هم كثر يعيشون بيننا بهدوء وحذر، وقد ظهرت مواهبهم بعد سن التقاعد، فمنهم من التزم المنزل ليطالع الكتب ويبحث في خفايا الأمور، وبعضهم أخذ على عاتقه خدمة العائلة ومن حوله، وآخرون كانت الزراعة شغلهم الشاغل.

مدونة وطن "eSyria" التقت عدداً من الموظفين المتقاعدين في قرية "الجنينة"، منهم الأستاذ المتقاعد "حمزة غيث" يوم الأربعاء الواقع في 20 آب 2014، فتحدث عن تجربته بعد التقاعد بالقول: «لم تكن الأيام الأولى بعد التقاعد سهلة، فبعد أربعين عاماً من الروتين اليومي والاستيقاظ المبكر ولقاء الزملاء، ودخول الصفوف واكتشاف المواهب، والتعرف على نماذج جديدة، والتواصل مع شريحة كبيرة من الناس تكتشف فجأة أنك وحيد، مع الوقت الذي لا يمضي، وقد لاحظت أنني عصبي المزاج، ودائم الشرود، وكذلك كنت أتحرك في أرجاء المنزل من دون هدف محدد وكأني أتجرع سكرات الموت، وبعد مدة ليست بالقصيرة تعرفت إلى الكتاب، ووجدت فيه ملاذي الآمن، واكتشفت كم كنت بعيداً عن هذه العوالم الرائعة، ومع التنوع في الكتب التاريخية والرواية والفلسفة بت ممتناً للتقاعد الذي فتّح عينيّ على كنوز كانت بقربي ولم ألتفت إليها».

لم تكن الأيام الأولى بعد التقاعد سهلة، فبعد أربعين عاماً من الروتين اليومي والاستيقاظ المبكر ولقاء الزملاء، ودخول الصفوف واكتشاف المواهب، والتعرف على نماذج جديدة، والتواصل مع شريحة كبيرة من الناس تكتشف فجأة أنك وحيد، مع الوقت الذي لا يمضي، وقد لاحظت أنني عصبي المزاج، ودائم الشرود، وكذلك كنت أتحرك في أرجاء المنزل من دون هدف محدد وكأني أتجرع سكرات الموت، وبعد مدة ليست بالقصيرة تعرفت إلى الكتاب، ووجدت فيه ملاذي الآمن، واكتشفت كم كنت بعيداً عن هذه العوالم الرائعة، ومع التنوع في الكتب التاريخية والرواية والفلسفة بت ممتناً للتقاعد الذي فتّح عينيّ على كنوز كانت بقربي ولم ألتفت إليها

بالمقابل لم يجد الأستاذ المتقاعد الشيخ "نايف الشاهين" سوى طريق واحد بعد أن أمضى أغلب حياته في الوظيفة، وتابع: «كانت هوايتي لعب الطاولة والشدة، وأمضيت نصف قرن متنقلاً بين الوظيفة والعمل السياسي، واللعب في أوقات الفراغ مع أصدقائي في طاولة الزهر وورق الشدة، وكنت حريصاً بعد التقاعد على المطالعة في الكتب التاريخية التي تتعلق بمنطقتنا حتى شعرت بالملل، وكانت صحتي تعيق تحركي في أغلب الأحيان، وقد حصل معي موقف جعلني أطالع الكتب الدينية، فاكتشفت ضالتي من خلالها، وتيقنت أن الدين رحمة وتسامح وسلام ومحبة وصدق، ولم تتغير علاقتي مع الناس سوى نحو الأفضل، فما أقرأه لي وليس لكي أجبر الآخرين على ما اطلعت عليه سوى بالمحبة، وأعتقد أن المتقاعدين من الجنسين هم الذين يحملون الآن ذاكرة المجتمع حتى ينتهي أجلهم ويسلمون الراية لغيرهم، ويجب التفكير الدائم بهم ومساعدتهم، ومحاولة الوصول إليهم».

العودة إلى الأرض الحل الأنجع.

أما السيد "سعود ناصر الدين" الموظف المتقاعد في بلدية "الجنينة" فيقول: «أعيش مع زوجتي في بيتنا الواسع وحيدين بعد أن تزوج جميع أولادنا، وكان التقاعد فرصة للتعرف من جديد على أبنائي وأحفادي الكثر، وتمتين علاقتي مع الأهل والأصدقاء، فالوقت الواسع يتيح لي التفكير ملياً بالأولويات، وقد حرصت على أن أكون ضيفاً خفيف الظل على من أحب، فلكل واحد منهم حياته الخاصة، ولأني كنت شاباً وأعرف جيداً ما يفكر فيه الآخرين، فقد عزمت على عدم التدخل بشؤون الناس إلا إن طلبوا ذلك صراحة، ولكن ما يحز في نفسي رؤية بعض المتقاعدين يعانون من الأمراض والحاجة للمساعدة فهم وصلوا إلى مرحلة اللا عودة ويجب الوقوف إلى جانبهم ومعرفة حاجاتهم، فهم قدموا ما عليهم للمجتمع، حتى لو كان بعض منهم مقصرين في زاوية ما، وقد لاحظت أن أغلبهم يعانون من الوحدة التي تصيبهم بأمراض نفسية وجسدية ناتجة عن الإهمال من المحيط، وهو ما يجب تلافيه».

الطبيب المختص "سامر السمان" الحاصل على درجة الماجستير في طب الطوارئ، تحدث عن الأمراض التي يعاني منها الموظفون المتقاعدون، وقال: «لا شك أن أغلب الأشخاص الذين تقاعدوا يصابون بمرض الاكتئاب، وهو ناتج عن الخوف من الجلوس والوحدة، فمنهم من يجد نفسه وحيداً في المنزل، ومنهم من فقد مركزاً مهماً واكتشف أن اهتمام الناس بشخصه قد خف كثيراً، وأنه غير نافع في المجتمع، وهناك من يصاب بأمراض دائمة نتيجة الضغط المترافق مع السن الطويل والإجهاد بالعمل؛ كأمراض القلب والضغط والمفاصل والأعصاب، والذي يأخذ الأمر ببساطة يمارس حياته بشكل طبيعي ويفتش عن دور جديد له في المجتمع، ودائماً ما أنصح الجميع بالالتفات إلى الزراعة وتنشق الهواء العليل والاهتمام بحديقة المنزل، فهذه الهواية مفيدة جداً وتساعد الناس على إكمال حياتهم بصورة صحية، وتجعلهم يفكرون باتزان وروية، وهم بحاجة دائمة لمن يسمعهم ويشاركهم أحاديثهم وذكرياتهم، فهم بالنهاية الكنز وبركة البيت، وذاكرة المجتمع».

العودة إلى القهوة المرة