يعدّ البروفيسور "سليم الحسنية" من العلماء السوريين المتطورين في علم الإدارة والنظم المعلوماتية، وواضعي المناهج العلمية لهما في المعاهد والجامعات والتربية، عدا مبادراته الإنسانية في قريته "امتان"، مثل: "قلم الرصاص"، و"الصندوق الخيري".

حول سيرة حياته مع العلم والمعرفة، مدونة وطن "eSyria" وبتاريخ 30 كانون الثاني 2018، التقت البروفيسور "سليم الحسنية"، قال: «نبش الذاكرة مهمة صعبة، فالذاكرة خوانة، والوثيقة أمانة. قالت لي والدتي الراحلة إنني ولدت في السابع من نيسان، لكن في أي عام؟ العلم عند المختار الذي نسي تسجيلي في دائرة النفوس. عندما عدت من "صلخد" مع زملائي، كنت الوحيد الذي رجع خائباً من الحصول على قيد النفوس للتقدم للشهادة الابتدائية، وعندما سجلت نفسي كمكتوم، قدر الشهود أنني ولدت في 15 شباط 1947. وقد واجهت قبلها خيبة سعيدة سابقة، عندما عدت إلى البيت مُهجراً من المدرسة، لأنه ليس لدي قلم رصاص، وبقيت أنتظر الدجاجة حتى تبيض لشرائه، عندها كانت رحلة سعادة الشقاء إلى "الشام"، الحاضنة لكل ضائع، فكانت لي أول المهن العزيزة عليّ (بيّاع أقراص بعجوة)، مع شقاء السكن عند الأهل والأصدقاء، حتى قادتني قدماي إلى مكان يوفر الطعام والمنامة برتبة خمسة نجوم لمن ليس له مأوى، والعمل في فرن "العباس"، الكائن مقابل "زقاق الجن"، لايزال الفرن يقدم الخبز لزبائنه حتى اليوم، وقد قدم لي الأمان والطمأنينة، وتعرفت فيه إلى رفيق العمر الدبلوماسي الراحل "ذيب أبو لطيف". أثناء عملي في الفرن أرسلت المساعدة لأبي وأمي في سنوات قحط الخمسينات، واستقبلت "عبد الناصر" في "قصر الضيافة"، مع عشرات الآلاف من السوريين. والتحقت بالمدارس المسائية، في ثانوية دار "الحكمة" الشهيرة في أول الستينات. وهكذا أصبح برنامج العمل 24/24، وساعات قصيرة خلالها للنوم الذي بات من أحلامي».

بدأ الدكتور "سليم الحسنية" حياته بعلاقة شاقة مع المعاناة، ليساهم علمياً في وضع منهجية معلوماتية ناظمة لنظم معلوماتية وطنية، وأثرى المكتبة العلمية بمؤلفات علمية منهجية مهمة خاصة في الإدارة والإبداع، فهو أستاذ كبير، وله حضوره العلمي والاجتماعي وصاحب مبادرات إنسانية في قريته "امتان"، مثل: الصندوق الخيري، ومشروع "قلم الرصاص"، و"الخبز للجميع"، وغيرها من المبادرات الإنسانية والخيرية

وتابع الرحلة بالقول: «بعد حصولي على الإعدادية، نجحت في الفحص التمهيدي للتقديم للثانوية الفرع العلمي (دراسة حرة)، بعد الاستعداد للتقدم للامتحان في حزيران 1968، بطلب الالتحاق بالخدمة الإلزامية، ولا سبيل للتأجيل أو إمكانية للتقدم أثناء الخدمة، لأن ذلك كان ممنوعاً. أنشأت صفّ محو أميّة بين الجنود، وحصل بعضهم على الابتدائية، وتقدموا في السلك العسكري. وبتشجيع من الرؤساء والزملاء تقدمت لنيل الشهادة الثانوية؛ وهذا ما كان، وتبلغت بنجاحي وأنا في مشروع عسكري بـ"بادية الشام". سجلت في جامعة "دمشق"، كلية التجارة عام 1971، واستمريت في الخدمة الإلزامية والاحتياطية وحرب "تشرين"، وتخرجت في الجامعة بأربع سنوات. توجت هذه المرحلة بلقاء شريكة العمر "إلهام الطويل"، التي حصلت على الثانوية (دراسة حرة)، وتخرجت في الجامعة، قسم التاريخ، مع تربية الأولاد الثلاثة؛ طبيبان، وماجستير ترجمة.

الدكتور نايف شقير

إضافة إلى ممارسة مهنة التدريس في العمل الطلابي الجامعي، في منتصف السبعينات، تسلمت إدارة مؤسسة التسيير الذاتي، التي كانت تدير مقاصف ومطاعم الجامعة، وحولتها من مؤسسة خاسرة إلى رابحة، مع فتح فرص عمل لأول مرة للطلاب. وكنت من بين الدفعة الأولى لدبلوم الدراسات العليا في الاقتصاد، ودخلت الحياة المهنية الرسمية نتيجة مسابقة في المصرف التجاري السوري، وكمدير تجاري لشركة "بردى" للبرادات، والشعار الذي يحمله "براد بردى" اليوم هو نتيجة مسابقة عامة أجريتها حينئذٍ».

