لأنها فطرت على العطاء كانت مشاركة للرجل تبذر وتحصد وتجمع القصل، وعندما تقلص دورها انتقلت إلى الحديقة المنزلية لتحقق نوعاً من الاكتفاء الذاتي ليبقى العطاء وتختلف الطريقة.

لم تكن جداتنا ليتخيلن أنهن في يوم من الأيام لن يزرن الحقل للعمل على مدار أيام العام لينتقلن إلى العناية بحديقة منزلية قد لا تتعدى مساحتها دونماً واحداً يزرعنها بأنواع من الخضراوات والفواكه ملبيات حاجتهن إلى العمل الزراعي، مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 7 تموز 2015، جمعت من كبيرات السن قصص الحياة القديمة عندما كانت المرأة متكافلة ومشاركة للرجل تنثر بذار البقوليات وقد لا تغيب عن الأرض لنهايات أشهر الصيف؛ وفق حديث الخالة "ابتسام بشير زين الدين" من أهالي قرية "قنوات" التي حدثتنا عن عصر كان فيه للمرأة حضور مؤثر في الحقل تساعد زوجها والأبناء، وقالت: «لم نكن في تلك الأيام نستقر في منازلنا في الوقت الذي يكون فيه الرجال في العمل، وكنا نشارك أزواجنا في زراعة الحقول بالحبوب، لتكون المرأة مشاركة في عملية البذار خاصة البقوليات مثل العدس والحمص والفول والكرسنة، حيث يقوم الرجال بحراثة الأرض بالاعتماد على المحراث القديم وتنثر الزوجة أو الأخت الحبوب، هذا العمل مع غياب الآلة كان يستهلك أيام عدة متعبة نرافق فيها الفجر للوصول إلى الحقول ولا نعود إلا بعد انقضاء النهار.

ورثنا عن كبيرات السن فكرة العمل وتأمين حاجة المنزل لتكون المرأة داعمة للأسرة؛ هذا ما عبرت عنه المرأة بطريقتها الفطرية قديماً لتكون يدها بيد الرجل في كل الأعمال، واليوم قد لا تجد من نساء الريف من تهمل الحديقة المنزلية، بل تستثمرها للحصول على أنواع من الخضار تحتاج إليها الأسرة، بالتالي فإن المرأة تخلق مسارات لتفريغ طاقتها وحاجتها إلى العمل سواء بالحقل أو المنزل وكلها مسارات منتجة وتقدم الكثير لأفراد الأسرة من خلال دعم الدخل؛ حيث تكون الحدائق منتجة بطريقة مميزة ولافتة. وبالنسبة لي ولأنني أعرف فائدة توافر الخضرة في المنزل فقد حرصت في كل عام على زراعة شرفة منزلي لتكون خضراء من جهة، ومن جهة ثانية منتجة لأنواع مميزة من الخضراوات بكميات بسيطة لكنها مفيدة للحصول على صحن "سلطة" طرية وغضة أو الحصول على نباتات عطرية تضيف نكهات مميزة إلى الطعام، بالتالي هناك خيارات استثنائية دائمة تصمم عليها المرأة وفق الظروف المكانية والزمانية لتجدها مستثمرة لأوعية قديمة كبيرة مثل الغسالات القديمة وجرار الماء كأحواض لزراعة أنواع من الخضار والشتول، واستثمار قطعة الأرض مهما كانت صغيرة لتزرع فيها الأشجار والزهور والخضار

ولا يقتصر خروج المرأة إلى الحقل لموسم البذار، بل كانت مساعدة قوية في عملية التعشيب وتنظيف الحقول من الأعشاب الغريبة؛ حيث يحتاج الحمص والفول والعدس إلى هذه العملية، وكل هذه الأعمال لها مواعيد وأوقات، وكان لا بد من إنجازها للحفاظ على الموسم، والمرأة مشاركة في كل هذه الأعمال ليحين وقت الجني والحصاد وتتحمل النساء جزءاً كبيراً من المهمة؛ حيث يقوم الرجال بما يسمى "الرجيدة" أي جمع المحصول ونقله من الحقل إلى البيدر؛ حيث تتم عملية "الدراس" بالاعتماد على الحيوانات وباستخدام اللوح الخشبي، وهنا تقوم المرأة بالمساعدة أيضاً، وكانت قوية بما فيه الكفاية لتساعد وتتقاسم الجهد مع الأب والزوج والأخ وتأكل لقمتها كما يقال من تعبها وكدّها، حيث التعاون للحصول على إنتاج ومؤونة المنزل وطعام الماشية لعام قادم، اليوم وبعد دخول الآلات وتطور الوسائل الزراعية اكتفت بناتي وزوجات أولادي بالعمل في المنزل؛ حيث تغير الزمن ليزرعن في حدائق صغيرة بجوار المنزل».

