التقى موقع eSuweda الدكتور "كمال بلان" أحد الاختصاصين في مجال الصحة النفسية عند الأطفال، الأستاذ في جامعة دمشق- كلية التربية، والباحث في مناح عديدة بهذا المجال، وحاوره حول الطرق العلمية السليمة المتّبعة لتجنيب الطفل آفة السرقة وصولاً إلى مجتمع سليم معافى.

  • بداية مرحباً بك الأستاذ الدكتور "كمال يوسف بلان"، كيف تعرف لنا تلك الظاهرة؟
  • ** أهلاً وسهلاً بك ومبارك علينا وعلى سورية الحبيبة الموقع الجديد eSyria الذي يعتبر المنارة الأدبية والفكرية لأبناء الوطن، مع الشكر والتحية للقائمين عليه والعاملين فيه.

    د. كمال بلان

    السرقة عند الطفل هي استحواذه على ما ليس له فيه حق، وهي سلوك اجتماعي مكتسب عن طريق التعلم، فالطفل الذي لم يتعلم التفرقة بين خصوصياته وخصوصيات غيره أو بين ملكيته وملكية الآخرين يفتقد التفريق بين حقوقه وحقوق غيره، وتستمر السرقة خلال فترات النمو النفسي والبدني للطفل يقوم بها بين حين وآخر... أو سلوكاً مستمراً من النشاط تتم ممارسته تقريباً كل يوم بهدف التمتع بالشيء المسروق.

    ويعاني أي مجتمع من مشكلة السرقة، ويعدها من مفاسد الأخلاق، إذ إنها خرق لقواعد السلوك والقانون، فهي سلب ممتلكات الآخرين وإلحاق الأذى والضرر بهم.

    محمد وزوجته مفيدة

  • برأيك هل هناك علاقة بين السرقة وحب التملك؟
  • ** يبدأ شعور الطفل بالتملك في سن مبكرة، ولعل أول مظهر لذلك الشعور يتمثل في حرص الرضيع في الشهور الأولى من حياته على أن يحتفظ لأطول فترة بصدر الأم وحنانها. ومع التقدم في السن يرفض أن يسمح لطفل آخر أن يستخدم زجاجة الرضاعة أو اللّهاية الخاصة به. وإن رغبة الصغير في الامتلاك الناجمة عن دافع حب التملك ليست إلا امتداداً لمصلحته الذاتية، ويكتسب الطفل معنى الملكية تبعاً لما يشاهده ويسمعه ويختبره بنفسه.

    الأولاد الأبرياء

  • هل يوجد أنواع للسرقة، وما أنواعها؟
  • ** نعم يوجد أنواع وهي على الشكل التالي:

  • سرقة حب التملك: ينطوي حب التملك على إشباع حاجة بدأت مع النزوع للاستحواذ على مستوى من العاطفة في مراحل النمو النفسي الأولى برغبة الطفل الرضيع في الاستئثار بالأم، وقد ينجح مما يدفعه بالتدريج إلى محاولات الاستحواذ على أشياء أخرى وهذا ظاهرة طبيعية مرغوبة في السلوك اليومي إذا بقيت ضمن الحدود المقبولة التي تتيح للطفل فرصة تحقيق كيان ووجود متميز مزود بمستلزمات بسيطة كاللعب والممتلكات الخاصة التي تساعده في الاستقلالية.

  • وكذلك السرقة الكيدية (سرقات الانتقام): وهي نتيجة تميز بعض الأسر بين أطفالها فالطفل الأول مثلاً يتمتع بمميزات ليست له فيظل يصارع للحصول على نفس الميزات وقد تتحيز دون وجه حق لأحد الأبناء فيصبح هدفاً يسعى الإخوة للانتقام منه. وقد يأخذ هذا الانتقام صورة سرقة يقوم بها أحد الإخوة تجاه أخيه من لعب أو نقود أو غير ذلك، فيأخذها خلسة ويخفيها في مكان غير معروف ويرتاح لأنه حرم أخاه من ميزة حرم منها هو من قبل. وقد يسرق الطفل نتيجة وجود كراهية أو دوافع عدوانية تجاه الآخرين، ونجد هذا في المدرسة أيضاً.

