ترك أثراً فنياً جميلاً وانطباعاً كان الأجمل في نفس كل من عرفه.. لم يمهله القدر لإكمال آخر لوحاته، التي رسم فيها وجه ابنته الطفلة بملامح شابة.

مدونة وطن "eSyria" وبتاريخ 27 آذار 2015، التقت الفنان "فؤاد أبو ترابة" رئيس قسم الحفر في كلية الفنون الجميلة الثانية في محافظة "السويداء"؛ الذي حدثنا عن صديقه وابن قريته الراحل الدكتور "رياض نرش" بالقول: «عرفناه إنساناً قبل أن يكون فناناً، فعندما تلقاه لأول مرة تشعر بأنك تعرفه منذ زمن بعيد، كان صادقاً وشفافاً في تعامله، لا أذكر أنه تخلف عن موعد أو أعطى رأياً متزلفاً أو ترك سلبية لدى المتلقي، فهو يطبق القاعدة التي تقول: (العمل أكثر من الكلام)، فكان يتكلم بالصدق ويرسم الصدق أيضاً؛ فلوحاته تنطق بما في داخله من حزن دفين».

عرفناه إنساناً قبل أن يكون فناناً، فعندما تلقاه لأول مرة تشعر بأنك تعرفه منذ زمن بعيد، كان صادقاً وشفافاً في تعامله، لا أذكر أنه تخلف عن موعد أو أعطى رأياً متزلفاً أو ترك سلبية لدى المتلقي، فهو يطبق القاعدة التي تقول: (العمل أكثر من الكلام)، فكان يتكلم بالصدق ويرسم الصدق أيضاً؛ فلوحاته تنطق بما في داخله من حزن دفين

أما عن أعماله الفنية فيضيف: «رسم الواقع التعبيري وقليلون من الفنانين الذين تطرقوا إلى مثل هذه الحالة، فالمدرسة التعبيرية موجودة ونهل منها الكثيرون، أما أن يرسم الواقع ويشير إلى تعبير خاص أو عام فهنا يكمن التفرد.

فؤاد أبو ترابة

"رياض" رسم حاله من الداخل والخارج، أي وضع أحاسيسه مترجمة في كل وجه من وجوه لوحاته بألوان ليست فرحة، وقاتمة أحياناً، وهذا يعكس ما بداخله، وقد يشعر المتلقي بالجدية المطلقة فلا نجد عبثاً أو صراعات فنية في أعماله.

كان يلتقط الصور بذاكرته ويخزنها ثم يرسلها لنا كاملة، مثل قصة لها بداية ونهاية، فهو رسام جيد وفنان مبدع، وبرأيي كأنه كان يدرك ما سيأتي، فكان حريصاً ألا تضيع منه فرصة لا في التعامل مع الآخرين أو مع نفسه.

لوحة فنية من تراث الجبل

وفي لوحته الأخيرة غير المكتملة يبرر ذلك ليقول لنا أكملوا أنتم القراءة، ولا يمكن أن تقرأ لوحاته إلا باحترام، لأنه كان يحترم المشاهد، يحترم أهله وأصدقاءه وأولاده، يحترم زوجته وقبل كل هذا يحترم نفسه».

الدكتور "عبد الكريم فرج" عميد كلية الفنون الجميلة الثانية سابقاً، عنه قال: «من المستحيل على جسد ساكن ضمن مقاييسه الاعتيادية أن يضع صوراً لعوالم مرئية وغير مرئية بهذه التأثيرات الغارقة في الأحاسيس التعبيرية الغامضة، لا شك أن طوافاً روحياً خارقاً في محراب الصوفية الأبدية هو الذي أضاء الشموع في بصيرة وأنامل الفنان "رياض نرش"، في ألوانه نحاول الوصول إلى حدود فلا نستطيع، إنها رحلة لا محالة في آفاق لا نهائية، أشكاله تتقمصها رؤى التخاطر خارج حدود البصر، لم يمهله القدر فلربما سحر الأعماق هو الأقوى، رحل فناننا وذهب إلى حيث يصمم الجمال ويبتدع».

اللوحة الأخيرة التي لم تكتمل

أما الدكتور "عفيف البهنسي" المسؤول الفني عن المخطوطات في المتحف الوطني، ومن متابعي أعمال الراحل فتحدث بالقول: «عندما قدم "رياض نرش" مشروع تخرجه عام 1982 في كلية الفنون الجميلة، كان ثمة إجماع أن هذا الشاب القادم من أعالي "صلخد" والمغترب في العاصمة الكبيرة، ما زال محملاً بفضائل الجبل وشفافية الهواء وجمال الطبيعة، وأنه سيبقى منتمياً إلى بيئته في أعماله الفنية التي تجاوزت الهواية ووصلت اليوم إلى الأثر الذي نراه في معرضه الاسترجاعي الذي يقام تكريماً لذكراه وقد اختطفته المنية، وتذكيراً بفنه فقد سار صاعداً متأنياً من الواقعي المتخيل، إلى المتخيل المقروء.

في لوحاته الأولى نقل "رياض" عالمه الوجداني الذي تكشف عن سره عيناه الحالمتان إلى ملامح الوجوه التي صورها حائرة بين الألم والأمل، بين الغربة والحنين، قطبان متعارضان كان مشدوداً بينهما، في لوحاته الشهادة والموت، تمثل وجه ابنته وقد تجاوزت ملامح الطفولة وصلت عصر الشباب الذي لن يدركه، فلقد صور ابنته بحدس أنه لن يكون شاهداً عليه إلا من خلال التصور والصورة.

غابت ملامح الجمال الآدمي في كل الوجوه التي رسمها، تاركاً المكان بإذعان شديد لجمال فني يمثل الحضور رافضاً التجريد متجاوزاً الواقع، وجوه تمثل كائنات تشكيلية صوفية قادمة من عالم اللا شعور الباطني، إلى عالم الشعور الغائم بمهارة الفنان المبدع، ستبقى شاهداً على هويته الفنية.

كان "رياض" رحمه الله فناناً واعداً منذ نشأته الأولى، ورغم رحيله الأليم الذي ابتز نشاطه، فلقد أوفى بالوعد وأثبت أنه الفنان الذي مازال يعيش معنا بلوحاته رغم الموت».

يذكر أن الراحل الدكتور "رياض نرش" من مواليد "صلخد" عام 1960، حاصل على إجازة في الفنون الجميلة قسم الاتصالات البصرية من جامعة "دمشق"، عين معيداً ثم أوفد للدراسات العليا وحصل على الماجستير والدكتوراه من جامعة "حلوان" في "القاهرة"، وكان أستاذاً في الاتصالات البصرية بكلية الفنون الجميلة في "دمشق"، وشارك في العديد من المعارض العامة، وكان عضو نقابة الفنون الجميلة وعضو نقابة المعلمين بجامعة "دمشق"، وافته المنية بتاريخ 20 كانون الأول 2012.