عاد من المغترب ليبني "قلعة" أظهر فيها اللغة العمرانية لأهل "الجبل" فحاكى بالبازلت التطور العمراني، تميز بشخصيته الاقتصادية وإدارية اكتسبها بحبه للاكتشاف، عرف في بلدته "المزرعة" بأخلاقه العالية وأمانته.

مدونة وطن "esyria" التقت "محسن عز الدين" ابن الراحل "علي عز الدين" بتاريخ 21 حزيران 2015، ويقول: «إن أكثر ما ميز أبي هو الطموح الذي رافقه منذ الطفولة، حيث غادر البلدة وهو طفل في الثانية عشرة من عمره خلسة خلف بعض الزوار الذين جاؤوا من "لبنان" حينها وكانوا من المغتربين على الرغم من معارضة والده "شاهين" الشديدة لذلك، واستطاع أن يقنع أحد الأشخاص أن يصطحبه معه إلى "الأرجنتين" مقابل أن يعمل لديه هناك لمدة سنتين، وكان ذلك عام 1900م، وبعد انقضاء هذه المدة، انتقل للعمل في أحد المصانع الكبيرة في "بيونس إيرس" كعامل ينقل الماء، فصنع عربة يجرها حصان موفراً الكثير من العناء، وهو ما أثار إعجاب صاحب المصنع، وكانت رغبته في التعلم والاكتشاف تدفعه بعد إنهاء عمله في نقل الماء إلى تعلم أغلب المهن التي كانت في المصنع من حدادة ونجاره وصيانة الآلات ومعرفة طريقة عملها، ليصبح بعد ثماني سنوات وكيل هذا المصنع والرجل الثاني بعد صاحبه، لكن تعلقه بأرضه كان الأساس فأبى أن يبقى هناك على الرغم من كل المغريات، وعاد إلى "سورية" عام 1914، قبل بدء الحرب العالمية الأولى بشهر واحد.

في عام 1925، قامت الثورة السورية الكبرى فكان من أوائل المنضوين تحت لوائها، وقد شارك في معركة "المزرعة" وغنم فرسين محملين بالذخيرة في اليوم الثاني من المعركة في 3 آب 1925، كما أنه شارك الثوار ضد الاستعمار الفرنسي في معركة بصر الحرير، وتمكن مع رفاقه من الحصول على مدفع وتم سحبه باتجاه بلدة "الشقراوية"، حيث تم الرمي فيه باتجاه قلعة "السويداء" المحاصرة حينها

عاد وفي جعبته 4000 ليرة ذهبية، ليبدأ مشروعه وحلمه الأساسي في بلدة "المزرعة"، حيث قام بشراء ستة فدادين من الأرض والفدان في البلدة يساوي 180 دونماً من الأرض، ثم بدأ مشروعه الهندسي الذي أظهر تأثره بحضارة البلاد التي كان فيها، حيث قام ببناء بيت على شكل مؤسسة أو قلعة كما كانوا يسمونها، والبناء مقام على مساحة 4500 متر مربع، فكان القسم الغربي للسكن البشري، والقسم الشرقي لحضائر للمواشي ووضع أماكن لخيول الضيوف، أي ما نسميه اليوم المرآب، وحفر في حجر البازلت في الجنوب مخازن للحبوب في باطن الأرض، وتتسع لـ40000 كيلو غرام من الحبوب، وكان المميز في بناء "مضافته" التي تعد فريدة من نوعها في "جبل العرب"؛ وجود صالة للاستقبال قبل مدخلها، بينما كانت مضافات الجبل تطل بأبوابها مباشرة على الشارع، وكان البناء من حجر البازلت وعقد الريش، وكل ذلك بتخطيطه وتنظيمه، كما كان هناك أيضاً سكن للعمال الذين يعملون لديه سواء في المواسم الزراعية أو غيرها.

محسن عز الدين

طريقته في الزراعة كانت مميزة، حتى إنه حاول استخدام سيارة في الفلاحة ولم تكن قد عرفت الجرارات الزراعية بعد، واللافت أن هذه المساحة المنظمة والكبيرة من البناء بناها بيديه وكان يقوم بمساعدته القليل من العمال، فكان هو المهندس والعامل بنفس الوقت، وكانت داره تعدّ أفخم وأجمل دار في البلدة، كما أن هذا البناء شكل عبر مساكنه التي تتوسطها ساحة كبيرة سوراً بازلتياً بارتفاع أربعة أمتار يحمي البيت لأن البناء كان مستطيل الشكل، وهذا ما جعل أهل البلدة يطلقون على البناء "قلعة علي"، وقد استعان بعض من المهندسين -ومنهم المهندس "طارق عز الدين"- بفن هذا البناء في مشاريع تخرجهم من ناحية الروافع والحوامل المستخدمة في البناء التي استندت إلى قوة حجر البازلت وعقده بطريقة تشبه تشابك الأصابع، وطريقة توزيع القناطر من حيث تناسب الطول والعرض في طريقة بنائها».

أما عن مشاركته في الثورة السورية الكبرى فيتحدث حفيده "عمر عز الدين" بالقول: «في عام 1925، قامت الثورة السورية الكبرى فكان من أوائل المنضوين تحت لوائها، وقد شارك في معركة "المزرعة" وغنم فرسين محملين بالذخيرة في اليوم الثاني من المعركة في 3 آب 1925، كما أنه شارك الثوار ضد الاستعمار الفرنسي في معركة بصر الحرير، وتمكن مع رفاقه من الحصول على مدفع وتم سحبه باتجاه بلدة "الشقراوية"، حيث تم الرمي فيه باتجاه قلعة "السويداء" المحاصرة حينها».

المحامي مجيد الحسين

أما الباحث الاجتماعي والمحامي "مجيد الحسين"، من أهالي البلدة فتحدث عن الراحل بالقول: «"علي عز الدين" كان شخصاً يحمل معالم رجل الدولة، حيث اجتمعت في شخصه عدة صفات عليا، فكان شخصية وطنية عبر مشاركته في الثورة السورية الكبرى، وكان شخصية إدارية واقتصادية من حيث تأسيسه وبنائه لمجمع سكني أو كما يسميها أهل البلدة "قلعة علي"، وهي بناء أقرب إلى المؤسسة في عملها، وهو شخص معروف بأخلاقه العالية وأمانته وبذهابه إلى أن يكون في حياته كعلامة فارقة في مجتمعه».

يذكر أن "علي عز الدين" من مواليد بلدة "المزرعة" عام 1888، وله تسعة أبناء؛ خمسة ذكور وأربع بنات، وقد توفي عام 1954، في قريته وحضر في جنازته قائد الثورة السورية الكبرى "سلطان باشا الأطرش".

جانب مما تبقى من البناء