لقد تميز الشعر الشعبي في جبل العرب بتعدد أنماطه وتنوع لهجاته، ويرجع ذلك الى الهجرات التي جاءت الى هذه المنطقة من لبنان وفلسطين وحلب، وكل هجرة تحمل لهجة وفنون موطنها الاول ومع ان اللهجات

المحكية انسجمت كلها عبر مرور السنين بلهجة واحدة هي المحكية الآن في جبل العرب الا انه بقي للشعر لهجات متعددة أهمها ما ينسج من الانماط البدوية مثل الشروقي (النبطي) والهجيني والحدا والحاشي ومن الانماط الحضرية الملوع وقصيدة الفن والمعنى والعتابا والميجانا والدلعونا والمخمس والشرحة وردة القرادي وابو الزلف والهوارة كما ظهر حديثا الشعر المحكي الذي خرج عن كل المسميات السابقة وبدأ يأخذ لنفسه هوية خاصة وقد صدرت بعض الدواوين لعدد من شعراء هذا الفن الشعبي مثل الشاعرة رحاب خداج والشاعرين نسيب السليمان وكمال السعدي ومن رواده اولادي: ربيع ورواد وراغد ونفاع... هذا ما أتحفنا به الصحفي والشاعر الشعبي فيصل نفاع رئيس رابطة الشعر الشعبي في سورية، وأضاف لموقع eSuweda:

ومع التعدد الواسع والنشاط المتميز لهذه الانماط الادبية تعددت حاليا اغراض الشعر الشعبي في جبل العرب فمنه الشعر الوطني والاجتماعي والغزل واغاني الحصاد ووصف جمال الطبيعة والخيول والاسلحة واغاني الاعراس وقصائد الهجرة والاغتراب والمدح والذم وقد تطرق الشعر حتى الى الاحجية.

الا ان البعد الوطني والنضالي غلب على الشعر الشعبي وعلى كل أغراضه، ولا غرابة في ذلك لأن الأسر التي كانت تسكن الجبل تنحدر كلها من اعرق القبائل العربية: لخم وتنوخ وقد عرفت عبر تاريخها بالحمية والبسالة في معارك التحرير بل بقيادتها لهذه المعارك. ومن اقدم القصائد التي وصلت الينا قصائد الشاعر الشيخ ( ابو علي الحناوي) والشاعر الشيخ شبلي الاطرش وقد جاء بعدهم المئات من الشعراء.

في وصف بعض معارك جبل العرب ضد حملة ابراهيم باشا المصري 1837 يؤرخ الشاعر ابو علي الحناوي لادق التفاصيل عسكريا وسياسيا فيقول في قصيدة اقتطع منها الابيات التالية:

محمد علي قلد مشير العساكر ابراهيم باشا الخاين الغدار

وليها من غزة لحد اضنا دعا سور عكا بالطواب دمار

وعرضي الملك لاقاه في مرج الاخضر

ولا طاق حربو نص رابع نهار

من بعد ذا ابراهيم جرد علينا يبغي الحرايب عسكرا جرار

دخل الى اللجاه بجيش عرموم ونحنا قلايل والاعادي كثار ذبحنا الوزير وكل ضباط عسكرو وثلثين جيشو راح قصف عمار

وبعد حملة ممدوح باشا وتحديدا بعد معركة الشقراوية 1890 نظم الشاعر الشيخ شبلي الاطرش قصيدة مطولة اقتطع منها الابيات التالية التي يظهر فيها البعد الانساني للجهاد:

ظهر عقبها عسكرا عارض السويدا

ممدوح باشا قائد الجيش حازم

وقال المشايخ يا ربع رجعوهم

حقن الدما عاذمة الكل لازم

وتواصل الجمعان في ساحة الوغى

صارت ضبيبي واختلطها كتايم

بزر الفرنجي كالبرد من مزونها

ودوي المدافع تبكي دموعا سواجم

ومن اجمل القصائد قصيدة الشاعر المجاهد معذى المغوش من نمط (الحدا) والتي وجهها للامير فيصل بن الحسين حيث كان المجاهدون العرب يتجمعون في العقبة استعدادا للزحف الى سورية لطرد الجيش التركي وفيها تعبير عن وحدة المصير العربي:

يا مير ما ودها سكوت لازم تزور بلادنا

لابد عاجلق تفوت تشوف عج طرادنا

عيال الجبل حرار ثبوت يفني العدا ملكادنا

من مصر لساحة بيروت لنجد لبغدادنا

من اجلها نحيا ونموت ونحمي حما اجدادنا

وفي مرج العيّن عندما تجمع الثوار لمهاجمة الحامية الفرنسية المتمركزة في بلدة الكفر في 21\تموز /1925 كانوا جميعا بانتظار بيرق قرية ملح الذي وصل الطريق العام وتابع تقدمه باتجاه الكفر دون توقف انشد الشاعر المجاهد ثاني عرابي الجوفية الشهيرة التي مطلعها :

لابتي ما ودها ذلة بنهار الكون وحروبه

وبعد معركة المزرعة نظم الشاعر المجاهد جاد الله سلام قصيدته التي اقتطع منها الابيات التالية:

يالله نطلبك الستر يوم فتل دولابها

شرابة الدم الحمر والذل ما نرضى بها

جرد علينا من البحر عساكر وطوابها

يوم انتصب سوق العصر والسوق عند رقابها

عافوا المدافع والذخر ومصفحات جابها

وبلادنا ما هي قفر بالدم نروي ترابها

عاداتنا ذبح الوزر والمرجلة نغوى بها

عينيك يلي ما حضر حنا كفينا غيابها

وفي استقبال المجاهدين العائدين الى ارض الوطن 1936 بقيادة سلطان باشا الاطرش بعد المنفى في وادي السرحان لمدة عشر سنوات انشد الشاعر حامد العقباني قصيدة مطولة نذكر منها الابيات التالية:

راكب اللي تقطع الدو ومطوخ عوسر على قطع الفيافي مناتك

بس جديها بعصا اللوز او خوخ وخلي القريا يا رسولي مباتك

سلطان يا نبراس براس شمروخ رد الحمل لو كان مايل عاداتك

لو الوطن ينبت باشوات وشيوخ يصلوا ولو للشرق تجعل صلاتك

لو وزنوا القليب كلوا فرا وجوخ بكفة الميزان ترجح عباتك

اشير هنا الى ان معارك جبل العرب لا تقرع طبول الحرب أبداً لأن آلة الحماس في هذه المعارك هي آلة (المجوز) الذي يسير عازفه تحت البيرق وفي مقدمة الثوار. يقول الشاعر سلمان نفاع:

جمال باشا رادنا بجيش زحاف عاد بنذالة يجر ذيل الندامة

وميشو غزانا بجيش ما يعرف القاف سدوا طوابه لابسين العمامة

اللي هوى عابلادنا بذيل محذاف نرميه لو بالغيم يلطخ سنامه

الشاعر سلمان نفاع هو صاحب الجوفية الشهيرة التي مازالت تردد في كل المناسبات الوطنية وفي كل المحافظات والتي يقول في مطلعها:

بالروح نفدي وطنا لو صاح صوت المنادي

بالروح نفدي وطنا....