في زمن الاحتلال العثماني كانت ولادته، وفي سجونه قضى معظم سنواته، وميزته الإبداع، فهو من كان يلقن اثنين من الكتبة أبياتاً شعرية ارتجالية بمواضيع ودلالات مختلفة، إضافة إلى بطولاته وبأسه في مقاومة الاستعمار، حتى دون لنفسه صفحات في النصف الثاني من القرن التاسع عشر.

حول الشاعر الشعبي الثائر "شبلي الأطرش"، مدونة وطن "eSyria" وبتاريخ 14 كانون الثاني 2014، التقت المحامي الأستاذ "ماجد الأطرش"، فبيّن قائلاً: «تحظى شخصية الشاعر الشعبي الثائر "شبلي الأطرش" بمكانة مرموقة من التراث الجهادي لتاريخ "جبل العرب" في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وحتى مطلع القرن العشرين، إذ إن الباحث عن تلك الحقبة لا بد له من معرفة ديوان شيخ مشايخ عشيرة بني معروف "شبلي الأطرش"؛ الذي سطر بقصائده وأشعاره أهم الوقائع والأحداث السياسية والحربية التي ألمت بجماعته البشرية القاطنة في "جبل العرب"، والقرى الغربية المحيطة به حتى الحدود الإدارية لمحافظة "درعا" الحالية، والقرى الواقعة شرقاً التي تمتد حتى هامش بادية الشام الجنوبية، وجنوباً حتى قرية "الأزرق" شرق الأردن، وشمالاً في أرجاء متفرقة من "اللجاة" حتى حدود "غوطة دمشق" وعلى مساحة بلغت في زمن شاعرنا 8887 كم، وهو المولود في عام 1850، والمتوفي في 4 تشرين الثاني 1904، بعد عمر قضاه في المقاومة ولم يترك مطرقة حديدية تطرق رأس والي الشام القوي "مدحت باشا" الذي أصبح فيما بعد الصدر الأعظم للدولة العثمانية ولمن أعقبه، إلا ودق بمطرقته رأسه بل فجرها بركاناً تهز مظالمه وعرش سلطانه عبد الحميد الثاني، بقوة وإباء وشموخ».

ما إن نتذكر تاريخ جبل العرب في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، حتى نضع شخصية "شبلي الأطرش" في مقدمة الشخصيات الوطنية والإبداعية والنضالية، فهو أحد المقاومين للاحتلال العثماني، وخاض أكثر من نصف عمره في سجون الأتراك، ويحمل ميزة أنه وثق وقائع ظلم العثمانين بقصائده، فهو مبدع، إذ عرف عنه أنه يقرض الشعر الشعبي، وقد كان يضع كاتبين على جانبيه ويلقن كل منهما قصيدة بموضوع يختلف عن الثاني وقافية مختلفة، وهو أمي لا يقرأ ولا يكتب، إضافة إلى فكره التنويري في مساعدة الفقراء والمحتاجين حين أشعل نيران الثورة العامية على أصحاب الأراضي، وأعاد بعض الحقوق إلى أصحابها، فهو شخصية وطنية اجتماعية إبداعية بجدارة

وتابع المحامي "ماجد الأطرش" عن شخصية "شبلي الأطرش"، قائلاً: «لا عجب في أمره وفعله وقد ورث الصلابة والشكيمة والشجاعة عن والده "إسماعيل بن محمد الأطرش"؛ الذي قال عنه الرحالة والمستشرق "بورتر": "إنه أشجع رجل يقود أشجع شعب"، وهو الابن الذي حمل سر أبيه، فقد نظم قصيدة مؤلفة من اثنين وسبعين بيتاً أرسلها إلى والده يستنجد به وهو في قبره ليفك أسره من سجن "قسطموني" الأناضولية، ومما جاء فيها يقول "شبلي الأطرش":

المحامي ماجد الأطرش

"من قسطموني العز يوم فراقها..... يا ريت أسفلها يصير أعلاها

أنخي مواطين اللحود الدرس....... راعي الشهامة قط ما خلاها

الشاعر ناصيف أبو حسون

يا صاحب الاسم الشهير بالملا...... بيرق بني معروف عن أتلاها".

ومن يقرأ أشعاره يشعر بأنه نظم "الشروقي والفن والزجل"، ودوّن شعر الحماسة والفخر والأدب والمدح والرثاء والهجاء والوصف والغزل والشكوى من نوائب الدهر، والتحريض على الثورة وظلم السلاطين وحكام العثمانيين، ما دفع مكتبة "محمد المهايني" عام 1936، إلى جمع قصائده وألفت ديواناً أصدرته ونشرته، إذ لم يترك باباً من أبواب الشعر إلا وطرقه».

