بإيقاعه الهادئ وسكوته اللافت يذكرنا برجالات وهبوا حياتهم لوطنهم بصمت دون انتظار الشكر والثناء من أحد، إنه اللواء المتقاعد "نجيب بركات" الذي تربى على مآثر بلدته "الكفر" التاريخية إبان الثورة السورية الكبرى حيث وقعت أسرع معركة في التاريخ*.

"مدونة وطن" eSyria وبتاريخ 10/10/2013 زارت اللواء المتقاعد "نجيب بركات" الذي تحدث عن نشأته وحياته قائلاً: «أنا من قرية لها شأن مع التاريخ البطولي، على ثراها جرت أولى معارك الثورة السورية الكبرى بقيادة المغفور له "سلطان باشا الأطرش"، وتم دحر الحملة الفرنسية.

يعتبر اللواء المتقاعد "نجيب بركات" من الشخصيات الاعتبارية الاجتماعية التي ساهمت في ترسيخ قيم أخلاقية واجتماعية من خلال السلوك والأخلاق التي تميز بها، وهو الذي تميز بنظافة لسانه ويده، ولهذا هناك إجماع من أهالي البلدة على تلك الصفات الإنسانية عنده

ميلادي كان في عام 1950، ومنذ كنت في المرحلة الابتدائية كان جنوحي نحو البذلة العسكرية، وأذكر حينما طلب مني موضوع تعبير كتبت أمنيتي أن أكون ضابطاً في جيش السوري، أما لماذا؟ فلأن الأهل في المضافات كانوا ينظرون إلى المقاتل أنه أعلى قيمة بين أفراد المجتمع، والمنازل التي تخرّج شباناً ضباطاً كانت تفخر بالعزة. من هذا القبيل حزت الثانوية وانتسبت للكلية الحربية باختصاص مدرعات، وتخرجت فيها عام 1970 دون حفل تخرج للظروف الإقليمية السائدة آنذاك، خاصة أن منطقتي "نوى وجاسم" تعرضتا لهجوم من العدو الاسرائيلي، فتم فرزي إلى "حمص" وتسلمت مهمة قائد كتيبة وأنا برتبة ملازم، ثم انتقلنا إلى الجبهة مع بداية عام 1972 وأجرينا تحصينات هناك، وفي 1/1/1973 ترقيت إلى رتبة ملازم أول بعد أن تدربت على كافة أنواع الدبابات وأنجزنا خطة التدريب بالكامل».

العقيد المتقاعد حسن عبد الصمد

وتابع اللواء "بركات" يقول: «كانت معنوياتنا عالية جداً، وفي الشهر التاسع بدأت الشكوك تتضح بأن الحرب على الأبواب، بعد ارسال مجموعة من الدفاع الجوي وسلاح المدرعات إلى الخارج للتدرّب، ودخول دبابات من نوع كاسحة ألغام، في تلك الأيام تقرر تنفيذ عمليات هجومية على بعض المواقع في القطاع الأوسط».

وعن بدء المعركة والإرادة القوية بالانتصار بمعنويات عالية أوضح اللواء "بركات" بالقول: «قبيل المعركة اجتمعنا قادة السرايا وأذكر "جميل دحدح، ويوسف شدايدي، وانا"، لدراسة الهجوم، وعلى هامش الاجتماع همس في أذني "يوسف شدايدي" قائلاً: "يا نجيب لا يوجد بحوزتي هوية معدنية إذا حدث معي شيء أنت مسؤول سأكتب اسمي وزمرة دمي وأضعها في جيبي اليمين"، كذلك كان لدي عنصر في إجازة بالرقة واسمه "ابراهيم خليل" ما إن علم بالمعركة حتى قطع إجازته والتحق بقطعته العسكرية، وكان أن دمّر أربع دبابات واستشهد رحمه الله».

اللواء نجيب بركات

وعن مهمته بالقتال تابع بالقول: «كانت مهمتنا تنحصر في القطاع الأوسط للجبهة، والمهمة الأساسية لي ولرفاقي استثمار نجاح مجموعات الاقتحام للنسق الأول وتطوير الهجوم باتجاه "كودنا- الخشنية" واحتلال مرتفعات "تل الشعف السنديان" ولاحقاً متابعة الهجوم باتجاه "الدبورة- جسر بنات يعقوب"، في ذلك الوقت لم تصلنا المهام إلا قبل بدء العمليات القتالية بـ 24 ساعة من بدء الهجوم ولكن كان هناك تدريبات مكثّفة، حيث نفذنا كافة المشاريع التكتيكية بالذخيرة الحية وتم اللقاء 24 مع قائد الكتيبة وتم استطلاع الجبهة في منطقة القطاع الأوسط، حيث عاينا المواقع والتحصينات المعادية ودفعنا كاسحات الألغام والدبابات الجسرية لتكون جاهزة لاقتحام الخندق م.د.و.

