ارتبط اسمه بقريته "بكا"، فكان فارسها البطل وشاعرها الجسور، تغنى به أبناء مجتمعه واعتبروه مثلهم بشجاعته ورأيه الحكيم، فحفظوا موّاله الذي طالما ردده، وتداولوا قصص معارك الشرف التي خاضها.

حول أعمال المجاهد "صياح الحمود الأطرش" وبعض الوقائع التاريخية الحاملة لأحداث مهمة مرّ بها، مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 22 شباط 2015، الباحث التاريخي "إبراهيم جودية" ويقول: «تعد شخصية المجاهد "صياح الأطرش" من الشخصيات القليلة التي أثرت في البنية الاجتماعية، وتركت لنا إرثاً وطنياً وأدبياً كبيراً نتغنى به إلى يومنا، فهو نموذج للأب المعطاء، وهو الباعث في نفوس مجتمعه الصفات الإنسانية والأخلاقية، إذ قلما تجد أحداً من قريته إلا ويصفه بعفته وشهامته، والأهم أنه ترك بصمة في شخصية الكثيرين من أبناء المجتمع جعلوه مثلهم الإنساني، حيث كان يعتني بجيل الشباب زارعاً فيهم الانتماء والأدب.

هو فارس لا يشق له غبار "المَرْجلة"، والثائر الذي يعشق عبق الحرية، والشاعر الذي تغنت بشعره أجمل الأصوات في العالم العربي، المطربة "أسمهان" حينما قال موّاله الشهير في "وادي السرحان": "يا ديرتي مالك علينا لوم... لا تعتبي لومك على من خان حنا روينا سيوفنا من القوم... مثل العدو ما نرخصك بأثمان". فكان "صياح" من الشعراء المهمين في الأدب الشعبي، وله قصائد عديدة تعد من عيون الشعر في هذا المجال

وفي الحديث عن بطولة "الأطرش" يقول: «في معركة "الصوخر" التي جرت في 23 آب 1926، قطعت إحدى الخيول رباطها وفرت هاربة نحو العدو، فاستولى عليها الضابط الفرنسي "فييني" وأخذ عن ظهرها فروة المجاهد "صياح" وصار يلبسها قائلاً: (إنها غنيمة حرب من عدوي اللدود صياح)، وفي معركة "قيصما" فرّ الضابط الفرنسي نفسه "فييني" من المعركة ولاحقه "صياح" فسقطت منه خوذته من فوق رأسه وهو لاذ بالفرار، فقام "صياح" بأخذ الخوذة لتكون شاهداً للتاريخ، ومرت الأيام حتى جاءت المعاهدة السورية عام 1936 وعودة الثوار من المنفى، فيصبح الضابط الفرنسي رئيساً للمخابرات في الجبل، فقام بزيارة المجاهد "صياح الأطرش" في قرية "بكا" وبعد السلام يقول له: (حينما ترد الزيارة سأعطيك فروتك التي أخذتها في معركة "الصوخر")، فيجيبه "صياح" بكل ثقة وتهكم: (لقد أخذت فروتي عن ظهر فرس لي لم أكن راكبها، بينما أنا أخذت خوذتك عن رأسك في معركة "قيصما" التي هربت فيها مع من تبقى من جنودك بعد انتصارنا عليكم، فهل تتذكر يا صديقي معركة "قيصما"؟).

د. عبدي الأطرش

لا يمكن أن ينسى التاريخ الاستعمار الفرنسي الذي صادر أملاك "صياح الأطرش"، واستولى على أرضه ونهب خيراته منذ عام 1925 وحتى عام 1937، فهدم داره أكثر من مرة بالقنابل والطائرات، وحكم عليه بالنفي والإعدام في 26 شباط عام 1927».

ويتابع: «هو فارس لا يشق له غبار "المَرْجلة"، والثائر الذي يعشق عبق الحرية، والشاعر الذي تغنت بشعره أجمل الأصوات في العالم العربي، المطربة "أسمهان" حينما قال موّاله الشهير في "وادي السرحان":

إبراهيم جودية

"يا ديرتي مالك علينا لوم... لا تعتبي لومك على من خان

حنا روينا سيوفنا من القوم... مثل العدو ما نرخصك بأثمان".

المجاهد صياح الحمود الأطرش

فكان "صياح" من الشعراء المهمين في الأدب الشعبي، وله قصائد عديدة تعد من عيون الشعر في هذا المجال».

