يعدّ واحداً من زعماء جبل العرب الذين حافظوا على وحدة "سورية" وأراضيها، مُنح لقبي الباشا والأمير لزعامته ومواقفه الوطنية.

مدونة وطن "eSyria" تواصلت عبر الشبكة العنكبوتية بتاريخ 10 حزيران 2016، مع الدكتور "مجد نزار بريك هنيدي" المقيم في "ألمانيا" وحفيد المجاهد "فضل الله باشا"، وعنه حدثنا بالقول: «ولد جدي "فضل الله بن هزيمة هنيدي" عام 1876 في قرية "المجدل" التابعة إلى "السويداء" لعائلة عربية عريقة وغنية، قدمت بالأصل من منطقة "صليما" في "لبنان"، تعلم القراءة والكتابة في "السويداء"، ثم أكمل دراسته في الآستانة، تميز بإخلاصه الوطني، فكان من أشهر شخصيات العرب المعتزين بأرومتهم القومية، تجلت في شخصيته النبالة وصحوة الضمير والاستعداد لكل عمل يرفع من شأن الوطن، ويرفع الضيم عنه».

فقدنا باستشهاده أعز صديق وأوفى رفيق على طريق النضال منذ أيام الثورة العربية الكبرى

وعن مكانته الروحية والاجتماعية يقول: «كان من الزعامات الروحية والقيادات الزمنية عند طائفة الموحدين، الذين يعتمدون آراءه وحكمته دائماً، وكان الزعيم الروحاني، ولم يحمل أحد غيره هذه الصفة، اشتهر بمآثر حميدة، وأفعال كبيرة وخيرة، كانت داره في "السويداء" مفتوحة دوماً يؤمها أحرار الوطن الثائرون على الحكم العثماني، وممن قدموا إليها من أحرار "دمشق" الأمراء: "محمد، وجميل، وعبد القادر الجزائري، ومن أحفاده "عمر، وسعيد"».

الدكتور مجد بريك هنيدي

ويضيف عن تاريخه: «كان عضواً في الجمعية العربية الفتاة الداعية إلى تحرير بلاد العرب من العثمانيين، اشترك عام 1910 في مواجهة حملة "سامي باشا الفاروقي" في حربه مع أهالي الجبل، وحين قامت الثورة العربية الكبرى ضد العثمانيين عام 1916 كان " فضل الله هنيدي" في مقدمة الثائرين المناصرين لها، واتجه إلى العقبة مع ثوار الجبل، في 30 أيلول 1918 كان أحد فرسان الجبل الذين دخلوا "دمشق" قبل وصول الجيش الفيصلي ورفعوا العلم العربي فوق دار الحكومة، وقد ذكر ذلك المؤرخ العربي المشهور "حنا أبي راشد" بقوله: «وبعد ذلك توجهوا جميعاً إلى دمشق، وعند وصولهم إلى قرب دير علي الذي يبعد عن دمشق ثلاث ساعات؛ التقوا طليعة الجيش التركي بقيادة "رضا باشا الركابي"، وهناك جرت بينهما موقعة دموية غنم فيها الجيش الذي يقوده "سلطان باشا الأطرش" 21 مدفعاً، مع ذخائر حربية كثيرة، وقتلوا عدداً كبيراً من الأتراك، وساقوا الأسرى أمامهم، وعندها وصل "فضل الله باشا هنيدي" ورجاله، و"نسيب بك نصار" ورجاله، و"متعب بك الأطرش" ورجاله، ودخل الجميع آمنين إلى "دمشق".

كما كان عضواً في المجلس الإسلامي الفلسطيني، وعضواً في المؤتمر السوري الفلسطيني، وتسلم عام 1920 رئاسة العدلية بدمشق، وكان رئيس اللجنة الأولى بين خمس لجان تكوّنت في الجبل عام 1925 لفض الخلافات العائلية والعشائرية؛ التي كتبت عرائض وختمتها، إضافة إلى ذلك كان ممن يعدون للثورة ضد الفرنسيين ويمهدون لها، وحين نشبت الثورة السورية الكبرى كان من أعلامها وقادتها ورئيس أركانها والعقل المتقد فيها، وفي حزيران 1925 تكوّن وفد يمثل الوطنيين في الجبل للتوجه إلى "دمشق" للقاء الدكتور "عبد الرحمن الشهبندر"؛ وكان "فضل الله هنيدي" ضمن أعضاء هذا الوفد، وقد عقد هؤلاء مع إخوانهم ممثلي القوى الوطنية في "دمشق" اجتماعين سريين بمنزل "الشهبندر" اتفقوا فيهما على أن يقوم ممثلو دمشق بتجميع القوى الوطنية في "دمشق والسويداء" وبقية المدن السورية لدعم الثورة عند قيامها في الجبل».

