أحدث العديد من المدرسين علامة فارقة في حياة طلابهم؛ فقد كانوا القدوة والمثل الذي يحتذى به، فتأثير المدرس بطلابه يعادل تأثير الأهل وفي أحيان كثيرة يتفوق عليه.

وفي أيامنا نجد هذه العلاقة قد تأثرت بفعل عوامل وظروف كثيرة، ولعل أبرزها التقنيات التكنولوجية الحديثة، ففي الوقت الذي نجد فيه أطفالنا يتعاملون مع التكنولوجيا منذ الصغر، نجدهم ينظرون إلى منهاج المدرسة على أنه عادي وسهل وفي كثير من الأحيان ممل، ويقع اللوم في هذه الحال على المدرس الذي يقدم هذه المعلومات.

هناك إشكالية وجدلية في هذا الموضوع، بالدرجة الأولى يجب أن يكون المدرس متمكناً من مادته العلمية ولديه اطلاع عن باقي المواد، وكذلك لديه معرفة بالحاسوب وتقنياته ووسائل البحث الإلكتروني، كي يستطيع أن يفرض احترامه وشخصيته على الطالب

حيث تحدثت الطالبة "نغم الحمدان" في الثالث الثانوي فنون نسوية، لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 14 أيار 2015، عن علاقتها بمدرسيها: «تجمعني علاقة طيبة بجميع المدرسين، وبوجه خاص مدرس مادة الرسم وهي المادة التي أحب، ولكن في المدرسة بدأنا تلقي دروس الحاسوب في الصف السابع، كانت هذه الحصص مملة لأننا لم نتعلم منها أي معلومة جديدة، فأنا أتعامل مع الحاسوب من عمر صغير في منزلي ولهذا فأنا أجيد استخدامه، وهذا ما انعكس على علاقتي بمدرس المادة وولّد إشكالية، فنحن دائماً نتوقع من معلمنا ما هو جديد دائماً».

الأستاذ "نبيل سلطان"

الطالب "حاتم الخطيب" في الصف الثالث التجاري، قال: «نحن نحتاج إلى الحواسيب في المحاسبة والحياة العملية بعد الدراسة، ما تعلمناه في دروس الحاسوب معلومات أولية وبسيطة ولم تقدم لنا شيئاً جديداً، حتى إن معظم المدرسين لا يمتلكون الخبرة الكافية، فهم يقدمون لنا المعلومات بالاعتماد على الكتب والمقررات، أما في حال وجود الخبرة فنجد أن أسلوب الشرح يختلف، وطريقة تقديم المعلومة أيضاً.

يفضل لو تم تغيير البرامج في حواسيب المدرسة وتغيير الحواسيب القديمة، وتوظيف اختصاصيين يدرسون مادة الحاسوب، فنحن نريد اكتساب المعلومات والاستفادة من خبرة المدرس الذي يقدمها».

إشكالية هذه العلاقة بين الطالب والمدرس تحتاج إلى حلول مرضية لكلا الطرفين، فالعملية التعليمية لا تتم إلا بتوطيد هذه العلاقة واستمرارها، حيث تحدث مدرس الرياضيات والمحاسبة "نبيل سلطان" قائلاً: «هناك إشكالية وجدلية في هذا الموضوع، بالدرجة الأولى يجب أن يكون المدرس متمكناً من مادته العلمية ولديه اطلاع عن باقي المواد، وكذلك لديه معرفة بالحاسوب وتقنياته ووسائل البحث الإلكتروني، كي يستطيع أن يفرض احترامه وشخصيته على الطالب».

الحل يكمن بتغيير جذري، حيث أضاف "سلطان": «من خلال خبرتي المتواضعة واطلاعي وممارستي في مهنة التعليم أجد أنه لابد من مراجعة جدية لهذا الموضوع، ودراسته بتعمق وهو يحتاج إلى ندوات وحلقات بحث يشترك فيها اختصاصيون وإداريون ومدرسون وطلبة وأهالٍ مطلعين، عندئذ نضع النقاط على الحروف أولها تحديد الأهداف.