وفي لقاء مع نجل المجاهد "صياح الأطرش" الشاعر الدكتور "عبدي الأطرش" رئيس فرع الهلال الأحمر في "السويداء"، تحدث عن سيرة والده ويقول: «في قرية "بكا" عام 1898 في ظروف ملأى بالاضطرابات والنفي والتشرد والتآمر من قبل الاستعمار العثماني، كانت ولادة المجاهد البطل "صياح نايف بن سلامة الحمود الأطرش" الذي خرج من قمقم الطفولة باكراً، فكبرت معه القضية وتفتحت عيونه على الحرب والقتال، فحصانه أصبح ضرورة لا تنفصل عن حياته، وسلاحه رفيق دربه الدائم، وفي نفس الوقت لم ينسَ عالم الفكر والثقافة؛ فتعلم وبإصرار كتابة الحرف وقراءته، ثم أخذ يقطف من العالم ما يستطيع، فيقرأ الكتب كالقرآن الكريم، والحديث النبوي، والفقه والحكمة، والأدب والتاريخ والشعر، فحين اشتد عوده واكتشف الموقع الذي يجب أن يكون فيه من أجل العمل الجاد واقتلاع جذور الفساد من تربة وطنه؛ فكان إلى جانب المغفور له "سلطان باشا الأطرش" الذي عانق ذلك الفتى القادم من "بكا" وقربه من نفسه؛ ووجد فيه الرأي والوفاء والصدق والشجاعة، وهناك دلالة على ذلك في إحدى رسائل قائد الثورة "سلطان باشا الأطرش" إلى قائد الدرك الوطني "حسني صخر" يقول فيها: (أرسلت "صياح" لأجل يرتاح يومين وليرى عياله ومرادي يكون مع أخي "زيد" على رأس الجيش حين لا نجد من يخدم القضية مثله، اسأل الله توفيقه ولا يشعثنا به.. التوقيع سلطان الأطرش)».

وعن دوره في التخطيط والتنفيذ للثورة أشار الدكتور "عبدي الأطرش" بالقول: «بعد أن أيقن "سلطان" ورفاقه أنه لم يعد مجال لإيقاف حركة التاريخ، اتصل بكل المناطق السورية عن طريق الرسائل والوفود والمقابلات شارحاً الموقف، وشارك مع وفد كبير ذهب لمقابلة الجنرال "ساراي" وتقديم المطالب الرئيسة التي تتعلق بالاستقلال والوحدة الكاملة، ناهيك عن مقابلته للشخصيات الوطنية مثل "د. عبد الرحمن الشهبندر"، الشيخ "كامل القصاب"، "قاسم الهيماني"، "أبناء البكري"، "حسن الحكيم"، "سعيد حيدر"، "فارس الخوري"، "منير شيخ الأرض"، "عبد الوهاب العفيفي"، وغيرهم الكثيرون، ولما تهيأت ظروف الثورة السورية الكبرى شارك في أكثر مواقعها وهي: (الكفر والمزرعة، والمسيفرة، وعرى، وقيصما، وإقليم البلان، وادي التيم، والصوخر)، وقد أرّخ مشاركته في تلك المعارك المؤرخ "أدهم الجندي" بمقال له بعنوان: "صفحات مشرقة كتبت بالدم والرجولة في جبل العرب"؛ حيث أكد أن "صياح" سجل أكبر انتصار وذاع صيته بين الأبطال العرب الشجعان في التاريخ حتى امتدحه أحد الشعراء قائلاً:

"صياح زده والسبايا كوم... يوم العرضي قايده غملان

من فوق شقره ما غلي به سوم... المرجلة قبلاً لكم وذا الآن"».

ويتابع د. "عبدي": «ومن ذكريات الرئيس "شكري القوتلي" في مؤتمر الأدباء العرب الذي انعقد في "بلودان" تحت رعايته، وكان "صياح" يومها قائم مقام في "الزبداني"، وبينما كان عميد الأدب "د. طه حسين" يقف بجانب الرئيس "القوتلي" إذ لمح الرئيس "صياح" فناداه بصوت عالٍ، ولما اقترب منه أمسك يده اليمنى وفي نفس الوقت أخذ اليد اليمنى للدكتور "طه حسين" قائلاً له على مسمع المؤتمرين: (يا "طه" إن اليد التي ستصافحك الآن هي يد المجاهد المغوار الذي خاض حروب الاستقلال وسقط تحته في معركة واحدة من معارك الثورة السورية الكبرى التي قادها أخونا "سلطان باشا الأطرش"، خمس من الخيول الأصيلة يمتطي الواحدة تلو الأخرى، إنه "صياح بك الحمود الأطرش"، وحين تشابكت الأيدي هز "طه حسين" يد "صياح" قائلاً: (لي الشرف أن أصافح يداً تحمل بصمات الثأر من الاستعمار)، فرد "صياح" بتواضع: (لم أكن أكثر من غيري وقمنا بواجبنا الوطني)».