وأضاف عن عمله في التدريس: «عملت بجامعة "حلب" كلية العلوم الاقتصادية معيداً، ثم سافرت إلى "فرنسا"، لأنال الدكتوراه في العلوم السلوكية بدرجة الشرف الأولى عام 1990.

البرفيسور سليم الحسنية

وبمسار جديد في التدريس والبحث العلمي، كان التدريس في جامعة "حلب"، والسكن في "دمشق"، وألفت كتاباً عن طرائق التدريس، وجاءت الفرصة التي لم أتمناها لولا مرارة العيش، للتدريس في الجامعات الأردنية مدة خمس سنوات، تبعتها أربع سنوات في "السعودية" كمستشار تدريب.

عدت إلى الوطن لأكمل مهمتي التدريسية، وأُحلت إلى التقاعد ورقياً في 15 شباط 2017؛ وهو من أسوأ اختراعات الإدارة؛ لأنه يحكم على الإنسان بموت حيويته؛ وهذا دليل على قلة حيلة إدارة شؤون البشر، بإيجاد العمل المناسب للإنسان المناسب، من حيث العمر والصحة والخبرة؛ لذلك أنا لا أزال أشرف على عشر رسائل دكتوراه وماجستير وأدرّس في ثلاث جامعات، مواد: الريادة والاستراتيجية، ونظم المعلومات، وإدارة المعرفة، وأدير قسم إدارة الأعمال الإلكترونية، في الأكاديمية العربية للأعمال الإلكترونية خلال هذه المسيرة، من دون ذكر الأبحاث والمقالات التي نشرت قبل الدكتوراه، فقد نشرت 14 كتاباً، و42 بحثاً ومؤتمراً، إضافة إلى تصميم وإعطاء دورات تدريبية تفوق 25 دورة».

أما عن مؤلفاته، فأوضح بالقول: «قدمت "نظريات واستراتيجيات التنمية في العالم الثالث"، البحث الذي نال الجائزة الأولى في مجال البحث العلمي في الموسم الثقافي الرابع عام 1979 في "حمص"، كما أعتز بكتاب "طرائق تدريس العلوم الاقتصادية" عام 1996، لطلبة دبلوم التأهيل التربوي في كلية التربية بجامعة "دمشق"، الذي لا يزال يُدرّس في كل كليات التربية في "سورية" حتى اليوم. أما الاستراتيجية الوطنية لإدخال المعلوماتية في التعليم ما قبل الجامعي عام 1995، فقد كانت خدمة وطنية، تتوج أعمالاً أخرى في خدمة التربية، كان المشروع بتمويل من "اليونسكو"، واستغرق إنجازه نحو ستة أشهر، بالتعاون مع خبراء في وزارة التربية لتجاوز الصعوبات التي كانت تواجهنا فنياً وعلمياً وسياسياً؛ فكنا نحتاج إلى ميزانية وزارة التربية لسنة كاملة لتزويد كل مدرسة في "سورية" بحاسوب واحد، وقد جرى الاتفاق أن نستعيض عن الحاسوب بصورته، وفتح مراكز في التجمعات المدرسية، والبدء من الصف الحادي عشر اختيارياً، وفي أثناء عام إعداد الاستراتيجية انتقل عالم المعلوماتية مما كان يعرف بالشاشة السوداء "الدوز" DOS، إلى عملاق النوافذ والألوان والفأرة، فطلبت من مُعدّي الكراسات المدرسية تغيير الشروحات من "دوز" إلى "ويندوز". وهكذا أقرت الاستراتيجية من الوزارة والقيادات السياسية ومجلس الوزراء، عام 1995، وقد كانت من أكثر الخطط والاستراتيجيات تنفيذاً ونجاحاً، والأكثر إطراء في وسائل الإعلام. ومن أعز الكتب إلى عقلي، كتاب: "الإدارة بالإبداع: نحو بناء منهج نظمي"، الذي نشرته المنظمة العربية للتنمية الإدارية، في "القاهرة"، عام 2009، فالإبداع هو أساس التقدم والتطور».

وعن معاناته وعمق رؤيته العلمية بيّن الدكتور "نايف شقير" ذلك بالقول: «بدأ الدكتور "سليم الحسنية" حياته بعلاقة شاقة مع المعاناة، ليساهم علمياً في وضع منهجية معلوماتية ناظمة لنظم معلوماتية وطنية، وأثرى المكتبة العلمية بمؤلفات علمية منهجية مهمة خاصة في الإدارة والإبداع، فهو أستاذ كبير، وله حضوره العلمي والاجتماعي وصاحب مبادرات إنسانية في قريته "امتان"، مثل: الصندوق الخيري، ومشروع "قلم الرصاص"، و"الخبز للجميع"، وغيرها من المبادرات الإنسانية والخيرية».