والعلاج هو كالتالي: تعيين من هم أكفاء باختصاصهم، ولديهم بالحد الأدنى معرفة بتكنولوجيا المعلومات، وعمل ندوات توعية للطلاب حول منافع ومخاطر التقدم التكنولوجي.

وهناك أمثلة في بعض المدارس لطلاب يتفوقون على مدرسيهم، حتى إنني لمست أن معظم الطلاب لا يحبون درس الحاسوب لأن من يعطيهم يفتقد المعرفة والطريقة اللازمة، بينما أنا قبل سنتين أعطيت المادة بحكم الخبرة للصفين الخامس والسادس وأنهيت العام وأصبحوا كلهم يكتبون ويطبعون وينسقون ويكتبون المعادلات».

الأستاذ "أيهم عربي" مدرس جغرافية، أضاف: «يجب أن يكون المدرس مطلعاً على أهم التقنيات التكنولوجية الحديثة، ويجيد التعامل معها، اليوم طرائق التعليم تختلف عن المراحل السابقة، ولكن للأسف بعض المدرسين مازالوا يتبعون الأسلوب التقليدي، وهذا من شأنه أن يضعف قدرات المدرس، بينما الطلاب -حتى من خلال تعاملهم بعضهم مع بعض- في مواكبة مستمرة لكل جديد.

نجاح الدرس يكمن في توظيف المعلومة بطريقة جيدة من قبل المدرس لتقديمها إلى الطالب، وهذا يتطلب اختبارات دائمة للمدرسين ودعمها بوسائل التكنولوجية، وتبقى التكنولوجيا وسيلة مساعدة للتعليم وليست أساسية، وهذا يتطلب إعادة النظر في هذه المسألة من قبل المعنيين».

الأستاذ "وائل أبو حسين" بدوره قدم عدداً من الاقتراحات قائلاً: «موضوع يجب الوقوف عنده، كما يجب الاهتمام من وزارة التربية بتدريب المعلمين والمدرسين على استخدام تقنيات الحاسوب، فالوضع المادي يحكم الكثيرين من العاملين ضمن السلك التربوي عن عدم تمكنهم من مواكبة ثورة المعلومات، وهناك أمر آخر في الثانوي تظهر لدى الطلاب قدرات عالية تفوق قدرات المدرس وبالتالي تكون المشكلة أوضح، فنحن أمام ثورة علمية كبيرة إذ يجب الاهتمام بالكادر وهذا يحتاج إلى إمكانات مادية كبيرة، كما أن هناك ناحية مهمة بما يتم تقديمه بهذا الخصوص لطلاب الجامعات؛ فهم مدرسو المستقبل يجب الاهتمام بالجانب العملي فيه، حيث يمتلك الخريجون قدرات علمية عالية، وفي المسابقات يجب الانتقاء حسب الكفاءة؛ حيث تكون معياراً أساسياً، وقبل دخول المدرس إلى الصف يجب أن يخضع لدورات لا تقل عن ستة أشهر يخضع خلالها لبرنامج تدريبي مكثف».

ولدى سؤالنا؛ كيف يمكن الوصول إلى علاقة مرضية بين الطرفين الطلاب والمدرس؟ أوضح "أبو حسين" بقوله: «يجب العودة إلى شعار كاد المعلم أن يكون رسولاً، أي الجانب الأخلاقي قبل أي شيء من خلال برامج تلفزيونية وحوارات وندوات فكرية، لتنظيم علاقة تربوية قائمة على الاحترام المتبادل بين الطالب والمعلم، وبتقديري الشخصي إن الكثيرين من المعلمين أدركوا أن عليهم تنمية قدراتهم التقنية، وبدؤوا استخدام الحاسوب والإنترنت في عملهم التدريسي، وهذا لا يعفي وزارة التربية من مسؤولياتها تجاه كوادرها لتقديم البرامج والتدريب المناسب، مع العلم أن مديريات التربية تقوم بذلك ولكن بخطوات بطيئة، المطلوب برنامج أكثر فاعلية؛ فنحن أمام ثورة معلومات هائلة يجب مواكبتها».