بقلم الفحم والرصاص رسم "حمد السنيح" البورتريه موثقاً آلاف الصور الشخصية، التي عالجها بتقنية قديمة أظهرت حرفيته وفنّه الجميل.

مدونة وطن "eSyria" وبتاريخ 23 أيار 2017، حاولت العودة إلى تجربته مع أقدم شكل ظهرت به الكاميرا في هذه المنطقة، وكانت وسيلته الأولى لنقل الصور مستعيناً بها لمساعدته على نقل تفاصيل الوجه، تاركاً بصماته المضيئة في ذاكرة مجتمعه الذي عرفه فناناً أدى حرفة أكملت ما لم تتمكن التقنية من تجسيده في تلك المرحلة التاريخية. وعن هذه الشخصية حدثنا حفيده خريج كلية التجارة والاقتصاد، والموظف في وزارة الخارجية "وائل كمال السنيح" قائلاً: «تفيض الذاكرة بصور جميلة لذلك الشيخ الهادئ الذي بقي لقلم الرصاص والفحم مهمة وحاجة بين يديه لسنوات طويلة، كان فيها موثق صور شخصيات من أهالي "جبل العرب" من أهله ومعارفه، محققاً سمعة طيبة اقترنت بالثقة بإجادة تجسيد صورة لكبير العائلة الأب أو الجد في زمن كان فيه التصوير عبارة عن صورة بقياس 2×2سم، فتعامل معها وفق تجربة ذاتية وخبرة مميزة تركت أثرها الطيب في محيطه الاجتماعي في المدينة والريف.

من قياس صغير جداً للصورة الشخصية عمل على تكبيرها مقسماً المساحة إلى عدد من المربعات الدقيقة مستعيناً بمكبّر، لينقل تفاصيل المربع بطريقة متأنية ووفق ما توافر له من معرفة ذاتية تعلمها وراكمها عبر سنوات، منتجاً للوحة البورتريه الكاملة التي كانت ميزتها نقل التفاصيل الدقيقة بإشراقة وإضاءة تعطي الجمال الطبيعي لهذه الصورة، وتحقق رغبة من يطلبها. فبعد عمل مدة قصيرة لم يصل فيها إلى مرحلة التقاعد استقال ليتفرغ لعمل وحرفة فنية اختارها وكانت محور انتشار اسمه والتعريف به كشخص أخلص لعمله، وبات الصلة الأوثق التي خلقت له علاقات جميلة مع كل من قصده لرسم صورة لأحد أفراد عائلته، وصور اختار تجسيدها في مراحل زمنية مختلفة كان أهمها صورة الراحل "سلطان باشا الأطرش"، وصور لرجالات لهم حضور على ساحة المجتمع، وكذلك صور لبعض الجنرالات في مرحلة الاحتلال الفرنسي، مثل "بيتان" وشخصيات اجتماعية أخرى

جدي "حمد السنيح" من مواليد 1908، عاصر زمن ندرة التقنية، وكان في فترة الاحتلال الفرنسي شاباً تطوع مدة في سلك الشرطة، وانتقل بسبب وظيفته بين المحافظات السورية، وكان من بين مقتنياته التي اعتز بها كاميرا قديمة بستارة سوداء يعرفها الأهالي بهذا الشكل، يظهر من خلالها صوراً شخصية صغيرة الحجم تصلح للحصول على الهوية الشخصية، وقد عمل لسنوات بهذه الطريقة، وتعلم طرائق إظهار الصور بمخبره الخاص البسيط جداً وفق تلك المرحلة.

المرحوم حمد السنيح

لكنه بحكم الموهبة وتعلقه بالصورة كمنتج جميل قادر على التوثيق، جرب نقل الصورة الصغيرة لتصبح لوحة بورتريه بالأبيض والأسود، وكانت وسيلته لذلك قلم الفحم والرصاص؛ لتزين هذه الصورة الكبيرة مضافة هذا الشخص، وتحفظ في الذاكرة».

عن التقنية التي نفذها بصبر، وكانت تستهلك الكثير من الوقت وتتطلب حرفية ساعدت على حضوره القوي كرسام بارع ووحيد للبورتريه في تلك المرحلة، يضيف حفيده: «من قياس صغير جداً للصورة الشخصية عمل على تكبيرها مقسماً المساحة إلى عدد من المربعات الدقيقة مستعيناً بمكبّر، لينقل تفاصيل المربع بطريقة متأنية ووفق ما توافر له من معرفة ذاتية تعلمها وراكمها عبر سنوات، منتجاً للوحة البورتريه الكاملة التي كانت ميزتها نقل التفاصيل الدقيقة بإشراقة وإضاءة تعطي الجمال الطبيعي لهذه الصورة، وتحقق رغبة من يطلبها.