  • أما سرقة المغامرة والاستطلاع: فقد نرى بعض الأطفال ينتظرون غياب حارس الحديقة للسطو على قليل من ثمارها التي قد لا يأكلها بل يرميها، وهنا دافع السرقة ليس الجوع والحرمان ولكن حب الاستطلاع والمخاطرة وروح المغامرة وقد يسرق الطفل شيئاً لم يره من قبل حباً للاستطلاع.

  • وهناك السرقة كاضطراب نفسي: إن العوامل النفسية وراء السرقة كثيرة ومتشعبة ولا يمكن تفسيرها بدافع واحد، فقد تكون السرقة جزءاً من حالة نفسية مرضية يعاني منها الطفل وتظهر بشكل اضطراب سلوكي مثير له دوافعه النفسية العميقة عند الطفل ولا يمكن معرفتها إلا بالتحليل النفسي.

  • ويوجد السرقة لتحقيق الذات: قد يلجأ الطفل إلى السرقة لإشباع ميل أو رغبة يرى فيها نفسه سعيداً أو ظهرت بصورة أفضل كالذي يسرق نقوداً للذهاب إلى السينما ليحكي عن الأفلام مثل غيره من الأطفال أو ليركب دراجة مثل أصحابه وربما كان فشله الدراسي خلف محاولة تعويضه بالظهور مادياً على غيره من الأطفال.

    والسرقة نتيجة الحرمان: قد يلجأ الطفل إلى السرقة تعويضاً للحرمان الذي يعانيه في البيئة التي يعيش فيها في الأسرة والمدرسة والمجتمع بشكل عام..

    * ما أسباب السرقة برأيك؟

    ** تعود السرقة لمجموعة من العوامل من أبرزها:

  • عوامل أسرية: إن أساليب القسوة في المعاملة الوالدية والعنف والإهمال والدلال الزائد قد تسهم في لجوء الطفل إلى السرقة. كما أن القدوة غير الحسنة لها دور فعال في ممارسة الطفل لهذا السلوك. كما أن السرقات التي يقوم بها الطفل في البيت غالباً ما يغض الطرف عنها وعادة ما يعتبرها أحد الوالدين أو كلاهما لا مبرر لتضخيمها وقد تقوم الأم بإخفاء الأمر عن الأب. وقد ينشأ الطفل في بيئة تعتدي على ملكية الغير فيسير في درب السرقة.

  • وكذلك أصدقاء السوء: إن وجود الطفل وسط جماعة تمارس السرقة أو أحد سلوكياتها تجعله ينقاد لأوامرها. كما أن الطفل الذي يرافق أحد أصدقائه أثناء الشراء ثم يراه يخفي بعض الأشياء ولا يدفع ثمنها فسوف يقلده وخاصة إذا لمس نجاح المهمة.

  • والشعور بالنقص: قد تكون رغبة الطفل في الحصول على مكانة اجتماعية وسط أقرانه الذين يقللون من قيمته تدفعه إلى السرقة لشراء ما يستطيع أن يتفاخر به أمامهم ويظهر الكرم أمامهم حتى يصبح محبوباً ومقبولاً بينهم.

  • وأيضاً وسائل الإعلام: إن تركيز بعض وسائل الإعلام على أحداث تنطوي على السرقات والأساليب التي تمارس الخداع وإظهار السارق بالبطل والمقدام يعطي نماذج سيئة للأطفال تؤثر على قيمهم وسلوكهم.

  • وهناك رد فعل انتقامي تجاه الزملاء أو الأهل: تنعكس بعض أنماط الانتقام عند الأطفال على شكل عدوانية تتجلى في صورة سرقة واستحواذ على ممتلكات الغير من الأطفال عقاباً لهم أو انتقاماً من الوالدين ضد سلطتهم وتسلطهم.

