تشدد وانتماء لأفكار معينة بداية لحالة من التشتت تختتم بخيارات افتراضية تتحول إلى حالات واقعية ولا سبيل للخلاص منها، هي حالة شريحة من الشباب يمكن تجنبها بعمل مجتمعي فكري منظم.

تصلب الفكرة والانتماء إلى فكرة الرأي الواحد ناتجة من مشارب مختلفة أولها بعض مضامين وسائل الإعلام، وحالة مجتمعية تسير بالشباب إلى حالة من الاستلاب تبدأ من العائلة الصغيرة لتعمم على ساحة المجتمع؛ مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 26 حزيران 2015، بحثت مع عدد من المتخصصين حالة نتلمس خطوطها العريضة، لعلنا نتخلص من موقف الحياد وننتقل إلى فكر الباحث عن الحل من خلال استطلاع آراء لشباب حاولوا قراءة الواقع مع أقرانهم، والحالة التي ينتهي إليها الشباب بفعل الفراغ وما نتج عن الأزمة من ظروف؛ كما تحدث "إياد نوفل" طالب اتصالات سنة خامسة جامعة "دمشق"، وقال: «نتلمس على أرض الواقع صور وحالات شباب تنطلق من التمسك برؤى وتصورات معينة تفرضها في الأغلب حالة الفرد الاجتماعية والدينية والثقافية، حيث يكون التشدد بالانتماء إلى فكرة مجموعات محددة يتقمصها الشباب بمنطق الثقة والإيمان، وبصرف النظر عن الفكرة فإن حالة الانتماء إليها التي يظهرها بعض الشباب برفضهم لأفكار مغايرة هي بالذات حالة من التعصب، تنمو بزيادة مساحات الفراغ لديهم وتتطور محولة الشخص إلى إنسان رافض لأي أفكار جديدة متحللة من حالة الاستلاب.

في البداية يجب النظر إلى التعصب بنظرة شاملة؛ وهذه النظرة ترجع إلى أن الأسباب المؤدية إلى التعصب والتطرف الفكري في حقيقتها متداخلة ومتشابكة، وكلها تعمل بمقادير متفاوتة ولها آثار مختلفة يقوى أثرها من شخص إلى آخر؛ منها ما هو ديني، ومنها ما هو نفسي أو فكري، ومنها ما هو خليط من هذا كله أو بعضه فمثلاً البصيرة بحقيقة الدين وادعاء العلم وظهور أنصاف المتعلمين؛ الذي يظن صاحبه أنه أعلم الخلق وهو يجهل الكثير حالة لها نتائج واسعة الطيف، بالتالي فإن غياب الوعي الديني والفهم العميق للنصوص الشرعية وتلقي الفتاوى من غير المتخصصين، والتمسك بما تتضمنه حالة تعصب تؤدي إلى حالات ضياع باتت واضحة ومعروفة لدى المجتمع خاصة على مستوى شريحة الشباب. ولن ننسى هنا اضطرابات الشخصية المناهضة للمجتمع؛ وهي حالات واقعية وملموسة يصمم أفرادها على الاعتداء على حقوق الآخرين، ولا يحترمون المعايير الاجتماعية، ولا يمتثلون للقانون، ومستويات القلق منخفضة لديهم في المواقف المهددة، ويقومون بأفعال يستحقون عليها العقاب وهم في قناعتهم أنهم على صواب

في الوقت الذي نلتقي به شباباً يكرسون أفكاراً من موارد مختلفة بوصفها قناعات ومرتكزات ينطلقون إليها خاصة تلك الناتجة عن وسائل الإعلام أو الانتماء إلى ثقافات باتت تترصد بهم، ونقصد هنا شريحة الشباب التي تأثرت مادياً ومعنوياً بظروف الأزمة؛ لنجد منهم من حرم من التعليم، ومنهم من حرم من العمل إلى جانب حالة عدم الاستقرار؛ كل ذلك يجعل من الشباب بيئة حاضنة تؤسس لحالة تعصب قد تكون منظمة وتحتاج منا إلى الدراسة والبحث لطرح فرص المواجهة وامتصاص حالة التعصب بخلق مسارات للتواصل بمبادرات مشتركة والدخول إلى فكر الشباب وتلمس طاقاتهم، والتحول من حالة فوضى الخيارات إلى حالة التفكير الواقعي والانتماء إلى تجارب شبابية تعاملت مع ميول الشباب وباتت موجودة كحملة تدريب مليون شاب، والمشاريع متناهية الصغر لدعم الشباب».

