يحمل على كتفيه قرناً من سنوات البحث كانت حصيلتها أكثر من أربعين مؤلفاً، خطها لتكون علامات نصر لرحلة لم تنته؛ عنوانها الشقاء في سبيل العلم.

مسيرة يقتدي بها طلاب العلم، فهو ذلك الطالب الذي سار على الأقدام ليصل من قريته "ذيبين" التي تبعد نحو 35كم جنوب "السويداء"؛ ليتابع تحصيله العلمي، طارقاً من أبواب العلم ما جعله أستاذاً جامعياً وباحثاً ترفع له القبعة، كما تحدث الأستاذ "فوزي الجرماني" رئيس الجمعية التاريخية في "السويداء"؛ الذي التقته مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 26 آب 2014، ويقول: «تابعت الجمعية التاريخية في "السويداء" جمع سيرة الكاتب "ذوقان قرقوط" بوصفه أحد كبار المؤرخين والوطنيين في "جبل العرب"، الذي يمثل أسلوباً متميزاً في العطاء والتواضع والقدوة في تحصيله وذكائه ومنهجه العلمي والبحثي، فهو ابن السابعة والتسعين الذي ما زال يقرأ ويترجم ويحثنا على إنجاز هذا وإحضار ذاك ليكمل عمله بالترجمة والتدوين والتأليف، وهو الرجل الفريد في عصاميته، ابن البيت الوطني الذي قدم الشهداء في معركة "المسيفرة" ومعارك "الجبل الكبرى" بقيادة البطل "سلطان باشا الأطرش"، فوالده الشهيد "محمد قرقوط"، وعمه الشهيد "حامد قرقوط"».

بشكل عام فإنه لم يصنف بأنه ينتمي إلى المدرسة التاريخية المثالية أو المادية، كما أنه لم يصنف في عداد المؤرخين المتزمتين، وقد نأى بنفسه عن التيار التاريخي الذي يوصف بالماركسي، بيد أنه في كل ما كتب ظهر منحازاً لتاريخ الشعوب المقهورة ولكفاحها الوطني التحرري؛ دون أن يظهر انحيازاً فكرياً ما لهذه الطبقة أو تلك، فكان مؤرخاً وطنياً وقومياً بامتياز

ويتابع: «تميز بنبوغه منذ السنوات الأولى من عمره، فقد رفض استلام جائزة التفوق الدراسي من يد الضابط الفرنسي، وكان عروبياً في الصميم، صادق الانتماء الوحدوي، وقبل وأثناء نكبة "فلسطين" عام 1948 كان من أكثر الناس نشاطاً في جمع التبرعات وإرسالها إلى لجان متخصصة في "دمشق" لشراء السلاح، وفي عام 1954 أصبح مديراً للمعارف في محافظة "السويداء"؛ وخلال ذلك سطر العديد من صفحات النبل والعطاء وتحقيق المكاسب التربوية من خلال حماسه لمساعدة الفقراء، وسعيه الدؤوب لإنصافهم في التعليم وإحداث مراكز للامتحانات وبناء المدارس، وكان صريحاً وهادئاً، نير الفكر وصافي الذهن، وأشد ما يعجبك به تواضعه الشديد فبعد كل إنجازاته في ميدان التربية والتاريخ والتوثيق والترجمة، يقول: (أنا ما فعلت شيئاً والبركة بكم أنتم)».

ذوقان قرقوط وفوزي الجرماني

المؤرخ الدكتور "فندي أبو فخر" واحد من طلاب الكاتب والباحث "ذوقان قرقوط"، وتناول أهم دراساته الفكرية ونتاجه الثري الذي كان فيه الباحث والمترجم الحق، صاحب الفكر المنفتح والناقد، ويقول: «قامة لها وزنها الفكري والثقافي، تمسك بالعلم والمعرفة وأفكار النهضة والتنوير غير آبه بالصعوبات والعقبات كأداء وسياسة القمع في ذالك الزمن، وكان عبر سنين عمره الطويلة يخاطب الخصوم والأعداء، ويقول: (تستطيعون أن تنتزعوا إنساناً من وطنه، لكنكم لا تستطيعون انتزاع الوطن من قلوب الوطنيين الصادقين)، ويوم اضطر لمغادرة "سورية" في ستينيات القرن العشرين إلى "مصر"، وتجرع مرارة الهجرة دلف إلى حقول العلم والمعرفة والفكر وحصل على درجتي الماجستير والدكتوراة، ليعود أستاذاً في جامعة "دمشق" وتابع مسيرة البحث التي شهد بها طلاب وأساتذة كبار، وترك لنا وللأجيال القادمة صفحات الكتب والمؤلفات مراجع غنية للفكر، وأفاض في تحدي عقود قرن كامل يكتب ويناقش ويترجم ويصوب مسلحاً بالعلم هازئاً بما فعلت السنوات بجسده».

إلقاء الضوء على مؤلفاته مشروع يحتاج لساعات من العرض، لكن الدكتور "فندي" لخصه بفقرات لإفادة القارئ بقيمة ما ارتبط باسم هذا الباحث من مؤلفات، ويقول: «من مؤلفاته مجموعات تاريخية بأبعاد فكرية مثل: "المشرق العربي في مواجهة الاستعمار"، و"تطور الحركة الوطنية في سورية 1920-1939"، ومؤلفات فكرية وقومية تاريخية منها: "الأسطورة والحقيقة في التاريخ العربي الحديث محمد علي وجمال عبد الناصر"، "تطور الفكرة العربية في مصر"، "المشروع القومي الذي لم يتم"، "في تكوين الأمة العربية"، "ميشيل عفلق والكتابات الأولى"، "سياسات وأقليات في الشرق الأدنى والأسباب المؤدية إلى الانفجار" لمؤلفين فرنسيين، ومؤلفات ضمن مقررات الجامعة مثل: "تاريخ العالم الثالث الحديث والمعاصر"، واقتباس نصوص فرنسية مثل: "الثورة الفرنسية دراسات في الأصول والاتجاهات"، وغيرها من الكتب القيمة».

من أهم مؤلفاته

ويضيف: «بشكل عام فإنه لم يصنف بأنه ينتمي إلى المدرسة التاريخية المثالية أو المادية، كما أنه لم يصنف في عداد المؤرخين المتزمتين، وقد نأى بنفسه عن التيار التاريخي الذي يوصف بالماركسي، بيد أنه في كل ما كتب ظهر منحازاً لتاريخ الشعوب المقهورة ولكفاحها الوطني التحرري؛ دون أن يظهر انحيازاً فكرياً ما لهذه الطبقة أو تلك، فكان مؤرخاً وطنياً وقومياً بامتياز».

يذكر أن الدكتور "ذوقان قرقوط" من مواليد "ذيبين" عام 1922، يقيم اليوم في مدينة "السويداء"، تجاوز عدد مؤلفاته الأربعين كتاباً بين التأليف والترجمة، لم يغادر القلم رغم الظروف الصحية التي فرضتها سنوات العمر، كرم مؤخراً من قبل الجمعية التاريخية في "السويداء".

مع أعضاء الجمعية التاريخية في السويداء