تسعة عقود ونيف والشاعر الراحل "نعمة العاقل" يبحث في بطون المراجع الأدبية ويقدم للمجتمع رؤيته الإبداعية، إضافة إلى تكريسه قيم المجتمع وعاداته بعمله الدائم، وهو العازف عن حياة الترف والمتعلق بدوحة الأدب والثقافة بالعمل والإنتاج في حقول المعاناة.

مدونة وطن "eSyria" وبتاريخ 23 تموز 2016، التقت "مروان أبو طافش" أحد أبناء "أم الرمان" قرية الشاعر "نعمة العاقل"، فقال: «الحديث عن الراحل يعني الحديث عن ذاكرة شعبية، تحمل في مضامينها الإنتاج والعطاء والاستمرارية في منظومة حياة متجددة، فقد عمل في الأرض، وعزف عن ترف الحياة، وبقي وحيداً لم يتزوج، بل كان ساعياً نحو تكوين شخصية مستقلة في تطلعاته الفكرية. تسعة عقود ونيف وهو يبحث في مفردات اللغة عن كلمات تحمل خصوصية الشخصية التكوينية له، يقدم نفسه للمجتمع ويتجاوز حدود الجغرافية المحلية من خلال قيمة عمله وأدبه، حيث استطاع أن يتخذ من الشعر الشعبي مركز انطلاق نحو تجسيد منظومة العادات والتقاليد في "مضافة" أهله العائدة إلى أكثر من قرنين من الزمن، فكان فلاحاً، وأديباً، وشاعراً، وعصامياً إلى حدٍّ برع بصفات السكينة الإبداعية».

الحديث عن الراحل يعني الحديث عن ذاكرة شعبية، تحمل في مضامينها الإنتاج والعطاء والاستمرارية في منظومة حياة متجددة، فقد عمل في الأرض، وعزف عن ترف الحياة، وبقي وحيداً لم يتزوج، بل كان ساعياً نحو تكوين شخصية مستقلة في تطلعاته الفكرية. تسعة عقود ونيف وهو يبحث في مفردات اللغة عن كلمات تحمل خصوصية الشخصية التكوينية له، يقدم نفسه للمجتمع ويتجاوز حدود الجغرافية المحلية من خلال قيمة عمله وأدبه، حيث استطاع أن يتخذ من الشعر الشعبي مركز انطلاق نحو تجسيد منظومة العادات والتقاليد في "مضافة" أهله العائدة إلى أكثر من قرنين من الزمن، فكان فلاحاً، وأديباً، وشاعراً، وعصامياً إلى حدٍّ برع بصفات السكينة الإبداعية

أما العميد المتقاعد "نايف العاقل" الحائز على وسام بطل الجمهورية في حرب تشرين التحريرية، وأحد أقارب الراحل، فيقول: «تفتحت عينا الراحل والحياة المعيشية مكتظة بالمعاناة والفقر، والبلاد تعيش حالة الانتداب الفرنسي بما حملته من بطش ودمار وتدمير، وقريتنا تغلي برجالات سيوفها ماضية وقلوبها جامدة صلبة، في ضجيج القتال وأصوات النخوات ولد الراحل "نعمة علي العاقل" في بيت يكتنفه الفقر المادي، ويستره حب التقوى والمطالعة في العلم والأدب، حيث اتخذ من والده الذي كان مؤمناً بالأديان السماوية وكتبها "التوراة، والإنجيل، والقرآن" قدوة له، تعلم في مدرسة قريته اليسوعية حتى الصف الخامس، ثم ترك المدرسة ولم يتمكن من متابعة علمه بسبب فقره المادي، لذا بدأ يعمل في زراعة الأرض وحرثها وجني ثمارها مع بقائه مستمراً في قراءة الكثير من أمّات الكتب العربية والكتب المرجعية والمصادر.

سعيد مليح

أحب الشعر الذي بدأ يقرضه منذ الثلاثينيات، بعد أن كوّن مخزوناً لغوياً ومفردات تسمح له الركوب في سفينة اللغة والبلاغة والدلالة، له عدة قصائد نبطية قومية ووطنية، لكنه عرف بالغزل في الكثير من قصائده، بصور مركبة ومفردات معجمية».

وعن حياته العملية يتابع "نايف العاقل": «تغرّب الراحل "نعمة علي العاقل" بسبب الفقر طالباً العيش الكريم الحر، فسافر إلى "لبنان" و"الأردن" و"فلسطين"، وكان يقول ما قاله "أبو العلاء المعري": (هذا ما جناه أبي عليَ وما جنيت على أحد)، كان أشد تأثراً وحباً بكتب "المعري"، لم يتزوج أبداً في حياته، وحين قرض الشعر كتب بما حملته ذاكرته من مفردات لغوية مهمة في الشعر، يقول في إحدى قصائده التي اشتهر بها في الوطن العربي:

نايف العاقل

"يا خوار دعا موارد بير زمزم... دالعات دراع والمجول شفوفي

لعن أبوهن كلهن من دون محزم... خامصات وساطهن ضخم الردوف

من أعماله الأدبية

غصون سندر صنع سمهر حين يلزم... ما يطا جيلانهن رجل زهوف"

هذه القصيدة المؤلفة من عشرة أبيات وصلت العالم العربي وتغنى معظم الشعراء بها، وجاءت مساجلات شعرية بكثافة لا تحصى، وهي حاملة حكايات شعبية وأبيات مهمة في تاريخ شعرنا الشعبي التراثي المعاصر».

الشاعر "سعيد مليح" عضو مجلس إدارة جمعية الأدب الشعبي وأصدقاء التراث، عن الراحل يقول: «على الرغم من معاناة العيش وضنك الحياة ظل يصارع بالعمل في الأرض، ويقدم لمجتمعه ما نهله من معين أهله، بثبات وعزيمة وتطلّع نحو حياة هادئة وساكنة، فهو وإن جاء في ظروف الحرب إلا أنه ظل متمسكاً في بيئته المحلية مجسداً عادات "المضافات" وقيم المجتمع الزراعي من الاحترام والمسامرة والإنتاج الدائم، إذ كان يحض دوماً على العمل، وقيمته بالعمل يعني ارتقاء بالشخصية الثقافية والفكرية والاجتماعية، ولهذا أحب وكان نموذجاً للعاشق الصادق مع من أحب ومع نفسه، وعاش عزباً طوال حياته.

حين رحل شعر مجتمعه بأهمية شخصية "نعمة العاقل"، وخاصةً أنه آخر جيل الأدباء الشعبيين الذين رسموا في الذاكرة الشعبية شيئاً جميلاً يردده الناس على شفاههم وهم يهزجون بأشعاره الوطنية والوجدانية والعاطفية والإنسانية، فهو وإن رحل جسداً فإن أدبه الشعبي خالداً في ذاكرة الشعبية لا تمحوه السنون ولا الأيام».

يذكر أن الشاعر والأديب الراحل "نعمة العاقل" ولد في قرية "أم الرمان" التابعة لمحافظة "السويداء"، عام 1923، ورحل في الثامن من تموز 2016.