لقّب المجاهد الشيخ "أسد قرضاب" بـ"حصان السويداء" الذي لا يكلّ ولا يملّ، فأمضى حياته كلها مدافعاً عن مدينته ضد كل محتل؛ باللسان والسيف والعمل كأي ثائر حقيقي، فنفي وجاع وتشرد حتى نال وطنه الاستقلال.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 21 تموز 2017، الموثق لعدد من الثوار "تركي وهب"، ليتحدث عن حياة المجاهد "قرضاب" الحافلة بالقول: «ولد في "السويداء" عام 1881، وكان يتصف بأن ذراعه أقوى على التعبير من لسانه؛ وهذا سبب من الأسباب للقبه الذي اشتهر به "حصان السويداء"، وكثيرون من المجاهدين في ذلك الوقت لقّبوه بـ"أسد السويداء"؛ لشجاعته وقوته الجسمانية وردة فعله في المواقف التي تتطلب الرجولة والحكمة.

لم يكن المجاهد "أسد قرضاب" رجلاً عادياً، على الرغم من أنه كان بنظره شخصاً يقوم بواجبه فقط، فقد كان يتابع عمله بكل صدق وأمانة، وكان قريباً من الناس وهمومهم، فهو مثال للثائر الحقيقي القريب من الناس الذي لا ينام على ضيم، وبقي حتى آخر أيامه يسعى إلى الرزق الحلال، حيث عاش ما يقارب القرن، حيث وافته المنية عام 1976 في مسقط رأسه بمدينة "السويداء"

سيق مع مجموعة من شباب "جبل العرب" إلى معتقل "المزة" في "دمشق" بسبب مقاومتهم الاحتلال الفرنسي، وكلفت السلطة الفرنسية الكابتن "رينو" وترجمانه "يوسف الشدياق" و"عبد الله النجار" بإجراء مفاوضات الصلح مع الثوار وتبادل الأسرى، وكان من بين المفرج عنهم المجاهد "أسد قرضاب"، فعاد مع رفاقه المعتقلين أكثر إيماناً بقضيته، وهذا الإفراج لم يثنِ الثوار عن تلبية واجب الجهاد، وبتاريخ 16 أيلول 1925 حدثت معركة "المسيفرة" التي اشترك فيها من دون أن تكون معه بندقية حربية، وعندما هاجم الثوار المعاقل التي يحتمي وراءها الجنود، كان "أسد" في مقدمة المهاجمين، واشتبك مع أحد الجنود بالأيدي، وكان قصده القضاء على هذا الجندي والاستيلاء على بندقيته وذخيرتها؛ وهذا ما حصل، وعلى الرغم من فداحة الخسائر البشرية للثوار في هذه المعركة، إلا أنه فعل المستحيل من أجل الصمود والعودة منتصراً.

موثق الشخصيات التاريخية تركي وهب

واستمر بحضور دائم في كل معارك الثورة التي حدثت يبلي فيها البلاء الحسن ويكون في مقدمة الثوار الذين تابعوا مسيرة الجهاد وخوض المعارك في "الجبل والإقليم والغوطة وراشيا"، وأصيب بأربعة جراح في جسمه. وعندما انتهت المعارك الحربية في عام 1927 بعد استمرارها لمدة سنتين نزح القائد العام "سلطان الأطرش" وعدد كبير من الثوار إلى "الأردن"، ومنها إلى الأراضي السعودية».

وعن عمله الأساسي والحوادث التي حصلت معه خلال العمل، أضاف "وهب": «امتلك دكاناً تجارياً في وسط المدينة، وتحديداً في محال "الشحاذات" لبيع الخردوات ومواد العطارة؛ وهو ما جعله متابعاً يومياً لكافة الأحداث التي تمر على محافظته ووطنه، وقد شارك في النضال ضد الاستعمار العثماني منذ شبابه، وكان من عداد الثوار الذين سجنوا في "تركيا" أثناء "السفر برلك"، واستطاع الفرار من السجن والعودة إلى بيته، وعندما دخل الفرنسيون "الجبل" شارك في النضال ضدهم، حيث بدأ مهاجمة الدوريات أثناء مرورها من أمام دكانه، وقيامه بتحريض الجيران والمارة لمنع الفرنسيين من التحرك وسط المدينة، ثم أصبح دكانه مقراً لتأمين "الخرطوش" والسلاح للمجاهدين؛ وهو ما جعله هدفاً للفرنسيين، فاضطر إلى التواري عن الأنظار متجهاً إلى قرية "المشنف"، حيث بقي فيها ما يقارب العامين، شارك خلالها في كافة المعارك، وقد أعلنت "فرنسا" عن مكافأة مالية كبيرة لمن يقتله أو يقودها إليه.

المخرج المسرحي تيسير العباس

وفي أحد الأيام صادف مروره بجانب دورية فرنسية تقود أحد المجاهدين إلى السجن، فاستنجد به وناداه باسمه منتخياً، فقام بمهاجمة الدورية بعصاه وأحدث فوضى كبيرة؛ وهو ما مكّن الأهالي من إخلاء سبيل المجاهد».

ويتابع "وهب" ذكر تفاصيل المعارك الفردية التي اشتهر بها "قرضاب" بالقول: «وما زال الكبار في السن يذكرون "قرضاب" عندما كان يمشي حاملاً بندقيته غير المحشوة بالبارود، ورأى مجموعة من الفرنسيين يطاردون أحد الأهالي، فباغتهم مشهراً بندقيته الفارغة، وطلب منهم إلقاء السلاح، وتمكن من انتزاع خمس بنادق منهم.

وفي معركة "المزرعة" الشهيرة التي وقعت في الثاني من آب عام 1925، وبعد الانتصار الساحق للثوار، قام وأخوه "حمود" بسحب مدفع فرنسي بأيديهما من أرض المعركة إلى بيتهما في "السويداء"، حيث تم استعماله فيما بعد من قبل الثوار في معركة "القلعة".

وفي معركة "تل الحديد" وإيماناً منه بأنه لن يموت إلا إذا حان أجله قام باختراق القوات الفرنسية بسرعة كبيرة حتى وصل إلى رماة الرشاش، واستطاع قتلهم بعصاه وانتزاع الرشاش والعودة به تحت وابل من الرصاص، وأصبح يعرف منذ ذلك الوقت بـ"حصان السويداء"، وعاد بعد هذه المعركة حاملاً جثة أخيه الشهيد "محمود قرضاب"».

عاد الشيخ المجاهد "أسد قرضاب" إلى عمله الاعتيادي بعد نيل الاستقلال، حيث يذكر المخرج المسرحي والمهتم بالتراث المادي واللا مادي "تيسير العباس" نبذة عن حياته بالقول: «لم يكن المجاهد "أسد قرضاب" رجلاً عادياً، على الرغم من أنه كان بنظره شخصاً يقوم بواجبه فقط، فقد كان يتابع عمله بكل صدق وأمانة، وكان قريباً من الناس وهمومهم، فهو مثال للثائر الحقيقي القريب من الناس الذي لا ينام على ضيم، وبقي حتى آخر أيامه يسعى إلى الرزق الحلال، حيث عاش ما يقارب القرن، حيث وافته المنية عام 1976 في مسقط رأسه بمدينة "السويداء"».