يعدّ "حاصل الدور" بنكاً لخزائن المؤونة السنوية؛ فهو جمعية تعاونية بقوانين أهلية، ربط بين أفراد المجتمع بعلاقة إنسانية، اقتصادية، اجتماعية، تجعل الضيف مكرماً.

و"حاصل الدور" تعود نشأته إلى أواخر القرن التاسع بموجب عرف اجتماعي تتم مراعاته؛ وهو وجود مقدار معين من العلف لإطعام خيول ومطايا الضيوف الذين يبيتون في القرية أو ينزلون فيها؛ كيلا يتحمل صاحب المنزل أو "المعزب" وحده هذا العبء.

كان الهدف من إقامته الاستعانة به عندما يأتي ضيوف إلى القرية كي يتم تقديم العلف لخيولهم من قمح وشعير و"تبن"، إذ تم أخذ قرار أنه في كل موسم وحسب ملكية كل فلاح من فلاحي القرية يساهم بتقديم جزء من إنتاجه ووضعه في الحاصل، أما البناء فقد تم بناؤه ضمن مساحة كبيرة لوضع المنتجات الزراعية فيه، ليكون أول جمعية تعاونية تقوم في القرن الماضي وفي زمن الاحتلال

حول الحالة الاجتماعية التي كونها "حاصل الدور" ونشأته؛ مدونة وطن "eSyria" وبتاريخ 21 أيار 2015، التقت المهندس الزراعي "كمال العيسمي" من سكان مدينة "السويداء"، وبيّن قائلاً: «لعل الأسباب المباشرة التي دفعت المجتمع وأفراده لإقامة "حاصل الدور"؛ وهو ترابط العلاقات الاجتماعية وتعزيز للدور الأخلاقي والاجتماعي الذي من أهم أهدافه، إكرام الضيف، فهو تقليد اجتماعي سنوي عند نهاية كل موسم بوضع جزء من الإنتاج فيما يسمى "حاصل الدور" من مواد غذائية كالقمح والشعير وغيرها من المواد؛ حتى شملت مختلف أنواع المؤونة السنوية بغية التأمين على أهالي القرية في حال وقعت تحت وطأة الجفاف؛ حيث تبقى مواكبة ومستمرة باستقبالها للضيوف والقيام بواجباتهم، ولهذا أصبح "حاصل الدور" على سبيل المثال عند أهالي قرية "امتان" أصحاب الفكرة قبل قرنين من الزمن، عادة وتقليداً اجتماعياً، حتى بات فلكلوراً هذه الأيام بعد أن تهدم مكان حاصل الدور وأصبح مكاناً خدمياً عائداً للبلدية، ولكن السؤال الأهم: كيف نشأ وولد هذا المفهوم الاقتصادي الاجتماعي العائد إلى مئتي عام؟ ربما التواتر الزمني والنقل بين الأجيال جعلنا على يقين بأنه وليد حاجة، وفعل العقلاء على تأسيس تلك الفكرة».

الشيخ نجم جابر

المعمر الشيخ "نجم جابر بو سعيد" الملقب "أبو حمد" الذي تجاوز القرن من الزمن، بيّن قائلاً: «أسس "حاصل الدور" وفق نظام تعاوني تميز بمفهوم التكافل الاجتماعي والحرص على تكريس مبدأ التوافق، لأن جبل العرب عامة مر بمواسم قحط وجفاف كانت قاسية على المزارعين والفلاحين، ونظام القرية يعتمد بكامله في زمن الاحتلال العثماني والفرنسي على الزراعة، الأمر الذي جعل عقلاء البلدة يأخذون قراراً بإقامة جمعية تعاونية كانت الأولى في أواخر القرن التاسع عشر باسم "حاصل الدور"، أي يتم تمويلها من الموسم الزراعي، وهي مؤلفة من بناء غرفة كبيرة في منطقة معروفة عند أهل القرية، وبعد اتخاذ القرار الجماعي تنادى الأبناء والأهل لإشادة مقر الجمعية أو "حاصل الدور" وفي قرية "امتان" مثلاً كان بجانب "البركة السورية"؛ وهي البركة التي تتجمع فيها مياه الأمطار لسقاية المواشي، وعرف المبنى بهذا الاسم "حاصل الدور" على كتف "السورية" وفي الجهة الغربية منها».

وتابع الشيخ "جابر" قوله: «كان الهدف من إقامته الاستعانة به عندما يأتي ضيوف إلى القرية كي يتم تقديم العلف لخيولهم من قمح وشعير و"تبن"، إذ تم أخذ قرار أنه في كل موسم وحسب ملكية كل فلاح من فلاحي القرية يساهم بتقديم جزء من إنتاجه ووضعه في الحاصل، أما البناء فقد تم بناؤه ضمن مساحة كبيرة لوضع المنتجات الزراعية فيه، ليكون أول جمعية تعاونية تقوم في القرن الماضي وفي زمن الاحتلال».

الدكتور سليم الحسنية

الدكتور "سليم الحسنية" أستاذ إدارة الأعمال في كلية الاقتصاد، قال: «إن الإدارة الناجحة هي التي تدرس كيفية تعزيز الموقف الاجتماعي وخلق مناخ اقتصادي منسجم مع المدخلات والعوائد، وبالتالي حين نعود بفكرة تأسيس حاصل الدور في قرية لها نظام اجتماعي واحد يقودها عقل جمعي متنور، ينتج عنها قرارات لها تأثير ومنعكسات إيجابية على المجتمع وأفراده، كما في "حاصل الدور" الذي وفر احتياجات الناس وكما يقال بالعامية "ستر وجه الناس" في سنوات الجفاف، والأهم ما طرأ على تلك العادة الاجتماعية من تبدلات كانت نتيجة زحف الحضارة والعمران، وتوفير وسائل الإنتاج وزيادة الدخل والوفرة وتغيير في ملامح النظام الاجتماعي الذي بات في الذاكرة الجميلة ثابتاً على عمق التجذر والارتباط».

من بقايا أدوات حاصل الدور