إياد نوفل

من خلال تجربتها كمدربة في مجال تنمية الموارد البشرية ومشاركتها في حملة تأهيل وتدريب مليون شاب؛ تناولت المدربة "عادية أبو عسلي" فكرة التدريب ونقل المهارات للخروج من حالة التعصب الفكري، وقالت: «عندما يحتل التعصب مساحة من أفكارنا فإننا نعلم أن الفراغ كان خلف دعوته للتمركز، وفي ظل الأزمة التي نعيشها وتداعياتها لاحظنا حالة العودة إلى الموروث التي بينت ضعف التربية التي خلقت مساحات الفراغ في عقول الشباب وباتت جاهزة للتأثر بأي فكر إعلامي أو مجتمعي موجه أو غير موجه، وإذا أردنا التفكير معاً بالحل يجب أن نعلم أن هناك عقولاً وشرائح رفضت حالة التعصب بأنواعها وسارت في مجال تقديم نفسها كنموذج والتعامل مع الشباب بمبادرات للتوجيه إلى فضاءات أوسع مما نجده عبر القنوات الإعلامية والاجتماعية المسخرة لغايات مختلفة.

ومع العلم بصعوبة العمل في هذه المرحلة لكن فكرة النهوض والعمل قد تخلق الأرض الخصبة للبحث؛ منطلقين من الأسرة وبعدها المدرسة والعمل والحاجة إلى إشغال بيئة الشباب والانتقال من حالة التعليم بالتلقين إلى ورشات عمل ومشاريع عملية والاستفادة من طاقات الأجيال الشابة بعمل جديد محوره الخروج من الهيكلية القديمة وقدرته على دعم الأطفال والشباب من خلال التدريب بالاعتماد على مهارات التواصل لأعرف الآخر وأستفيد مما لديه؛ لأقدم له خيارات جديدة للتفكير المتوازن والسليم.

المدربة عادية أبو عسلي

بالتالي فإننا بحاجة إلى عمل ثقافي اجتماعي يقوم على فكرة التوجيه إلى خيارات وخلق فرص لتعزيزها تحفز الشباب لطرائق التعامل المنتج مع وسائل الإعلام والإنترنت ومختلف وسائل التواصل خارج مسارات التعامل العبثي والفوضوي لإشغال الوقت، وضمن هذا المحور شاركت مع مجموعة من مدربي تنمية الموارد البشرية هذا العام بحملة مستمرة لتأهيل وتدريب مليون شاب مجاناً على مستوى "سورية"؛ تلك الحملة التي دربت إلى غاية هذا التاريخ 50 ألف شاب على مستوى "سورية" منها 500 شاب على مستوى محافظة "السويداء"، ومن أهم الدورات التي حاولنا تقريبها لأفكار الشباب من خلال التعريف بها دورة "مدرس فعال"؛ وكان معظم الملتحقين من جيل الشباب المتخرجين حديثاً وسيعلّمون أجيالاً جديدة.

ولدينا عناوين عريضة كلها على تماس مباشر مع شريحة الشباب ويبقى الطموح لخلق مسارات جديدة لاكتساب المهارات؛ التي بوسعها شغل مساحات الفراغ لدى الشباب والانتقال إلى مسارات العمل، وتحقيق نتائج على أرض الواقع تحفزهم على تقديم مبادراتهم الشبابية ورؤاهم الواقعية في فضاء متسع لتقبل الآخر بالحضور والفكرة».

أسباب التعصب الفكري إشارات لا بد من قراءتها والبحث فيما تنتجه؛ كما بيّنت المرشدة والباحثة النفسية "سمر رضوان"، وقالت: «في البداية يجب النظر إلى التعصب بنظرة شاملة؛ وهذه النظرة ترجع إلى أن الأسباب المؤدية إلى التعصب والتطرف الفكري في حقيقتها متداخلة ومتشابكة، وكلها تعمل بمقادير متفاوتة ولها آثار مختلفة يقوى أثرها من شخص إلى آخر؛ منها ما هو ديني، ومنها ما هو نفسي أو فكري، ومنها ما هو خليط من هذا كله أو بعضه فمثلاً البصيرة بحقيقة الدين وادعاء العلم وظهور أنصاف المتعلمين؛ الذي يظن صاحبه أنه أعلم الخلق وهو يجهل الكثير حالة لها نتائج واسعة الطيف، بالتالي فإن غياب الوعي الديني والفهم العميق للنصوص الشرعية وتلقي الفتاوى من غير المتخصصين، والتمسك بما تتضمنه حالة تعصب تؤدي إلى حالات ضياع باتت واضحة ومعروفة لدى المجتمع خاصة على مستوى شريحة الشباب.

ولن ننسى هنا اضطرابات الشخصية المناهضة للمجتمع؛ وهي حالات واقعية وملموسة يصمم أفرادها على الاعتداء على حقوق الآخرين، ولا يحترمون المعايير الاجتماعية، ولا يمتثلون للقانون، ومستويات القلق منخفضة لديهم في المواقف المهددة، ويقومون بأفعال يستحقون عليها العقاب وهم في قناعتهم أنهم على صواب».