كثيراً ما يتم تداول عبارات وجمل في مجتمعنا لها دلالاتها في الزمن الماضي، ويكثر استخدام هذه العبارات أثناء العمل؛ كأن نستمع للمثل القائل: "لقوطة من ورا حصادة"؛ وهذه المقولة لها واقعها ومراحل عملها، النابع من عادات مجتمع زراعي له تقاليده.

حول مراحل العمل الزراعي وعبارة "لقوطة من ورا حصادة"، مدونة وطن "eSyria" وبتاريخ 15 كانون الأول 2014، التقت الباحث الدكتور "حسين زريفة" رئيس لجنة جمعية العاديات في بلدة "قنوات"؛ الذي بيّن قائلاً: «لعملية "الإلقاط" مراحل يكون الحصاد قد حرقها قبل الوصول إليها، ذلك لأنها تحتاج إلى جهد وتعب مضنٍ من "رجيدة وحصيدة" وغيرها من الأعمال الزراعية، إذاً بعد الانتهاء من الحصاد ونقل المحاصيل إلى البيادر مباشرة تنزل "الطروش" إلى الحقول ومن يتأخر بنقل محصوله كان يلحقه الضرر، ولكن قبل ذلك أي خلف الحصاد كانت هناك عادة أن بعض الفقراء يأتون ويلتقطون السنابل الواقفة والمتبقية على الأرض وتسمى هذه العملية "إلقاط"، أي التقاط ما تبقى ويتم ذلك عادة من قبل النساء، وتسمى المرأة التي تقوم بهذا العمل "لقوطة"، وكان الناس دفعة واحدة يتركون أغنامهم وأبقارهم ومواشيهم لترعى في الحقول المحصودة، وكانت تسمى بنظام "الهدة" وكأنها الهجوم، ولهذا العمل المتكامل أهمية بالغة يمكن أن يسمى نظاماً عالي الدقة والإحكام، وهو يشمل جميع الفئات العمرية إضافة للمواشي بجميع أنواعها أيضاً، ثم الدورة الزراعية والراحة، وذلك ما يغني التربة بالسماد، والقضاء على الأعشاب الضارة وعندما يأتي موسم الزراعة من جديد، نرى أن هناك غلالاً وافرة من دون طفيليات نباتية أو حشرية قد التهمت من قبل الحيوانات؛ وهو ما يخلق نوعاً من التوازن الطبيعي الذي يؤسس لدورة مناخية وأمطار جيدة، ويعيش الناس مع بعضهم بعضاً متحابين متآلفين ومن يقصر في عمله "يفزع" له جيرانه وأقاربه والحقول تملؤها الأغاني وحداء الفرح، ولذلك عندما نسمع بعض الكبار يقولون: "سقا الله أيام زمان"، علينا أن ندرك هذه الحقائق، ففي الحقول كان الأولاد يلعبون عندما يسرحون بالحيوانات، ومن الألعاب التي كنا نلعبها "بنية الرقق"؛ أي نأتي بأحجار رقيقة نسبياً وواسعة ونوقفها على حرفها نضع ستة من "الرقق" من هذه الجهة ويقابلها من الجهة المقابلة أيضاً، ونقسم بعضنا إلى قسمين ونضرب هذه "الرقق"؛ وبالطبع الفريق الرابح سيفرح و"يعاير" بمعنى الشماتة بالفريق الخاسر، ومن اللعب الأخرى "باش دار" وغيرها».

مما لا شك أن العلاقة بين الناس سابقاً كانت أكثر ترابطاً، فهناك عادات وتقاليد مرتبطة بالأعمال قدمت ضمن قائمة من المصطلحات، مثل: "الراجود والحاصود"، و"لقوطة من وراء حصادة"، وغيرها من الألفاظ التي دخلت ربما من باب التراث التاريخي، إضافة لأدواتها، ذلك لأن الآلات الزراعية وما قدمته من توفير للجهد والوقت، جعلت الناس يبتعدون عن العلاقة في المسير والحقل والعمل معاً، ولكن يبقى المجتمع الريفي مجتمعاً له خصوصية في تنظيم علاقاته الاجتماعية والثقافية وله أبعاده الإنسانية؛ فعندما يكون الناس بحاجة إلى بعضهم ترى مبدأ التكافل الاجتماعي حاضراً وبقوة بينهم

وعن "جود" الماء ومواد صنعه، وبعض الأغاني أثناء ورد الماء تابع الدكتور "حسين زريفة" بالقول: «كان الماء يحمل بالقربة أو الجود وهي عبارة عن أوعية من معدة "الخرفان" أي ذكور الغنم، الصغيرة يصنع منها "القربة"، والكبيرة "الجف" وكانت تحتفظ بحرارة الماء لوقت طويل، وعندما يكون الحقل قريباً كانت النساء يحملن المياه للحقل وتتغزل الأغاني الشعبية بالفتيات وهن يحملن الماء، ومن الأغاني:

الدكتور حسين زريفة

"حملت القربة والجود وطالعة.... عيونها عيون المها الدالعة

حملت القربة وجود وحبلتين.... إن مرت عالتربة بتحي الميتيين".

الأستاذ هشام أبو سعد

وإذا كان الحقل قريباً تطبخ المرأة في البيت وعادة "المجدرة" وتحمل "الطبيخ" إلى الحقل مع "العيران" أي اللبن، وإذا كان الحقل بعيداً تذهب المرأة وتطبخ "الطبيخ" بالحقل على ما تجده من حطب وأشواك وغيرها.. ولا بد من الإشارة إلى أن الحياة تغيرت تغيراً واضحاً باستخدام أدوات وآلات حديثة، وتغيرت معها العادات والتقاليد لتصبح أساليب العمل أقل زمناً وأكثر إنتاجاً، مقابل ذلك انخفض مستوى العلاقة بين أفراد المجتمع».

الأستاذ "هشام أبو سعد" من شباب أهالي قرية "قنوات" والباحث الأثري بيّن قائلاً: «مما لا شك أن العلاقة بين الناس سابقاً كانت أكثر ترابطاً، فهناك عادات وتقاليد مرتبطة بالأعمال قدمت ضمن قائمة من المصطلحات، مثل: "الراجود والحاصود"، و"لقوطة من وراء حصادة"، وغيرها من الألفاظ التي دخلت ربما من باب التراث التاريخي، إضافة لأدواتها، ذلك لأن الآلات الزراعية وما قدمته من توفير للجهد والوقت، جعلت الناس يبتعدون عن العلاقة في المسير والحقل والعمل معاً، ولكن يبقى المجتمع الريفي مجتمعاً له خصوصية في تنظيم علاقاته الاجتماعية والثقافية وله أبعاده الإنسانية؛ فعندما يكون الناس بحاجة إلى بعضهم ترى مبدأ التكافل الاجتماعي حاضراً وبقوة بينهم».

المرأة ودورها في العمليات الزراعية