويداء" كانت تقوم بشق الطرق الجديدة، وكان أكثر من جرار في قريتي "عرى" يقوم بعمليات نقل الحجارة لرصف هذه الطرق، فكانت فرصة ومنحة لنا أن نعود إلى قريتنا بتلك الجرارات، وكنا ننتظر بعد ظهر الخميس عند "المسلخ" البلدي لساعات حتى يصل الجرار وينقلنا إلى القرية، أما في حال لم يعد فننطلق عند الغروب مشياً لنصل منهكين خلال السهرة إلى بيوتنا، لم تكن العودة إلى القرية إجبارية كل خميس؛ فمنا من يعود مرة في الشهر، وهكذا..

ولن أنسى تلك الرحلة التي عدنا فيها بمقطورة الجرار الملوثة بالزفت فاضطررنا أن نجلس القرفصاء كي لا يتلوث البنطال الوحيد بالزفت ومع ذلك تلوث، ونالنا من حب الأهل جانباً مكافأة لنا على ما اقترفناه من أخطاء. أما رحلة الشتاء فهي الأصعب حيث تتوقف أعمال (النافعة) أي شق الطرق لنقوم بالسير من دون أي أمل بوجود وسيلة نقل مجانية، لكن يحلو المشوار أيام الثلج؛ حيث تكون العطلة طويلة، ويبقى الأمر ضمن نطاق القدرة من حيث تحمل برودة مياه الثلوج التي تعبئ أحذيتنا البالية حتى نتجه من مفرق قرية "رساس" باتجاه الغرب؛ فتبدأ الرياح لفح أجسامنا الطرية؛ وهو ما يضاعف البرودة أضعافاً، وعندها لن تجد حرجاً في الغناء للتسلية، وبعدها تسمع الضحك تارة والبكاء تارة أخرى، لكننا في جميع الحالات نصل سالمين».

الفنان التشكيلي محمد حماد