لم تمنحه الحياة سوى سبعة وعشرون عاماً، وهذه السنوات القليلة لم تمنعه من تسجيل اسمه كشاعر وفقيه ومبدع، مازال إلى اليوم يذكر كأحد الأسماء البارزة في زمانه.

مدونة وطن "eSyria" التقت الأستاذ والباحث "إسماعيل الملحم" رئيس فرع اتحاد الكتاب العرب سابقاً، بتاريخ 8 أيار 2014، الذي تحدث عن المبدع "حسين طربيه"، ويقول: «ولد الشيخ الراحل "حسين صالح طربيه" في مدينة "السويداء" عام 1927، وعرف بثقافته وعلمه وشعره واجتهاداته الفقهية والدينية، وتوفي عام 1954، وعلى الرغم من عمره القصير الذي عاشه في مرحلة كانت فيها الأوضاع الاجتماعية غير محفزة للإبداع، والوضع التعليمي في المحافظة في درجاته الدنيا، فقد جاء الحياة بُعيد الثورة السورية الكبرى وشهد في طفولته ويفاعته الاضطرابات التي جابت المنطقة بشكل عام والجبل بشكل خاص، من مقاومة للانتداب الفرنسي ونضال من أجل وحدة الجبل مع أمه "سورية"، وعايش عودة الثوار من منفاهم وعلى رأسهم البطل "سلطان باشا الأطرش"، كل تلك المعطيات شحذت مواهبه على الرغم من انقطاعه المبكر عن التحصيل المدرسي الذي لم يتجاوز بالنسبة إليه تعليماً أولياً حصل عليه من مدرسة "عين الزمان"، وكان التعليم فيها كما في الكتاتيب التي انتشرت في ذاك الزمان».

الشيخ "حسين طربيه" خلف لنا ديواناً من الشعر، وكان ينظم قصائد باللهجة العامية أيضاً، وهو جانب غير معروف من إبداعاته لأنه ظل كامناً في مخطوطاته، وعند عدد قليل من رفاقه، وقد سمعت باسم الشيخ "حسين" لأول مرة منذ خمسة عشر عاماً، عندما عثرت على الكتاب الذي عمل ابنه الأستاذ "محمد طربيه" على نشره باسم "من آثار الشيخ حسين صالح طربيه"

ويتابع: «نشأ الراحل في بيت دين وتقى وأهله من أصحاب الموعظة الحسنة، اغتنى ذهنه بالفكر الديني وتميز سلوكه باحترام آداب الدين والإيمان باطلاعه على كتابي العهد القديم والجديد، ولاتزال قصاصات ورقية كتبها مفسراً ومقارناً في طياتهما، ولم يتوقف نهمه إلى المعرفة وسعيه إليها عند حد، فالتفت إلى كتب الفلسفة من يونانية وإسلامية -تيسر له الحصول عليها- وقرأها قراءة الباحث والمتفحص في اتجاهاتها وغاياتها، وتدل كتاباته على هوامش ما اقتناه منها على استيعابه لها وتكوين موقف متميز منها فلا تخرجه عن المسلك الذي ارتضاه بعد أن اعتاده».

الكاتب والباحث "إسماعيل الملحم"

أما الأستاذ "محمد طربيه" كاتب وباحث ورئيس جمعية العاديات فرع "السويداء"، فتحدث عن والده بالقول: «لعل ما تركه المرحوم أبي من رسائل وكتابات تستحق الوقوف عندها، ولقد اخترت مجموعة من رسائله ليست معروفة أو متداولة، ولكنها تعطي فكرة عن تنوع اهتماماته وهواجسه الثقافية وطبيعة تفكيره، فالرسالة الأولى مؤرخة في العام 1949 وموجهة للأستاذ "منصور الأطرش" الذي كان مقيماً في باريس بقصد الدراسة، يطلب فيها منه بعض كتب الموحدين الدروز في المكتبات الباريسية بعد أن يثني على جهود المستشرقين الفرنسيين في مجال التنقيب عن المخطوطات العربية ونشرها، ولا سيما "دي ساسي" الذي نشر مجلدين عام 1838 تضم أربعة وعشرين كتاباً، ومن نص الرسالة نذكر: (ولما كنا بحرارة الشوق للوقوف على مضامين تلك الكتب المقدسة أتيناكم بهذه الرسالة نستنهض همتكم، ونكلفكم بالبحث عنها في المكتبات الباريسية والتحقق من وجودها فعلاً، وما هو السبيل للحصول عليها، أو تكتبوا لنا عناوين الرسائل إن أمكنكم ذلك غير مأمورين، إذ إن المطران "جرمانوس فرحات الماروني الحلبي" أفاض في وصف محتوياتها كثيراً وأبدى استغرابه ودهشته مما رآه وقرأه)».

ويتابع: «الرسالة الثانية مؤرخة في 20 أيلول 1953 وموجهة إلى الشاعر والعلامة اللغوي "أمين ناصر بك ناصر الدين" في "لبنان"، يستفتيه فيها في مسألة نحوية، أما الرسالة الثالثة المؤرخة بتاريخ 26 كانون الأول 1950 فهي موجهة إلى أحد أقاربه وهو الشيخ "أمين الأسعد" المقيم في الولايات المتحدة الأميركية، يستفسر فيها قيام الأطباء الأميركان بانتزاع عيون الميت بعد وفاته بأقل من ساعة، ويحفظونها ليركبوها لشخص فاقد البصر، إضافة إلى مجموعة كبيرة من الرسائل لن نتمكن من الحديث عنها جميعها».

الباحث والكاتب "محمد طربيه" ابن الشيخ الراحل "حسين طربيه"

عرف الراحل شاعراً شعبياً، كتب العديد من القصائد باللهجة المحكية، وكتب شعراً فصيحاً أيضاً، وقد تحدث عن نتاجه الشعري الأستاذ "جورج عيسى" الباحث في الأدب الشعبي ويقول: «الشيخ "حسين طربيه" خلف لنا ديواناً من الشعر، وكان ينظم قصائد باللهجة العامية أيضاً، وهو جانب غير معروف من إبداعاته لأنه ظل كامناً في مخطوطاته، وعند عدد قليل من رفاقه، وقد سمعت باسم الشيخ "حسين" لأول مرة منذ خمسة عشر عاماً، عندما عثرت على الكتاب الذي عمل ابنه الأستاذ "محمد طربيه" على نشره باسم "من آثار الشيخ حسين صالح طربيه"».

ويضيف: «من ديوانه بالفصحى "جهد العقل والمعتزل المستقل" الذي لا يقل قيمة عن كثير من الشعر الذي قيل في تلك الفترة، ومن اجتهاداته الفقهية والرسائل التي بعث بها إلى رجالات من أصحاب الفكر والسياسة والأدب، إلى جانب قصائد ومقطعات من الشعر الشعبي، فقد عايش الشيخ "حسين" مجتمعه المحلي بقلبه وروحه، وكي يعبر عن مشاركته في أفراحه وأتراحه، فنظم في مختلف فنون الشعر الشعبي التي تطبع حياة أهل الجبل بطابعها الخاص، من قصيدة "الفن والشروقي" إلى "الجوفية"، و"العتابا"، و"القرادي"، و"السحجة"، وغير ذلك».