يختزن الجبليون مؤونتهم عند اشتداد العواصف الثلجية تحسباً لانقطاع الطرق الداخلية، وعدم القدرة على التواصل حتى ضمن الحارات والأزقة الواحدة، وتبرز الأكلات الشعبية الشتوية كوسيلة لبث الدفء في الأجسام وفرصة لاجتماع الأهل والأحبة.

مدونة وطن "eSyria" التقت عدداً من نساء الجبل بعد هدوء العاصفة الثلجية يوم الأحد الواقع في 11 كانون الثاني 2015؛ حيث تحدثت السيدة "هيا الزرعوني" المولودة في قرية "عمرة" عما قامت به من أجل عائلتها في فترة العاصفة: «كان الجو غير طبيعي فلا ماء ولا ضوء ولا أي شيء يوحي لك بالحياة، كنا نخزن القليل من المياه من أجل الشرب والاستعمالات المنزلية، وأكثر ما نفكر فيه مثل هذه الأوقات بالأولاد وكيفية التعامل معهم في ظل الوقت الطويل داخل المنزل، فنلتفت للطبخ الشعبي الذي يغريهم بعد أن نستنفد الألعاب الذهنية معهم، والحقيقة إن الأكلات الشعبية الشتوية عديدة ومتنوعة ولكن أغلبها يعتمد على العجين والبقوليات مثل الخبز العربي الذي يحضر من أجل الفطائر، و"المغربية والزلابي والمخلوطة والكشك"، والواقع أن الطقوس تبدأ بأكلة كبيرة مثل "الشيش برك" وهي تتطلب التعاون بين أفراد العائلة أو نساء الجيران من أجل إنجازها بأسرع وقت ممكن، حيث تعتمد على الطحين واللبن واللحم والبصل والمكسرات إن وجدت، وهناك عادة قديمة كانت النساء يمارسنها من أجل إضفاء قليل من المرح على الجو العام، وخاصة إذا كان هناك ضيوف على المائدة، حيث يتم وضع حبات من القمح والهيل والشعير والعدس بعدد من حبات "الشيش برك" وهو ما يطلق عليه السعد والنحس، والفائز هو من تكون من نصيبه حبة الهيل أو القمح، وهناك من يبلع حبة الشعير في حال اكتشفها عند المضغ حتى لا يكون "المنحوس"، والحقيقة إن هذه الأكلة الشعبية دسمة جداً على الرغم من التعب والوقت الطويل لإعدادها؛ فهي تعطي الطاقة والدفء والمتعة وتنسيك الجو الخارجي البارد جداً».

تهتم النسوة بمأكولات الشتاء والتسالي الخاصة مثل الزبيب والتين المجفف واللوز المحمص، ومنهن من يحتفظن بالرمان في مخازن خاصة، كل ذلك يظهر مع اشتداد البرد لمنع الأولاد من التفكير بالخارج، وإضفاء جو جميل على السهرات الطويلة، وهذه المأكولات أو التسالي مفيدة جداً للجسم ومغذية وتبعث الدفء

أما السيدة "رندة الريشاني" المولودة في قرية "البثينة"، فقد تحدثت عما قامت به من أجل عائلتها أثناء العاصفة الثلجية: «هذه الأيام البيضاء تعد من الأيام الخيرة التي ينتظرها الناس وخاصة الفلاحين لأنها تسمى خميرة الأرض، وهي على قساوتها إلا أنها تجمع العائلة التي تلتزم بالبقاء في المنزل، وككل العائلات تحضرنا لهذه الأيام من المؤونة الخاصة التي يكون على رأسها الطحين المخصص للخبز أو للحلويات أو للأكلات العديدة مثل: "الشيش برك"، و"المقصصة"، و"المعكرونة بالكشك"، وقد صنعت عدداً منها حسب رغبة الأسرة، وفي الليل تبرز أكلة "الزلابي" أو "الزلابية" كطقس شتوي تقوم به أغلب نساء الجبل، وهي أكلة عادية مؤلفة من العجين والبهارات الخاصة، ولكنها تؤكل مع الدبس الذي يمنح طاقة كبيرة للجسم، وليس هناك وقت معين لأكله فهو متاح كلما رغب أحد بتناوله.

الشيش برك

كانت الحياة في القرى سابقاً صعبة ومعقدة وقاسية على الجميع في ظروف الثلج، ويمكن أن يحبسنا الثلج في البيوت أياماً طويلة ولا سبيل أمامنا سوى المنزل، والليل الطويل يجعلنا نفكر بوسائل للتسلية وتقطيع الوقت حول "وجاق" الحطب أو الجمر الخارج منه، فبعد الطعام يأتي دور الألعاب والغناء وحل الألغاز، والممتع في الأمر للنساء تواجد أبنائهن حولهن لمعرفة أحوالهم وأفكارهم، فالطقس البارد في الخارج يجعل الجميع يحبون تقطيع الوقت بالكلام وفضح الأسرار حول المدفأة أو "وجاق" الحطب».

أما في السهرات الخالية من الطعام الدسم، فتكون التسالي الخاصة بالشتاء التي تؤمنها السيدات باكراً قبل حلوله، حيث تقول السيدة "نسيبة المنعم" من سكان مدينة "شهبا" عن ذلك: «تهتم النسوة بمأكولات الشتاء والتسالي الخاصة مثل الزبيب والتين المجفف واللوز المحمص، ومنهن من يحتفظن بالرمان في مخازن خاصة، كل ذلك يظهر مع اشتداد البرد لمنع الأولاد من التفكير بالخارج، وإضفاء جو جميل على السهرات الطويلة، وهذه المأكولات أو التسالي مفيدة جداً للجسم ومغذية وتبعث الدفء».

الزبيب نجم السهرات الثلجية.
وجاق الشتاء