ترك "شاهين شجاع" كل ما يمتّ إلى الحياة الطبيعية خلف ظهره، ورحل مصطحباً معه عائلته نحو الصحراء الشرقية لكي يبدأ ثورته الخاصة عندما انتهت ثورة الآخرين، وبعد خمس سنوات من الكفاح المرير عاد إلى بيته المهجور، وأرضه البور؛ لكي يعيش ما تبقى له من حياة بعزّ وكرامة.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 22 آب 2016، المخترع السوري "أجود شجاع" المنحدر من قرية "الرشيدة" الواقعة في الزاوية الشرقية الجنوبية لمحافظة "السويداء"، الذي تحدث عن الظروف التي دفعت المجاهد "شاهين شجاع" ورفاقه للخروج إلى الجهاد ضد الفرنسيين، فقال: «معظم الناس يظنّون أن "الثورة السورية الكبرى" استمرت عامين فقط؛ من عام 1925 حتى عام 1927، لكن الحقيقة غير ذلك؛ فهناك من استمر في القتال حتى عام 1930، ومن هؤلاء المجاهدين "أبو حمد شاهين شجاع" الذي عرف بين الناس بلقبه المحبب "راعي المليحة"، وهي كلمة السر التي تجعله يخرج منتخياً أمام الآخرين للمساعدة أو إغاثة الملهوف، أو الذهاب إلى قتال الأعداء، وهو كغيره من أبناء الجبل كانت مهنته الزراعة والفلاحة، ولكنه آثر أن يترك أرضه البور، على أن تنهشها الغربان».

معظم الناس يظنّون أن "الثورة السورية الكبرى" استمرت عامين فقط؛ من عام 1925 حتى عام 1927، لكن الحقيقة غير ذلك؛ فهناك من استمر في القتال حتى عام 1930، ومن هؤلاء المجاهدين "أبو حمد شاهين شجاع" الذي عرف بين الناس بلقبه المحبب "راعي المليحة"، وهي كلمة السر التي تجعله يخرج منتخياً أمام الآخرين للمساعدة أو إغاثة الملهوف، أو الذهاب إلى قتال الأعداء، وهو كغيره من أبناء الجبل كانت مهنته الزراعة والفلاحة، ولكنه آثر أن يترك أرضه البور، على أن تنهشها الغربان

وأكمل المخترع "شجاع" سرد قصة تلك الأيام: «كوّن "سجاع" كما كانت تكنّى العائلة (بحرف السين) عصابة مؤلفة من عدة مقاتلين أشداء من بينهم إخوته الأربعة، وكانوا يتنقلون في البادية الشرقية مختارين المناطق الوعرة التي يصعب الوصول إليها، ومن هذه المناطق كانوا يشنّون هجماتهم على الفرنسيين، وفي عام 1927 توقفت الثورة، وعاد الثوار إلى مزاولة أعمالهم، ومنهم من تطوّع في الجيش الفرنسي، أو تسلّم مناصب إدارية في الحكومة، غير أن المجاهد "شاهين" كان له رأي آخر بعيداً عما حصل كأمر واقع، فأرسل أحد إخوته كي يستشير القائد العام للثورة "سلطان باشا الأطرش" فيما إذا كان عليهم أن يلقوا سلاحهم، أم يستمروا في المقاومة، وكان رأي "الباشا سلطان" أن يتابعوا القتال كي يثبتوا للعالم أن الثورة ما زالت مستمرة، وهكذا كان من هؤلاء الذين آثروا القتال على الراحة والعودة إلى الحياة الطبيعية في ظلّ العكر المحتل، إلا أنّ عدد أفراد العصابة تقلص كثيراً، حتى أصبحت تقتصر على "شاهين" وإخوته وبعض الأصدقاء، فاضطروا إلى اصطحاب كامل أفراد أسرهم ومغادرة الديار التي أصبحت في متناول الفرنسيين، وذهبوا إلى مكان يدعى "الرحبي" شرقي "الزلف والنمارة"، ونصبوا بيوت الشعر بين بدو "الغياث"، وكوّنوا معهم صداقات وتحالفات مكّنتهم من الاستمرار في العيش ومتابعة مهامهم».

المخترع أجود شجاع

أما ما حصل عندما تمركزوا في هذه المنطقة، وكيف عاشوا، فروى المجاهد الراحل والوزير السابق "جاد الله عز الدين" بعض هذه القصص التي تناقلت بين العامة، فقال: «من هناك كانوا ينطلقون لمهاجمة الفرنسيين الموجودين في "المقرن الشرقي"، ويعودون إلى مضاربهم سيراً على الأقدام، وفي هذه المضارب استضافوا الكثيرين من الثوار، ومنهم المناضل "شكري القوتلي"، وبعض المراسلين الذين كانوا يتنقلون بين الثوار والقيادة لفت نظرهم أن "شاهين" كان يرتدي ثوباً بالياً لا يكاد يستر جسمه الضخم، وعندما عادوا إليه في المرة الثانية أحضروا له ثوباً جديداً عبارة عن "قمباز"، وأصروا عليه أن يرتديه، وعندما فكّ حزامه سقط النصف الأسفل من الثوب على الأرض لشدة ما كان مهترئاً».

هذه الثورة الصغيرة أقلقت سلطات الانتداب، حيث عرض الفرنسيون على "شاهين" رتبة ضابط في الجيش الفرنسي مع قبول إخوته كمتطوعين في فرقة الخيالة، فكان ردّهم أن هاجموا مجموعة من الفرنسيين في قرية "الشبكي" وأوقعوا بهم خسائر كبيرة، وأصابوا الضابط قائد المجموعة الذي كان يدخن "الغليون" الذي وقع من يده، فأخذه أهالي قرية "الشبكي" وأرسلوه فيما بعد هدية لـ"شاهين".

المجاهد جاد الله عز الدين

وتابع "شجاع" الحديث عن حياة المجاهد بعد أن توقف عن القتال، يقول: «في عام 1930 أوقفت هذه العصابة نشاطها، وعاد "شاهين" وإخوته إلى قرية "الرشيدة" ليجدوا دارهم التي هجروها خمس سنوات في حالة يرثى لها، كانت خالية من المؤونة والمواشي، وأرضهم الواسعة قد تحجرت ونبتت فيها الأشواك والأعشاب، ولم يكن لديهم المال الكافي كي يبدؤوا حياتهم من جديد، وبالكاد استطاعوا تدبر أمورهم المعيشية. فبعد أن كانوا من الفلاحين الميسورين في القرية عاشوا بقية حياتهم في الفقر والعوز شأنهم كشأن معظم الذين قدّموا التضحيات في سبيل الوطن، وكان عزاؤهم أنهم امتلكوا كنزاً من الذكريات عن خمس سنوات قضوها في عزّ وفخار، وحولها كانت تدور معظم أحاديثهم التي كنت أستمع إليها وأنا أجلس في أحضانهم أيام طفولتي. وأكثر ما كان يلفت نظري، تلك الجمرة التي يتناولها عمّي "شاهين" من الموقد ويرصها بإبهامه في فوهة الغليون الفرنسي القديم الذي بقي محتفظاً به طوال حياته».