  • وقد تكون السرقة علامة على التوتر الداخلي عند الولد أو الغيرة أو الغضب ويحاول الولد استعادة شعور داخلي بالارتياح من خلال السرقة.

  • ما طرق وأساليب الوقاية والعلاج من تلك الظاهرة؟
  • ** عند دراسة حالة الطفل الذي يمارس السرقة، علينا تحديد نوع أو شكل السرقة التي يقبل عليها وكذلك العوامل الكامنة خلف ذلك السلوك ويجب أن يوضع في الاعتبار ما يلي:

    هل الحالة عارضة أم متكررة؟ وما نوع الأشياء التي يسرقها؟ وما أبرز الصفات المميزة لهذا الطفل السارق (ذكاءـ مهارات اجتماعيةـ تخلف دراسي....)؟ ومعرفة البيئة الاجتماعية والاقتصادية للأسرة.

    ومن أبرز أساليب الوقاية:

    وجود الطفل في بيئة طيبة تقدر الأمانة وتحترم ممتلكات الغير، بالإضافة لوجود الأهل الذين يحترمون حق الطفل في الملكية بحيث لا يُقدمان على استعارة أي شيء يملكه الطفل دون إذنه المسبق، والقدوة الحسنة داخل البيت وخارجه، وتعليم الأطفال كيف يستعيرون الأشياء التي يمتلكها الآخرون ويعيدونها إليهم، وإعطاء الطفل مصروفه اليومي الذي يتناسب مع عمره وحاجاته دون تبذير، مع تفهيم الطفل في حالة السرقة حقيقة سوء التصرف الذي قام به وعدم التقليل من شأنه، وأن تكون معاملتنا للأطفال متجهة نحو العطف دون ضعف، والحزم دون عنف، وأن نسأل أنفسنا نحن الكبار: لماذا سرق هذا الطفل؟

    أي ما الدوافع التي تقف وراء السرقة؟ وذلك للوصول إلى الأسباب الحقيقية للسرقة وبالتالي نشبع له هذه الدوافع ونستطيع أن تمنع حدوث المشكلة مستقبلاً.

    مع عدم وصف الطفل بأنه لص ولو عن طريق المزاح وبذل الأبوين جهوداً أكبر في حب أطفالهم وتقبلهم وقضاء الوقت معهم.

    السيد "محمد" وزوجته "مفيدة" أكدا أن ما يميز العلم والمعرفة في ماهيتهما أنهما الوحيدان القادران على الوصول إلى معرفة مكنون الإنسان، من خلال التجربة والبحث العلمي والنتائج التي يتوصل إليها بالدراسة والبحث، وخاصة تربية الأطفال، ليؤخذ بها ويُعمل بمضمونها.

    وإذا ما تم حوار بين أفراد المجتمع والأكاديميين استطاع الأكاديمي البرهان بالحجة المقنعة والتجربة العلمية من خلال البحث الميداني العملي والدراسة العلمية الأكاديمية، لكون مجتمعنا يتعرض إلى عدة أمراض اجتماعية تعود عليه بالمساوئ الكثيرة في التربية الأخلاقية والسلوكية للفرد والمجتمع، والتي يجب معالجتها من خلال تربية الأطفال، إذ إن الأطفال يحتاجون إلى رعاية كبيرة للقضاء على تلك الظاهرة ولمعرفة أسبابها العلمية وطرق معالجتها.

    وأشارت السيدة "مفيدة كيوان" زوجة السيد "محمد" إلى أنه من خلال تطبيق تلك الأساليب آنفة الذكر ومعرفة الأسباب والمعالجة الهادئة دون اللجوء إلى العنف، فإننا نحصل على نتائج جيدة، لأن تعاون الوالدين في العملية التربوية والحرص كل الحرص بالمتابعة اليومية، ومعرفة أصدقائهم واحتياجاتهم وتوفير المستلزمات الضرورية اليومية لهم ستكون كفيلة بالقضاء على الجزء الأكبر من تلك الظاهرة.