ابتسام بشير زين الدين

تعمل في حديقتها المنزلية كهواية ورغبة في العمل فهذه الحديقة بديل غني وقادر على شغل وقتها لساعات طويلة من اليوم؛ تكللها ربة منزل "سمر كمال" من قرية "الثعلة" بإنتاج يفيض عن حاجة أسرتها من أنواع مختلفة من الخضراوات، وقالت: «اختلف الزمن كثيراً عن مراحل كانت تقضي فيها المرأة جلّ وقتها في العمل ضمن الحقول، ولأنني أعشق الزراعة والعمل كانت الحديقة المنزلية بديلاً حقق غايتي، وقد تعودت متابعة قطعة الأرض التي تحيط بالمنزل، حيث زرعت أشجاراً مثمرة أعتني بها وعدداً من "ديارات" العنب التي أرشها وأقلمها وأطعمها، وكل موسم أزرع مجموعة تكفي المنزل من باقة متنوعة من الخضراوات، هذا العمل لا تستطيع النساء الاستغناء عنه، ولنا نحن كبيرات السن مثل نكرره لكن باختلاف الظروف؛ لكون العمل في الحقول لم يعد مطلوباً من المرأة وباتت الزراعة بالنسبة لها تلبية لاحتياجات المنزل من أصناف يمكن لحديقة المنزل احتضانها.

وبالنسبة لي وعلى سبيل المثال تستهلك الحديقة وقتاً يوازي أوقات العمل في الحقول قديماً؛ حيث أعمل ما يقارب خمس ساعات يومياً لكوني أزرع "البندورة والكوسا والفاصولياء واليقطين والفليفلة والباذنجان"، وكلها أنواع تحتاج إلى الرعاية بتسميد التربة والري والتعشيب والتفريد، ومن وجهة نظري فإن عمل المرأة مع اختلاف الوضع والطريقة لم ينقطع في المجال الزراعي؛ لأنهن يرغبن في العمل خاصة في الأرياف لكون الحديقة من اختصاص المرأة، وإن احتاج الأمر إلى خدماتنا في الحقول مع الأزواج كنا سنعمل، وقد حصل وساعدت زوجي لعدة سنوات في رعاية حقول الزيتون».

أم كنان سمر كمال

تضيف "سماح التقي" مشرفة مشروع "ضيعتي" في "السويداء"؛ وهي من أوائل السيدات اللواتي زرعت شرفة منزلها للحصول على خضراوات طازجة، وقالت: «ورثنا عن كبيرات السن فكرة العمل وتأمين حاجة المنزل لتكون المرأة داعمة للأسرة؛ هذا ما عبرت عنه المرأة بطريقتها الفطرية قديماً لتكون يدها بيد الرجل في كل الأعمال، واليوم قد لا تجد من نساء الريف من تهمل الحديقة المنزلية، بل تستثمرها للحصول على أنواع من الخضار تحتاج إليها الأسرة، بالتالي فإن المرأة تخلق مسارات لتفريغ طاقتها وحاجتها إلى العمل سواء بالحقل أو المنزل وكلها مسارات منتجة وتقدم الكثير لأفراد الأسرة من خلال دعم الدخل؛ حيث تكون الحدائق منتجة بطريقة مميزة ولافتة.

وبالنسبة لي ولأنني أعرف فائدة توافر الخضرة في المنزل فقد حرصت في كل عام على زراعة شرفة منزلي لتكون خضراء من جهة، ومن جهة ثانية منتجة لأنواع مميزة من الخضراوات بكميات بسيطة لكنها مفيدة للحصول على صحن "سلطة" طرية وغضة أو الحصول على نباتات عطرية تضيف نكهات مميزة إلى الطعام، بالتالي هناك خيارات استثنائية دائمة تصمم عليها المرأة وفق الظروف المكانية والزمانية لتجدها مستثمرة لأوعية قديمة كبيرة مثل الغسالات القديمة وجرار الماء كأحواض لزراعة أنواع من الخضار والشتول، واستثمار قطعة الأرض مهما كانت صغيرة لتزرع فيها الأشجار والزهور والخضار».

سماح التقي