أول من أدخل الرسم إلى القرى في منطقة "شهبا"، تكاد لا تخلو قرية من رسوماته التي وثق فيها كبار الشيوخ والثوار والشهداء، عمل في التدريس حتى التقاعد، وفي المحاكم كخبير خطوط.

مدونة وطن "eSyria" التقت الفنان "محمد حماد" في منزله بمدينة "شهبا" بتاريخ 24 كانون الأول 2014، الذي بدأ حديثه عن عمله الأخير الذي يعتمد على الخبرة والدقة ويقول: «منذ سبع وعشرين عاماً قام المحامي العام في "السويداء" بطلبي من أجل كشوف الخبرة عن الخط والتوقيع والبصمة، لكون المحافظة تفتقر لخبير حيث كان يستعان بخبراء من العاصمة "دمشق"، كان العمل جديداً ولا خبرة لي فيه، غير أن عملي في الفن منذ نهاية الخمسينيات أكسبني شهرة متواضعة أعانتني على العمل والنجاح في ذلك، وهو يعتمد على الدقة والضمير الحي، وقد أحلت إلى التقاعد منذ خمسة عشر عاماً من مهنة التدريس في مركز الأنشطة الفنية، وتابعت عملي كخبير في المحاكم حتى الآن».

منذ سبع وعشرين عاماً قام المحامي العام في "السويداء" بطلبي من أجل كشوف الخبرة عن الخط والتوقيع والبصمة، لكون المحافظة تفتقر لخبير حيث كان يستعان بخبراء من العاصمة "دمشق"، كان العمل جديداً ولا خبرة لي فيه، غير أن عملي في الفن منذ نهاية الخمسينيات أكسبني شهرة متواضعة أعانتني على العمل والنجاح في ذلك، وهو يعتمد على الدقة والضمير الحي، وقد أحلت إلى التقاعد منذ خمسة عشر عاماً من مهنة التدريس في مركز الأنشطة الفنية، وتابعت عملي كخبير في المحاكم حتى الآن

وعن بداياته والطفولة التي بدأها في قريته يضيف: «ولدت في العام 1938 في قرية "صميد" الواقعة في قلب "اللجاة"، كان الفقر غولاً كبيراً يهيمن على كل الأحياء، ويجعل التفكير في المستقبل أمراً صعباً، والمدرسة الوحيدة في القرية يدرس فيها أشخاص شبه أميين، وأنا لا أبالغ هنا فقد كان أحد المدرسين من الشيوخ الذين لا يعرفون شيئاً عن الكتابة والقراءة سوى ما تعلمه غيباً من أهله، أذكر أن الورقة البيضاء كانت بالنسبة لي حلماً كبيراً أطير فيها مع قلمي الرصاص لأرسم ما يجول بخاطري دون أن أدري أن هذه الموهبة باتت تعشعش في كياني، كنا نذهب إلى المدرسة حاملين معنا أقدم وسيلة للتدفئة من أجل المدرّس، والقليل من الطعام مما تيسر في البيوت، وعندما نجحت إلى الصف السادس سجلت في المدرسة الإعدادية في مدينة "السويداء"، والوسيلة للوصول إليها كان السير على الأقدام، كانت رحلة طويلة ومتعبة، ولكنها حملت الكثير من الذكريات الجميلة بعد ذلك، حيث تعززت عندي القناعة الكاملة بطريقي الفني».

لوحة النخوة

دخل "حماد" معهد دور المعلمين في "دمشق" والتحق بمركز للفنون التشكيلية في معهد "توفيق طارق" التابع لوزارة الثقافة في العام 1961، ويتابع: «عدت إلى مدينة "شهبا" للتدريس في ثانويتها الوحيدة قبل أن أنتقل إلى مركز الفنون التشكيلية في "السويداء" لأدرس فيه أكثر من عشرين عاماً، علمت مئات الطلاب الذين بات بعضهم فنانين كباراً على مستوى عال منهم الفنان التشكيلي المعروف "أيمن فضة رضوان"، والنحات المعروف "فؤاد نعيم"، والفنان المتألق "فادي قطيش"، وغيرهم ممن لا تسعفني الذاكرة لذكرهم، وكنا في المعسكرات الشبيبية التي تقام كل سنة في منطقة مختلفة وتسمى المعسكرات الإنتاجية ندرب ونتدرب على كل جديد، وكانت الطبيعة الحية بالنسبة لنا موضوعاً مهماً نتلقفه أوقات الفراغ لنصب ما تعلمناه على الورق، ونكتشف المواهب من خلالها».

وعن المعارض والرحلات الخارجية التي شارك فيها يضيف: «أول معرض فردي أنجزته كان في أعقاب تحرير "القنيطرة" في مدينة "السويداء" في العام 1974، وكان المعرض الذي أقمته في ثانوية "جودت الهاشمي" من أجمل المعارض التي أتذكرها، وعدت متأخراً إلى قريتي "صميد" لأقيم فيها معرضاً فردياً كبادرة وفاء للأرض التي أعتز بترابها وقد شاركت في أغلب المعارض التي أقامتها منظمة الشبيبة، ومركز الفنون الذي كان يقيم معرضاً كل ستة أشهر، وكانت رحلتي إلى "الاتحاد السوفييتي" من أجمل الذكريات التي أحملها في حياتي، فقد تعرفت جميع أنواع الفنون الروسية الباهرة، وكرمت هناك بخمس ميداليات عن أعمال أنجزتها في بلادهم، والمشاركات كانت متعددة في ذلك الزمان الذي كان فيه الفن التشكيلي فناً جديداً».

قرية صميد كما رسمها منذ خمسين عاماً

بعد غياب طويل عن المعارض ظهر الفنان "محمد حماد" في افتتاح معرض الفنان الشاب "طلعت كيوان" بقاعة المعارض بالمركز الثقافي العربي في "شهبا"، وكانت مناسبة للذكريات الطويلة مع محبيه، حيث يؤكد "كيوان" ذلك بالقول: «كان شرفاً كبيراً لي أن يفتتح معرضي الفردي الأول واحد من أوائل الفنانين الذين زرعوا البذرة الفنية في المحافظة، فأينعت بشكل لا يوصف، والفنان "محمد حماد" مثال حي عن المعاناة والنحت بالصخر لجيل جبار عاش الفقر والمرارة، وعاش الانتصار والتميز حتى باتت المحافظة تضم أكبر شريحة فنية على مستوى "سورية" من خلال معاهدها الفنية المتعددة، وكلية الفنون الجميلة التي احتضنت الإبداعات الفنية للشباب، ومن خلال عمره الطويل الذي تجاوز السادسة والسبعين، وذاكرته الحية، ومتابعته الدائمة للفنانين، وخاصة تلاميذه، تشعر بالدهشة والسعادة لوجوده بيننا».

الجدير بالذكر، أن الفنان "محمد حماد" ما زال يعمل في مرسمه الصغير الذي يضم عشرات الأعمال القديمة والحديثة، ويرسم اللوحات بهمة شاب في مقتبل العمر، ويعد بإقامة معارض فنية لجديده في القريب العاجل، ويمارس عمله كخبير خطوط حتى اللحظة.

خلال افتتاحه معرض الفنان "طلعت كيوان"