يتباهى الرجل الجبلي بـ"السويداء" منذ القديم بشاربيه، اللذين يحلف بهما القَسم لتلبية الحاجة والطلب للقاصد له، حيث يعد قسمه لزوماً للتنفيذ من دون عقد ورقي أو محاكم تلاحقه بقرارات الحكم، ويمثل ذلك اليمين الموروث الشعبي ظاهرة بقوله: "عليَّ من شاربي"؛ أي يقسم بالتنفيذ.

حول توصيف الحالة الاجتماعية كعادة اجتماعية أو تقليد أو فلكلور؛ مدونة وطن "eSyria" وبتاريخ 18 نيسان 2015، التقت "إبراهيم جودية" وهو من الباحثين في التراث من أهالي مدينة "السويداء"، وعضو اتحاد الكتاب العرب بقوله: «يتميز الشارب وتربية الشاربين في النظام الاجتماعي في "السويداء" بأنه حالة اجتماعية دلالة على بلوغ الشباب مرحلة المسؤولية والمهام الاجتماعية، والشارب لم يكن تقليداً أو فلكلوراً، بل هو نابع من منظومة اجتماعية واقعية يتميز بها الرجال، كصفة ودلالة على طبيعة المنطقة الجبلية، والرجولة والبطولة، والتفاخر بشخصية العربي، ومن المعلوم أن العرب كانوا ومازالوا يتباهون باكتمال الوجه، معتبرين أن الشاربين هما عنوان اكتمال الرجولة، وحين يقف الرجل بموقف اجتماعي يحتاج فيه إلى تثبيت موقف يقسم أمام الجمع الغفير أن عليه التنفيذ مهما بلغ الأمر من شدته وصعوبته، والأهم أن تربية الشاربين هي جزء من منظومة الحياة الاجتماعية، في البلاد العربية عامة، وللشارب تقليد اجتماعي رفيع المستوى فهو يتسم بسمات الرجولة والشجاعة والناس تتمثل به أي إنه من صفات السبع أو الليث المزمجر، إذ حين يغضب من موقف ما حدث مخالف للعادات والتقاليد ويدخل في باب الشخصية، يقولون بوصفه: "من غضبه أخذت شاربيه ترتجف" تعبيراً عن تأثره بالحدث والواقعة بوصفه غضباً».

حالياً أصبحت الشوارب موضة، ولكن العرف الاجتماعي في التربية تأخذ منحى مختلفاً، إذ دائماً هناك علاقة بين رب الأسرة وأفرادها حيث تبدأ المسؤولية عرفياً عن جيل الشباب حينما يبزغ الشاربان في وجه الشاب، ويتم التوجيه له بالمقولة المشهورة: "أصبحت زلمة وشواربك بوجهك"، دلالة أيضاً على تحمل المسؤولية والحث على العمل والاجتهاد والمثابرة في متابعة الحياة المستمرة

وتابع "جودية" بالحديث عن تربية الشوارب قائلاً: «تعد تربية الشوارب عادة اجتماعية تعود في قدمها إلى وجود الإنسان العربي، وهو ليس تقليداً أو فلكلوراً، بل هو جزء من طبيعة الحياة وتكوين الشخصية العربية عامة وبـ"السويداء" خاصة، وحالياً قد نرى كثيرين من الجيل ممن لا يعتنون بتربية الشوارب، لأنهم تأثروا بالغرب، خاصة بعدد من الشباب الذين سافروا إلى بلاد الأجانب وعاشوا وخالطوا المجتمع الغربي، حيث تأثروا بطبيعة المجتمع وأخذوا عنه تلك العادة، لكن الإنسان العربي وليد المنطقة العربية المتأثر ضمن منظومة عاداته وتقاليده، تراه يحث على تربية الشاربين، وذلك لأن تاريخ ونشأة تربية الشاربين جاء مع ولادة العرب القدماء، وقد وصفوا بآدبائهم وأشعارهم، حتى إن الرجل العربي، حين يطلب منه أمراً ما ويطلبون التأكيد يقول: "عليّ بحلق شاربي إذا ما تنفذ أمر كذا"، وهناك عبر تاريخ جرت حالات كثيرة كرجل خان قبيلته وعشيرته، وكانت عقوبته حلق شاربيه، لأن اهتمام الرجال بالشاربين وحجمهما تقليد قديم، يجري التأكيد به على العزة والشموخ، حيث اتصف الرجل بسماته الرجولية فمن خلال شاربيه يعرف بسمات العارف بين الرجال، بأنه ذو هيبة ووقار وحضور».

