صناعة التنور من المهن القديمة المتوارثة من الأجداد إلى الأحفاد عبر سنوات مضت، وشهدت هذه المهنة انقراضاً محدوداً لفترة زمنية خاصة بعد استثمار المخابز الآلية والإعتماد على المازوت في صناعة الرغيف إلا أننا ومنذ فترة شهدنا العودة لنكهة رغيف التنور وصناعته مجدداً وهنا نسلط الضوء على مراحل صناعة التنور في ريف صافيتا كانت المحطة بقرية حصن سليمان.

السيدة أم علي قالت: "أعمل بصناعة التنور منذ كان عمري (10) سنوات وتعلمتها من جدتي قبل أمي وكنت أحضر لهم الماء والعجنة وبعض التبن وأدوات الصنع وكنت مسرورة بذلك، ولم يسمح لي وقتها بالمشاركة في صنع التنور في مراحله الأخيرة، وكم كنت أتمنى لو كبرت بسرعة حتى أقوم بهذه الصناعة لوحدي لأن جوابهم كان دائماً "بعدك صغيرة" (وتضحك وتقول ياريت ضلينا صغار) وتتابع أم علي: "الخطوة الأولى إحضار التربة من الوادي لأن هذا النوع من التربة يدعى البيلون، ويوجد في الأودية وسفوح الجبال وفي مجرى الأنهار الشتوية، وهذه المواقع نعرفها منذ زمن نتيجة الخبرة، والتربة تكون بنيه اللون أو قرميدية أو أبيض حسب الأرض، ثم ندعك التربة بالماء لفترة طويلة وباستمرار وبالقدمين ونمزجها بالتبن لأن التبن يساعد على تماسكها، ثم نقوم بدعكها بواسطة أدوات خشبية حتى تصبح طرية، ونصنع القاعدة السفلية حتى نبني جسم التنور عليها، ونصنع فتحة سفلية لإخراج بقايا الجمر بعد الانتهاء من الخبز، ومنعاً لتراكم الرماد (الصفوة)، ومن ثم نبدأ بتدوير القاعدة ونحن نصنع جسم التنور لنصل إلى الحجم المطلوب شريطة أن تكون الفتحة العلوية مائلة نحو جهة الخباز لسهولة إخراج الرغيف ووضعه ووضع النار أي الحطب قبل الخبز، ولسهولة وقفة الخباز.

نعرّض التربة لبض النار فور الانتهاء من الصنع أي نشويه حتى يصبح صلب ومنعاً للشقوق، وحتى تتماسك كميات التبن مع تربة البيلون، ولا يحدث تسرب للجمر أو الرماد وحتى لايدخل الهواء للداخل أثناء الخبز، وعن زمن صنع التنور وكم يستغرق معها قالت: "والله حسب الشغل ونوع التربة والانتهاء من شغل البيت لأن هذا الجيل لا يتعاون معنا ويعتبر التنور دقة قديمة أي أحياناً نحتاج لنهار كامل وأحياناً أكثر، وأتساعد مع جارتي ونقتسم الغلة معاً وسعر التنور حسب الزبون يعني مستورة".

أما عن السعر الحقيقي ورغم إصرارنا ضحكت وقالت: "بخاف من المالية والضريبة والتموين وهذا سر المهنة وأنتو من الجرائد لا يقال لكم سر".

لم تشاركنا الحديث جارتها واستمرت بالعمل وهي موافقة على كلام الشريكة وقبل أن نختم حديث التنور قالت أم علي"لهذه التربة استخدام في دحي أسطحة المنازل العربية قبيل الشتاء لمنع المطر من التسرب للداخل بواسطة حجرة تصنع من الحجر القاسي وتدعى (المعرجينة) وتثبت بها قطعة حديدية وتجر بواسطة شخص أو اثنين حسب الوزن.

وأيضاً هذه الأعمال قليلة نظراً لقلة البيوت العربية في ريف صافيتا وخاصة قرى

(الجرينات، والحصن، وبسماقة، والقرى المحيطة).