صنع مستقبله خطوة إثر خطوة، وكافح لينهل من العلم ما استطاع إليه سبيلاً. خدم طلاب جامعة "دمشق" زمناً طويلاً قبل أن يدخل أروقة وزارة الخارجية ويصبح سفيراً لبلاده في عدة دول، وختم حياته الحافلة بعدة إصدارات ثقافية.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 5 تشرين الأول 2016، المحامية "ريم خداج" ابنة أخت الراحل "ذيب نايف أبو لطيف"، لتتحدث عن مسيرة خالها الحافلة، فقالت: «ولد الراحل في محافظة "السويداء" قرية "الغارية" عام 1945ضمن عائلة كادحة تكافح من أجل الحياة، درس الابتدائية في قريته، وعمل في الفلاحة والزراعة، واشتغل عاملاً في أفران "السويداء" و"دمشق"، وخلال عمله كان حريصاً على علمه على الرغم من وضعه المادي الصعب، فدرس الإعدادية والثانوية دراسة حرة وازن خلالها بين العمل والدراسة لكي يستطيع الوقوف على قدميه، ثم سجل في كلية الحقوق بجامعة "دمشق"، ونال إجازتها عام 1975، وتبعها بالحصول على دبلوم دراسات عليا في العلوم المالية والإدارية عام 1978».

عرفته عن قرب في كفاحنا من أجل حياة أفضل في نهاية الخمسينيات والستينيات، أطفال في عمر الزهور، نعمل وندرس معاً، وشاءت إرادتنا وأقدارنا أن يأخذ هو السلك السياسي والدبلوماسي، وأنا السلك العلمي والأكاديمي، ففرقتنا المهنة، وظلت تجمعنا الروح والذكريات. كنا نتبارز في ليالي العمل الشاق، من سيصل إلى أعلى المراتب، وقبل أشهر تبارزنا من سيرثي الآخر، ولم نصل إلى نتيجة، إلى أن سبقني لأرثيه

بدأت خطواته الأولى في استلهام مستقبله باكراً عندما دخل معترك الحياة السياسية وهو طالب، وأضافت "خداج": «انتخب رئيساً للجنة الإدارية في كلية الحقوق عام 1969، ومثّل الطلاب بمجلس الكلية، وانتخب رئيساً لفرع جامعة "دمشق" للاتحاد عام 1970، وانتخب نائباً لرئيس اتحاد طلاب "سورية" عام 1976 قبل أن ينجح بمسابقة لوزارة الخارجية التي أصبح موظفاً فيها، فشغل منصب المدير لعدد من الإدارات (فلسطين، الإعلام، المغتربين، مدير إدارة المكاتب الخاصة)، وترأس بعثات دبلوماسية عدة في العالم؛ "البرازيل"، المغرب، هنغاريا"، اعتمد سفيراً في دولة "قطر" عام 2006، وقبلها في "العراق" عام 2003.

الدكتور سليم الحسنية

كان مديراً لمكتب نائب رئيس الجمهورية من عام 2009 حتى عام 2014. وكتب خلال مسيرته في الصحافة والمجلات السورية والعربية والدولية، مثل مجلة "المعرفة" السورية والصحف السورية والقطرية والبرازيلية والعراقية، له العديد من الكتب والمؤلفات، منها: "حق النقد ومسؤوليته" 1980، "الوعي والانتماء" 1986، "الإبداع من الفكر إلى الممارسة" 2015. ومن أبحاثه: "الصهيونية وحقوق الإنسان"، "القيم الأخلاقية والقانون العام"، "مثلث القوة". وقد منح العديد من الأوسمة من برلمانات ورؤساء دول خلال مسيرته الدبلوماسية.

وقبل أن تودي به المنية في آب 2016، أنهى كتابه "حفنة من طحين" الذي يروي قصة حياته عندما بدأ مشواره حاملاً حفنة من طحين ليقايض بها أجرة القافلة التي ستقله من "الغارية" إلى مدينة "السويداء" لتقديم امتحان الشهادة الابتدائية».

كتابه الشيق في الحياة

رفيق طفولته وشبابه؛ الأستاذ الدكتور "سليم الحسنية" الذي عايشه عن قرب في العمل والدراسة، قال: «عرفته عن قرب في كفاحنا من أجل حياة أفضل في نهاية الخمسينيات والستينيات، أطفال في عمر الزهور، نعمل وندرس معاً، وشاءت إرادتنا وأقدارنا أن يأخذ هو السلك السياسي والدبلوماسي، وأنا السلك العلمي والأكاديمي، ففرقتنا المهنة، وظلت تجمعنا الروح والذكريات. كنا نتبارز في ليالي العمل الشاق، من سيصل إلى أعلى المراتب، وقبل أشهر تبارزنا من سيرثي الآخر، ولم نصل إلى نتيجة، إلى أن سبقني لأرثيه».

وتابع: «ترك لنا إرثاً أخلاقياً وثقافياً ونضالياً غزيراً بالتجارب والنجاحات والإخفاقات: ستة أولاد، شابان وأربع بنات، تسلموا راية الجد والاجتهاد من بعده.

ذيب أبو لطيف وسليم الحسنية أيام الجامعة

كما ترك لنا كتاباً ومؤلفات في غاية الأهمية، أحدها يحمل عنوان: "الإبداع من الفكر إلى الممارسة"، وآخر جاهز للنشر: "حفنة من طحين"، يحكي فيه سيرته الذاتية، وكيف كان كفاحه المرير ليتقدم إلى الشهادة الابتدائية، لشح ذات البين، ولكن حفنة الطحين فتحت له طريق المستقبل، الذي وصل إليه. والسيرة التي كتبها مؤلفة من جزأين، تنتظر من الأبناء رعايتها بالنشر، وأن لا تعاني ما عاناه من ألم يدمي القلوب، وهو يجول في أزقة وسطوح قرية "الغارية"؛ كالعصفور الذي يكافح للخروج من قفصه، ليلتحق بالحافلة التي تقل الطلاب إلى مركز الامتحان؛ وهذا ما كان، إلى أن وصل إلى أعلى المراتب الممكنة، وفي كل مرحلة لها قفصها وحفنة طحين، على مدى أكثر من نصف قرن، وآخرها الأزمة السورية التي عاشها بكل تفاصيلها وحكاياتها وآلامها التي لا تنتهي، فرحل قبل أن يتعافى الوطن الذي راهن على أبنائه من أجل أن يعود كما كان».