كم مرة ونحن نشرب قهوة الصباح تمنينا لو أننا نشربها في إحدى القرى الريفية أمام شجرة خضراء أو وردة زرعناها العام الماضي فإن كنتم ترغبون في تحقيقها أعدوا فنجان القهوة وتعالوا معنا في هذه الرحلة التي سنعرفكم خلالها على حكايا واقعية من قريتي سربيون وديرالجرد في ريفنا الساحلي الجميل.

والبداية مع الخالة "أم أبيّ" التي تفخر كثيراً بأشجارها والتي حدثتنا عنها بقولها: تحوي أرضي الصغيرة عدة أشجار كاللوز والمشمش والتين والخوخ والعنب وهي الآن في أبهى منظر لها كوننا في فصل الربيع وكما تعلمون تزهر الأشجار وتتفتح البراعم في الربيع (حدثتنا عن أشجارها وهي تصب فناجين القهوة احتفاء بنا) وتتابع: يأتي الجيران ونجتمع تحت ظلال الأشجار لشرب القهوة كل صباح وكما تشاهدون تحوي حديقتي أيضاً النعنع والبقدونس والفجل والسلق والجرجير والبصل الأخضر ودائماً نقوم بصنع التبولة أنا والجيران لأكلها والتمتع بها على بساط الطبيعة البهية وإذا نظرت في أنحاء قريتنا لن تشاهدي إنساناً في بيته فالجميع يفترشون الطبيعة بعضهم يشرب المتة وآخرون يأكلون التبولة والأهم من كل هذا هو محبتهم ومشاركتهم بكل شيئ وأصوات ضحكاتهم التي تملأ المكان على الرغم من بساطتهم وتعبهم في عمل الأرض هذه هي حياتنا (يابنتي) جميلة على بساطتها وصدقيني لن نبادلها بكل قصور الدنيا، أما العم أبو علي فينظر إلى أشجاره على أنها إرث عظيم سيتركه لأولاده يوماً ما ويقول: لكل شجرة ذكرى خاصة فكلما تنجب زوجتي مولوداً كنت أزرع له شجرة حتى صار عددها إحدى عشر شجرة وقد كنت أرعاها تماماً كما أرعى أولادي أقلمها وأداويها من الآفات والحشرات وأستلذ بمحصولها المتنوع من مشمش ولوز وخوخ ودراق وتفاح وأتمنى أن يرعاها أولادي بعدي وصدقيني إن قلت لك أشجاري هم أيضا أولادي أي عندي اثنين وعشرين ولداً حفظهم الله ورعاهم بكل الإيمان.

أما الجدة أم محمد فترى في الخضار بركة وفائدة وتقول: برأيك (يابنتي) هل يوجد أحلى من أن تستيقظي صباحاً على صوت العصفور وتشربين قهوتك بينما تستلذ عيناك برؤية الخضار من جهة والبحر من جهة أخرى وبعدما تنتهين منها تأخذين سلتك لجلب باقات البقدونس والنعنع وحبات البندورة الطازجة أو حتى تأخذين السكين وتذهبي إلى الأرض لتجلبي (الهندبة) وتعدينها مع البصل والزيت والدالية الخضراء التي تمتد فروعها لتغطي جدران البيوت والتي تتسابق عليها النساء لقطف أوراقها وطبخها انظري حولك لن تجدي بيتا بلا دالية صدقيني حياتنا جميلة جدا وياليتنا انتبهنا قليلا لأولادنا لنعلمهم أعمال الأرض إلى جانب دراستهم أتعلمين يابنتي أن قريتنا ملأى بخريجي الجامعات والأطباء والمهندسين ولكن ماينقصهم فقط هو العمل بالأرض لأن به خيراً وبركة عمري الآن خمسة وسبعون عاماً ولاأذكر نفسي إلا وأنا أعمل بالأرض لم أكل أو أمل يوماً عندما تطأ قدمي الأرض أحس بأن روح الشباب قد عادت إلي من جديد فلا أعود أشعر بتعب إن كنتم تتمنون شرب فنجان قهوة تحت أحد الأشجار أعتقد أن أمنيتكم جاوزت هذا الحد الآن.