كوّن شيخ العقل "حسن جربوع" قبل قرن ونيف في تاريخ "جبل العرب"؛ ذاكرة مميزة بالعلم والتقوى والموقف الوطني النضالي، قاوم العثمانيين والفرنسيين بنزاهته؛ حتى حصل على ألقاب تشريفية من أعدائه.

حول حياة وسيرة الشيخ "حسن جربوع" التقت مدونة وطن "eSyria" وبتاريخ 20 كانون الثاني 2016، أحد أحفاده؛ سماحة الشيخ "يوسف جربوع" شيخ عقل طائفة المسلمين الموحدين الدروز، فحدثنا قائلاً: «ولد جدي "حسن جربوع" رحمه الله في مدينة "السويداء" سنة 1849، في دار جده "أحمد جربوع" شيخ العقل، وعاش وترعرع في بيئة دينية تنويرية وطنية، فلاحت منذ صغره علامات النبوغ المبكر، والميل إلى العلوم الروحية بوجه خاص، وبعد أن تلقى تعليماً مكنه من استيعاب العلوم التنويرية وحفظ المقدس منها غيباً، واطلع على أقوال الحكماء والأنبياء، وأخبار الصالحين وسيرهم، فنمت ثروته العلمية؛ وصار من أشهر علماء عصره وأوفرهم ثقافة، فورث منصب مشيخة العقل من والده المرحوم الشيخ "وهبة جربوع"، وفاق سلفه علماً ومعرفة، وغدا مرجعاً أعلى لأبناء جيله، وعلماً يقتدى بأمانته وصدقه وموقفه تجاه ارتباطه بالأرض وحفاظه على العرض، الأمر الذي جعل أعداءه يخشونه».

شهد العصر الذي عاش فيه جدي "حسن" موجتين من الحكم الأجنبي توالتا على بلادنا؛ وهما الحكم التركي ثم الاستعمار الفرنسي، ونشأ الشيخ أواخر الحكم التركي، وفي عام 1896 نفي مع بعض أعيان الجبل إلى "تركيا" في عهد الحاكم العثماني "ممدوح باشا"، وبقي فيها أربع سنوات، ثم فرَّ مع زملائه المنفيين عائداً إلى بلاده ليتابع مسيرته الدينية والاجتماعية الإصلاحية مقاوماً الاحتلال العثماني، ويقضي ما تبقى من سنوات عمره في مقاومة الاستعمار الفرنسي بمواقف وطنية

وتابع سماحة الشيخ "يوسف جربوع" بالقول: «شهد العصر الذي عاش فيه جدي "حسن" موجتين من الحكم الأجنبي توالتا على بلادنا؛ وهما الحكم التركي ثم الاستعمار الفرنسي، ونشأ الشيخ أواخر الحكم التركي، وفي عام 1896 نفي مع بعض أعيان الجبل إلى "تركيا" في عهد الحاكم العثماني "ممدوح باشا"، وبقي فيها أربع سنوات، ثم فرَّ مع زملائه المنفيين عائداً إلى بلاده ليتابع مسيرته الدينية والاجتماعية الإصلاحية مقاوماً الاحتلال العثماني، ويقضي ما تبقى من سنوات عمره في مقاومة الاستعمار الفرنسي بمواقف وطنية».

الشيخ "يوسف جربوع"

وعن مواقفه ضد الاستعمار الفرنسي بيّن الباحث "جميل أبو ترابي" صاحب كتاب "شيوخنا الأعلام" بالقول: «كان رحمه الله لا يقبل مال الحكومة الاستعمارية، وقيل: إن الجنرال "غورو" أرسل إليه من "بيروت" مالاً بظرف مختوم، فلم يقبله، وردّ المال مع المبعوث، فقد كان المال تعويضاً عن داره التي هدمها الطيران الحربي الفرنسي إبان الثورة السورية الكبرى حين قصف "السويداء"، وفرنسا كانت تحاول أن تستميل بالمال بعض أعيان الجبل ليوافقوا على سياستها الاستعمارية.

ولما حضر المفوض الفرنسي إلى "السويداء"، أخبره حاكم الجبل يومذاك عن مسلك الشيخ ونزاهته، وأنه لم يطلب لنفسه حاجة قط؛ بل يطلب دوماً للمصالح العامة، فقلّده المفوض وقتها وسام جوقة الشرف؛ وهو أرفع وسام تمنحه فرنسا في تلك الأيام، لكن الشيخ لم يكترث بالوسام، ولم يحمله أبداً، فغضب الحاكم الفرنسي لذلك، وبقي الشيخ مصمماً على موقفه فنعته الحاكم الفرنسي حينئذ بـ"القديس الدرزي"، فقد زار الأماكن المقدسة لأطياف متنوعة وأقام بها الطقس المناسب، حتى إن علمه وفقهه مثّل ظاهرة تنويرية في عصره وبين العلماء آنذاك، والأهم أن أمانته وصدقه كانا مقاومة خاصة ضد الاحتلال حتى خشي من أمانته الأعداء».

الباحث "جميل أبو ترابي"

وتابع الباحث "أبو ترابي" بالقول: «من ملامح شخصية الشيخ "حسن جربوع" أنه مهيب الطلعة مديد القامة، متواضع دمث لطيف المعشر، تقي ورع، تلوح على محياه علائم الطيبة والتسامح والبشاشة والبساطة المتشحة برداء شفاف من روحانية صافية، حيث عرف عنه شغفه اللا محدود للعلم، ونشره المعرفة والوعي بين أفراد المجتمع، إذ كان يقوم بجولات على القرى لنشر ثقافة الوعي آسراً الناس بكلامه وجمله وأفكاره، وقبل رحيله ظل معتكفاً في خلوته ملازماً لعبادة ربه، لا يشغله عنها شاغل من أمور الدنيا ليلاً ونهاراً، حتى أقعده المرض.

وفاضت روحه في 28 ذي القعدة 1347 الموافق 1929، وأقيم له حفل تأبيني مهيب شاركت فيه "حوارات وأعراب البادية وإقليم البلان"، ومناطق أخرى بعيدة، كما شاركت الدولة الفرنسية بدورها في هذا الحفل ممثلة بالحاكم الفرنسي في المنطقة، وألقى الوفد الفرنسي على نعشه أكاليل الزهور، ومشى الحاكم في جنازته إلى مثواه الأخير، وحضر مراسم دفنه في الجهة الغربية من "السويداء"، ومازال مدفنه محجاً لكل الزائرين».