الباحث التاريخي إبراهيم جودية

وربما اختلف الباحثون في تحديد نشأة تربية الشوارب وبعضهم أوعز الأمر للتاريخ الحديث المعاصر، وتابع الباحث الاجتماعي "هيسم بو سعيد" عضو اتحاد الكتاب العرب بالقول: «اختلف العديد من الباحثين في نشأة تربية الشوارب وعودتها إلى العهود القديمة أو الحديثة، ولكن بمجملها كان الرأي لبعضهم أن العرب اهتموا بالشوارب في فترة الحكم العثماني للعالم العربي، وانتشرت تربية الشوارب، لأنها رمزاً للرجولة والاعتزاز بالذات، لكن لم يعطوا اهتماماً بتربية الشوارب بل كان العرب القدماء يعطون هذه القيمة العالية للشوارب واللحية ويسمى الوجه المكتمل، فعندما نستعرض تراث العرب الشعري قبل الإسلام فلا نجد قصيدة أو خطبة تتحدث عن الشوارب، فالعربي كان يفتخر بشجاعته وحصانه، وسيفه ونسبه».

وبالنسبة لما طرأ عليها من تبدلات تابع الباحث الاجتماعي "بو سعيد" بالقول: «كان الرجال يتفننون بطريقة تربية شواربهم؛ فمنهم من يفتخر بأن شاربيه يقف عليهما النسر، وهذا بنظره يدل على رجولة عظيمة، لكن هذا النوع من الشوارب بات نادراً ومثيراً للانتباه والدهشة وغير مرغوب فيه، وأصبحت الشوارب القصيرة والخفيفة أكثر انتشاراً وقبولاً في المجتمع، ويعتني بعض الأشخاص بها اعتناءً مبالغاً فيه حيث يكرسون كل الوقت والجهد لذلك، وتتجلى العناية بالشاربين أساساً في التشذيب المنتظم والدقيق لأطرافهما، وثمة دهون وكريمات يثري دهنها عليهما المظهر ويمنحهما بريقاً».

الشاب ربيع الملحم

وعن انعكاس تربية الشوارب على العمل في هذه الأيام؛ بيّن الشاب "ربيع الملحم" من أهالي مدينة "السويداء" قائلاً: «حالياً أصبحت الشوارب موضة، ولكن العرف الاجتماعي في التربية تأخذ منحى مختلفاً، إذ دائماً هناك علاقة بين رب الأسرة وأفرادها حيث تبدأ المسؤولية عرفياً عن جيل الشباب حينما يبزغ الشاربان في وجه الشاب، ويتم التوجيه له بالمقولة المشهورة: "أصبحت زلمة وشواربك بوجهك"، دلالة أيضاً على تحمل المسؤولية والحث على العمل والاجتهاد والمثابرة في متابعة الحياة المستمرة».

وتابع "ربيع الملحم" عن ربط الحالة الاجتماعية بالأمثال الشعبية والقصص والطرائف والأهازيج والأغاني بالقول: «لعل تربية الشوارب ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالحالة الاجتماعية والتاريخية، فهناك قصص وحكايات كانوا الأهل يعتمدونها للتشجيع على تربية الشوارب، ووصف مثل: "شوارب فلان بوقف عليهم النسر"، دلالة على الوقار والحضور بشخصيته، وهناك أغانٍ شعبية مثل "خلي الشوارب عا جنب" التي غناها المطرب "طوني حنا" المتميز بشاربيه، ومن الأمثال الشعبية المتوارثة قولهم: "الي بياكل دهن بيبان على شواربو"، وغيرها من الأمثال التي تختلف من منطقة إلى أخرى».

"شوارب" أبو نمر