أحد المقالات عن المجاهد فضل بريك هنيدي

وعن أهم أعماله والمهام التي أوكلت إليه يضيف: «حين قامت الثورة السورية الكبرى عام 1925 كان من أعلامها وقادتها ورئيس أركانها والعقل المتقد فيها، كان قائداً عاماً للمنطقة الشمالية الغربية 1926، وعضواً في المجلس الإسلامي الفلسطيني، وعضواً في المؤتمر السوري الفلسطيني، تولى رئاسة العدلية "وزارة العدل" في دمشق، وكان عضواً في وفد رجالات "سورية" الذين ذهبوا لزيارة الجنرال "غورو" واستكشاف نوايا الفرنسيين تجاه سورية في البدايات إلى جانب "فارس بيك الخوري، وغريغوريوس" بطريرك الروم الأرثوذكس».

وعن ملاحقة الفرنسيين له يقول: «نسف الفرنسيون داره في المجدل بالديناميت عام 1926، وأشاعوا خبر موته قبل استشهاده لتثبيط معنويات ثوار الجبل، وكانوا يلقون المناشير التي تحمل هذا النبأ بواسطة مواسير من الطائرات، استشهد برصاص طائرات فرنسية في آب 1926 حين كان يقود إحدى المعارك ضد الفرنسيين أمام "نجران"، وكان قد تغلب عليهم في هذه الواقعة، وبينما كان يراقب حركات الجيش والفرسان، كانت الطائرات فوقه، فوجه منظاره إليها، فأصابته رصاصة من رشاش الطائرة، وقام الدكتور "خالد الخطيب" بإسعافه، لكن القدر تغلب على كل شيء؛ حيث نقل إلى قرية "صميد" وتوفي فيها، ووري جثمانه الثرى هناك ليصبح شهيد الثورة السورية الكبرى».

وعن أهم الألقاب التي منحت له يقول: «منح "فيصل بن الشريف حسين" لقب "الباشا" للزعيمين "سلطان الأطرش، وفضل الله هنيدي" معاً، وذلك عند إعلان استقلال البلاد من الحكم التركي نظراً إلى زعامتهما ومواقفهما الوطنية وثقلهما السياسي في إقامة حكومة وطنية في دمشق "1918"، ومنح أيضاً لقب "أمير" من قبل قيادة الجيوش العربية».

ويختم الدكتور "مجد بريك هنيدي" بقوله: «ما زالت دار "فضل الله باشا هنيدي" عامرة ومفتوحة إلى يومنا هذا في بلدة "المجدل" بمحافظة "السويداء"، وهي دائماً مركز ثقل وقرارات مهمة في جبل العرب».

عنه قال الباحث التاريخي "محمد جابر": «المجاهد "فضل الله هنيدي" رجل بألف رجل، كان وجهاً اجتماعياً وسياسياً ورأساً بارزاً من رؤوس القوم، وقائداً وطنياً، ومحارباً عنيداً لا تلين قناته، معتداً بعروبته، متميزاً بإخلاصه الوطني ونزعته القومية، قاوم الاحتلال العثماني والانتداب الفرنسي سياسياً وعسكرياً، كان ممن هبوا للثورة ضد الفرنسيين، وتولى مناصب سياسية وعسكرية عديدة، كان أحد أعضاء هيئة أركان الثورة الثلاثة عشر، أصيب في معارك "المزرعة، المسيفرة، المزرعة الثالثة، تل الحديد"، ثم استبسل في معارك "اللجاة" التي كان أحد قادتها، وظل يروع الفرنسيين حتى استشهد بمعركة "قلاع الجف" 4 آب 1926، ويعدّ قامة وطنية شامخة».

وعند استشهاده قال "سلطان باشا الأطرش": «فقدنا باستشهاده أعز صديق وأوفى رفيق على طريق النضال منذ أيام الثورة العربية الكبرى».

كما قال مؤرخ الثورة الدمشقي الدكتور "عبد الرحمن الشهبندر": «باستشهاد "فضل الله باشا هنيدي" فقدت الثورة عقلها المدبر، وفقدت "سورية" واحداً من أعظم رجالاتها».