تفنن الجبليون في جلب محصول الشعير إلى بيادرهم عن طريق "الفزعة"؛ التي كانت تعد الرابط القوي الذي يحكم العلاقات فيما بينهم، وعلى الرغم من العمل المضني والشاق كانوا يجدون وقتاً للغناء والمرح أثناء "الرجيدة".

مدونة وطن "eSyria" التقت يوم الأحد الواقع في 28 حزيران 2015، المهتم بالتراث ورئيس النادي البيئي "عثمان حمزة"؛ الذي تحدث عن "رجيدة الشعير" في الماضي بالقول: «تتم عملية نقل محصول الشعير إلى البيدر بوضع "الحلل" المجموعة على الشبك (أي سنابل الشعير المحصود)، وتتألف الشبكة من خشبتين طول الواحدة نحو متر ونصف المتر، وقطر واحد إنش، ويشبك بين الخشبتين حبل القنّب ويكون تشبيكه بشكل منتظم مدروس ليحتفظ بالقش، وفي إحدى الخشبتين حبل قطره أكبر من قطر الشبك وطوله حوالي 10 أمتار مطوي من وسطه ومربوط على خشبة الشبكة من منتصفها، ويدعى هذا الحبل "كرابية"، وبعد طرح القش على الشبكة ليصبح بارتفاع قامة الشخص تقريباً يقوم شخصان برمي حبال "الكرابية" فوق القش إلى الجهة المقابلة ثم غرسها تحت خشبة الشبكة الثانية، وكربها قليلاً ثم رميها باتجاه الخشبة الأولى وغرسها بنفس الطريقة تحت الخشبة من جهة رأسها، وهنا تتم عملية الكرب بقوة هذه المرة أي الشدّ، وعند الفلاحين المقتدرين لا بد من وجود الجمال للقيام بنقل هذه الأحمال إلى البيدر».

كان الناس يؤلفون الأغاني من أجل التسلية وكسر الروتين المتبع في تحميل الشعير على الجمال، وينتظرون عودتهم من جديد، فالأغاني لم تكن مخصصة لهذا الأمر فقط، ومن هنا كانت أغاني "الراجود والداروس"، وهي علامة عما ينتظرهم من أعمال بعد "الرجيدة"، والآن مع وجود الجرار الزراعي بصندوقه الكبير يحتاج الأمر إلى شبان أقوياء يستعملون العصي الطويلة أو الحاشوشة أو عصا حديدية ليلتقطوا سنابل الشعير من الأرض، ولا مجال للتفكير بالأغاني، ولكن "الفزعة" ما زالت قائمة إلى الآن، و"الجورعة" التي تنتظر العمال بعد انتهاء العمل؛ وهي عبارة عن "منسف" من اللحم مع "الملاحية" أو "اللزاقيات" حسب الطلب أو الشرط المتفق عليه بين الفلاحين

وتابع: «حتى نستطيع تثبيت الشبكة على ظهر الجمل نضع حول سنامه ما يشبه الصندوق الخشبي ويسمى "الشاغر"، ونقوم بإناخة الجمل ليركع على الأرض ونضع فوق "الشاغر" حبلاً ثخيناً يسمى "مداراً" ومن كل جانب من جوانبه شبكة ويمر حبل المدار تحت الشبكة، ثم نقوم بربط رأسي المدار أحدهما بالآخر بطريقة "الزرد والكرب"، وتثبيت الشبكتين بـ"الشاغر"، وهو ركاب من خشب السنديان يوضع على ظهر الجمل ويكون محيطاً بالسنام ويلتصق بظهر الجمل بطانة من اللباد كي لا يؤذيه ثم ننهض الجمل، وفي العادة يتم النقل إلى البيدر بقطر مجموعة من الجمال المحملة بالمحصول، وأمام هذا القطار يسير "حمار الراجود"؛ وهو الولد الذي يقوم بعملية الرجيدة وعمره بين 8–12 سنة فقط؛ والمسؤول عن فك هذه الأحمال في البيدر، ومجموع هذه الأحمال فوق بعضها على البيدر يسمى "كديس"، والشبكة الواحدة تسمى "ركنة"، والشبكتان معاً "الحمل"، ولا يصلح "الكديس" إلا للقمح والشعير، ومن أغاني هذه العملية التشجيعية: "آه يا أم الجمّالي ما أصعب كرب الحبالي"».

إزالة الحجارة عن حلة الشعير

تطورت عملية "رجيدة الشعير" كثيراً بعد ذلك عند بدء ظهور الآلة التي خففت العبء عن كاهل الفلاحين، ويتحدث الشيخ المسنّ والفلاح المعروف "توفيق الخطيب" عن ذلك بالقول: «ظهر الدولاب وكنا نستعمل البهائم في جر صندوق حديدي صنع ليناسب المواشي ويسير على دولابين في نقل الشعير من البيادر، وهي عملية أكثر سهولة، وكنا نعتمد على "الفزعات" المتبادلة فيما بيننا من أجل إنجاز هذه العملية الصعبة التي تأخذ وقتاً طويلاً وجهداً مضاعفاً حتى ظهر الجرار الزراعي بصندوقه الكبير الذي خفف علينا الوقت والجهد، وهو يعتمد على "الرواجيد" من الشبان الأقوياء و"السقالة" الخشبية الطويلة، وشاب واحد يسمى "الراكوس" الذي ينظم الشعير في الصندوق الحديدي بيديه وقدميه؛ فهي تحتاج إلى القوة من أجل تكديس الشعير بعضه فوق بعض، وتعد أصعب من رجيدة القمح لأن سنابل الشعير أقصر، وخاصة عند ربط الحبال حول الصندوق الكبير من أجل عدم سقوط الشعير في الطريق نحو البيدر».

أما ما تغير في ظل التطور الحاصل، فعزاه جامع التراث "جمال مهنا" إلى عنصر السرعة الذي طغى على الكثير من العادات والتقاليد، وقال: «كان الناس يؤلفون الأغاني من أجل التسلية وكسر الروتين المتبع في تحميل الشعير على الجمال، وينتظرون عودتهم من جديد، فالأغاني لم تكن مخصصة لهذا الأمر فقط، ومن هنا كانت أغاني "الراجود والداروس"، وهي علامة عما ينتظرهم من أعمال بعد "الرجيدة"، والآن مع وجود الجرار الزراعي بصندوقه الكبير يحتاج الأمر إلى شبان أقوياء يستعملون العصي الطويلة أو الحاشوشة أو عصا حديدية ليلتقطوا سنابل الشعير من الأرض، ولا مجال للتفكير بالأغاني، ولكن "الفزعة" ما زالت قائمة إلى الآن، و"الجورعة" التي تنتظر العمال بعد انتهاء العمل؛ وهي عبارة عن "منسف" من اللحم مع "الملاحية" أو "اللزاقيات" حسب الطلب أو الشرط المتفق عليه بين الفلاحين».

"المغمر" مع العصا
تفريغ الشعير في البيدر