وائل السنيح

فبعد عمل مدة قصيرة لم يصل فيها إلى مرحلة التقاعد استقال ليتفرغ لعمل وحرفة فنية اختارها وكانت محور انتشار اسمه والتعريف به كشخص أخلص لعمله، وبات الصلة الأوثق التي خلقت له علاقات جميلة مع كل من قصده لرسم صورة لأحد أفراد عائلته، وصور اختار تجسيدها في مراحل زمنية مختلفة كان أهمها صورة الراحل "سلطان باشا الأطرش"، وصور لرجالات لهم حضور على ساحة المجتمع، وكذلك صور لبعض الجنرالات في مرحلة الاحتلال الفرنسي، مثل "بيتان" وشخصيات اجتماعية أخرى».

لم تكن الصورة وسيلته الوحيدة لكون الخبرة دفعته إلى رسم أشخاص لم يعرفهم، وهي حالات فرضتها الحالة الاجتماعية، وقال: «في مجتمع نعطي للكبير ما يستحق من احترام كانت فيه الصورة المكبرة أو لوحة البورتريه للكبير تقليداً اتبعه الكثيرون من الأبناء كتكريم الكبار، وهذا كان خلف انتشار رسومات جدي لتجد له رسومات لرجال من مختلف العائلات، وكثيراً ما تطالعنا صور قديمة بقيت محفوظة ومعروضة للعيان.

الفنان نبيه بلان

في هذه التجربة التي جعلته يرسم آلاف الصور بدقة متناهية ويقدمها لجمهور كان يقدر فنه، ويطالبه بجهد أكبر من أجل حفظ صور من أحبوا حتى لو لم يعرف الشخصية عن قرب، فتجده يدرس صفات الأبناء والأحفاد، ويقدم الصورة المطلوبة بجمال يتوافق مع طلب الأبناء؛ ولذلك حقق بعمله رغبة شريحة كبيرة أحبت فنه وقدرته ليكون له الاسم والحضور والاحترام.

فالرصيد الفني لجدي منتشر على مساحة واسعة وكبيرة لتتصدر رسوماته التي تحمل توقيعه المضافات والصالونات، ونجد في مضافات العائلات هذه الصور، واحتفظنا بوجه خاص بما يزيد على 3500 صورة، وعدد كبير وضخم من رسومات "البورتريه"، حيث انتقلت هذه الحرفة والموهبة إلى والدي "كمال"، لكن وفق تقنيات العصر وفنون الرسم ومدارسه الحديثة».

من ذكريات الفنان "نبيه بلان" ولقاءات كان له فيها مع شيخ البورتريه أحاديث جميلة وحوار بين عصرين؛ وفق ما حدثنا وقال: «لمن يعود إلى ظروف عمل هذا الشيخ يعرف أنها الدافع الأقوى لظهور موهبة أولها التصوير، وحفزته على التعامل مع الصورة ونقلها وتجسيدها وفق احتياجات المجتمع وتقديمها بطريقة فنية، لكنها كانت الأقرب إلى الحرفة، وفي مرحلة معينة كان لعمله أثر في تقديم مساعدة في كشف بعض الجرائم من خلال رسم بعض مواصفات الجاني؛ وهذا إن دل على شيء، فهو دليل على فطنة وقدرة التجسيد للشكل.

تقنية ودقة تعامل بها وفق ما وصل إليه من مساعدات على قلتها في ذلك العصر، وكان له جهده المشكور الذي كرسه لتقديم لوحات قد لا يخلو منها منزل، يقدمها بود وصدق على الرغم تعب الإنجاز. وهو لم يتعامل إلا مع أقلام الفحم والرصاص، وكنا نتشارك الحديث عما يظهر من مواد وأنواع من هذه الأقلام، وكنت أحملها معي من "روسيا" وفق طلبه، وكنوع من التقدير لعمله الجميل الذي تابعه في مراحل تقدمه بالسن، ولم يتوقف حتى ضعف بصره.

هذه الأقلام يستخدمها لرسم خلفيات الصور، ليحافظ على تطوير عمله بشكل يتوافق مع خبرة ورقي في التعامل، لتكون أعماله رسائل حب تذكر بهذه الشخصية الجميلة التي جسدها بالخبرة اليدوية والمعرفة التي حصلها بالجهد والتعب».

الجدير بالذكر، أنّ "حمد السنيح" من مواليد "السويداء" عام 1908، توفي عام 2005، وترك آلاف أعمال البورتريه التي ترصد تجربته الفنية، وبقي جزء كبير ومهم منها محفوظاً لدى أولاده وأحفاده. أولاده: "رياض" برتبة سفير في مصر، والراحل الفنان "كمال"، وخمس بنات. كرّم قبل وفاته على مستوى المحافظة، وله شهرة اقترنت باسمه لدى الناس، وكل من اهتم بالفن.