ديوان شبلي الأطرش

وتابع المحامي "ماجد الأطرش" بالقول: «تدل الوثائق التاريخية أنه من مواليد عام 1850، أما واقعة وفاته فكانت في 4 تشرين الثاني 1904، وقد ذاعت قصائده الشعرية، وتناقلتها الألسن فيما مضى إلى أن باتت حية في وجدان أبناء عشيرته وعشاق الشعر الشعبي في "سورية" والبلاد العربية، وتضمنت أشعاره الحكمة والصلابة والبلاغة والمعاني ورؤى استشرافية تشف عن مواهبه الفذة وقدرته وإيمانه بالصمود والتصدي للاحتلال التركي لبلاده، ومن قصائده وهو داخل السجن في مدينة "أزمير" التركية، هذه الأبيات:

"قلبي على فقد المحبين ولهان....... واحر كبدي من العلوم التوالي

دمعي دفق من مقلة العين غدران...... يا ويل من جارت عليه الليالي

علمي بهم من نمرة الحيص لمتان....... ودامة العليا بالركن الشمالي"».

وحول تاريخ "شبلي الأطرش" السياسي والاجتماعي، بيّن المحامي "ماجد الأطرش" بالقول: «لا شك أن شاعرنا يعتبر جزءاً من التاريخ السياسي والاجتماعي لجبل العرب في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وأحد صانعيه إن لم يكن قد تجسد فيه على مدى مرحلة زمنية من مراحل حياته ونهوضه، إذ في عام 1896، جردت السلطات العثمانية حملة عسكرية جرارة على الجبل بقيادة "المشير طاهر باشا"، ومؤلفة من أربع وخمسين كتيبة بلغ عدد أفرادها نحو ثلاثين ألف عسكري، وجرت معارك وصفها شاعرنا بقدرة توثيقية وبيان توضيحي فيها عندما سطر لنا زحف الجيش التركي، وكشف بالسرد سير المعركة وانتقالها من مكان إلى آخر، وكيف وصل الخبر إلى قرى: "تعارة، ونجران، وحران"، وفي "قراصة" جرت المعركة الكبرى، وفي اليوم التالي في "السويداء"، كذلك يصف لنا دخول العسكر بأعداد لا تحصى إلى قريتي: "السجن والمجدل"، والمعركة الكبيرة التي كانت أشبه بـ"القادسية"، واستمرار المعارك حتى تجمع الجيش العثماني في "الشيخ مسكين"، وزحف نحو "الدير علي"، وهدم بيوتها على رؤوس أصحابها، كل ذلك جسده شاعرنا بتصوير للمعركة، وجعل الجهاد لمواجهة الاحتلال العثماني لبلاد الشام من الواجبات المفروضة على كل مواطن شريف. أما القصيدة فهي تنوف على 200 بيت من الشعر، منها يقول:

"وزحف فيهم على الغوطة شمالاً....... وخرب بين أهل دير عاليا

خربوا الدير علي لأمر ليله......... وصارت كوم مثل السالمية

رجعنا للعساكر والعراضي........ مشوا مثل البحور الزاخريا"».

وعن موقفه الاجتماعي ضد الإقطاع، أوضح المحامي "ماجد الأطرش" بالقول: «استطاع شاعرنا أن يشعل مصباح الثورة لتحرير بني عشيرته الفقراء، فأطلق أفكاره لتصحيح أوضاعهم الاقتصادية والمعنوية والمعيشية بعد أن كان يعرف بعضهم باسم "الفلتية"، أي الفلاحين الذين يعملون في الأرض مقابل ربع الغلة فقط "مرابعين" دون أن يكون لهم ثمة ملكية في الأراضي التي يعملون فيها، وأول من تمرد عليه وعلى سلطته أخيه "إبراهيم بن إسماعيل الأطرش" الذي استأثر بمساحة واسعة من أراضي "السويداء" الزراعية وقرية "الأصلحة"، وبالفعل قاد الصراع والكفاح ومهد لثورة عام 1889، التي عرفت بالثورة "العامية"، وأوقد نارها لاعتقاده ويقينه أن الفلاحين والكادحين من أبناء جلدته هم الذين رفضوا الخضوع، والإذلال وحاربوا جيوش "إبراهيم باشا بن محمد علي باشا" خديوي "مصر" عام 1837 و1838، في معركة "الثعلة"، ومعارك "اللجاة" الطويلة، وسحقوا جيشه الجرار».

الشاعر الشعبي "ناصيف أبو حسون" عضو مجلس إدارة جمعية الأدب الشعبي وأصدقاء التراث، أشار إلى دور الشاعر الثائر "شبلي الأطرش" في تاريخ "جبل العرب"، قائلاً: «ما إن نتذكر تاريخ جبل العرب في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، حتى نضع شخصية "شبلي الأطرش" في مقدمة الشخصيات الوطنية والإبداعية والنضالية، فهو أحد المقاومين للاحتلال العثماني، وخاض أكثر من نصف عمره في سجون الأتراك، ويحمل ميزة أنه وثق وقائع ظلم العثمانين بقصائده، فهو مبدع، إذ عرف عنه أنه يقرض الشعر الشعبي، وقد كان يضع كاتبين على جانبيه ويلقن كل منهما قصيدة بموضوع يختلف عن الثاني وقافية مختلفة، وهو أمي لا يقرأ ولا يكتب، إضافة إلى فكره التنويري في مساعدة الفقراء والمحتاجين حين أشعل نيران الثورة العامية على أصحاب الأراضي، وأعاد بعض الحقوق إلى أصحابها، فهو شخصية وطنية اجتماعية إبداعية بجدارة».