في السادس من تشرين الساعة 2 ظهراً انطلقت الدبابات السورية محمية بالمدفعية والطيران وفق أمر القتال الذي أخذناه، حيث هدرت الدبابات باتجاه الجبهة وأثناء مرورنا في القرى التي تقترب من الجبهة كانت النسوة تلاقينا بالزغاريد ويهتفن" لقد حان وقت المعركة الله معكم يا شباب"، هذه الكلمات مازالت تدوي في أذني وعند الوصول إلى الخندق م.د تم اجتيازه باتجاه الهدف المحدد للسرية التي أقودها وتمكنا بالاشتراك مع باقي صنوف القوات من تحقيق المهمة، حيث تم احتلال "تلول الشحاف والطلايع" ودمرنا كامل الدبابات الإسرائيلية وتابعنا القتال، مؤكداً أنه تم إسقاط أكثر من 40 طائرة في ذلك اليوم حيث رأيناها تتهاوى كالفراشات وواجهنا هجمات معاكسة من الجهة الغربية وقد تمكنا من صدّ هذه الهجمات المعاكسة وإحباط خطط العدو».

مع دبابته

وتابع اللواء "بركات" قائلاً: «وبعد تغيير الظروف القتالية والاستراتيجية للقوات المصرية انتقلنا إلى الأعمال القتالية الدفاعية وبعد وصول احتياطات للعدو بمقدار فرقتين أصبح الموقف لدينا صعباً ونفذنا انسحاباً منظماً، وهنا انتقلنا لاستيعاب الهجوم المعاكس المعادي وكلفت بالهجوم على قرية أم باطنة الساعة 2 يوم 19/10 وتحريرها من كتيبة دبابات إسرائيلية، حيث تمكنا من تدمير 15 دبابة و5 قواعد للصواريخ ومنع تقدم العدو، وبتاريخ 21/10 جاءنا أمر وقف إطلاق النار بعد توقف القتال على الجبهة المصرية، أما النتائج التي تحققت فأهمها انتصار إرادة المقاتل العربي السوري وإسقاط أسطورة الجيش الذي لا يقهر».

وحول أهم حادثة في الحرب تركت لديه أثراً بين بالقول: «عدت إلى قلب المعركة بعد تدمير الدبابات لتنفيذ وصية زميلي الشهيد البطل الملازم اول "يوسف شدايدي" الذي دفعني للعودة لأحمل جثمانه وأقوم بتسليمه لأهله وذويه شهيداً مكللاً بغار البطولة، بعد المعركة تم ترقيتي إلى رتبة نقيب لقيامي بأعمال قتالية حيث تمكنت من وقف تقدم العدو ومنعه في منطقة "مسحرة"».

وحول التشكيلات القتالية التي شارك بها والأوسمة التي حصل عليها بين اللواء المتقاعد "نجيب بركات" بالقول: «لقد تسلمت مهام عدة في التشكيلات القتالية من قائد سرية دبابات في حرب تشرين، إلى رئيس أركان كتيبة وقائد كتيبة، ورئيس عمليات لواء دبابات، ورئيس أركان لواء، وقائد لواء دبابات، ثم رئيس عمليات فرقة، وفيلق، ونائب رئيس هيئة التفتيش العامة للجيش، ومدير إدارة التخطيط للعمليات الاستراتيجية، ومدير الأكاديمية العسكرية العليا، ورئيس هيئة التدريب، كما حصلت على أربع وعشرين وساماً منها وسام الشجاعة والتدريب والسلام في لبنان، وسام تحرير الكويت، إضافة لوسام حرب تشرين، كما شاركت خلال عملي في أجهزة القيادة باجتماعات الجامعة العربية الخاصة بالأمور العسكرية رئيساً لهيئة التدريب في الجيش السوري، وكنت من المحضرين لمسودة اجتماع رؤساء أركان الجيوش العربية الذي عقد لمرة وحيدة في الجامعة العربية، إضافة لزيارات لدول عربية وصديقة، للاطلاع على أحدث ما توصل إليه العلم العسكري».

وحين وجهنا له سؤال بكلمة توجيهية لجيل الشباب بعد خبرة تزيد على اربعة عقود أجاب اللواء "بركات" بالقول: «أوجه نصيحة بعد تراكم خبرة تزيد على أربعة عقود ونيف لجيل الشباب الاهتمام بالفكر السليم الذي يؤدي إلى بناء الوطن وتحصين الحاضر بالعلم والمعرفة والأخلاق الرفيعة ومساعدة الملهوف والمحتاج لأن ذلك هو من يمنح القيمة للعلم والمعرفة، ثم التطلع إلى المستقبل بأكبر قدر من العلم والبحث العلمي، فهو السبيل لنجاحنا بالحياة».

العقيد المتقاعد "حسن عبد الصمد" الذي شارك في حرب تشرين بين بالقول: «تتميز بلدة "الكفر" بتاريخها النضالي، ولا عجب إن كان ابنها اللواء "بركات" مقاتلاً في حرب تشرين، حيث شارك ضمن سلاح المدرعات، وكان بطلاً من أبطال تشرين في تدمير دبابات العدو، وتسلم مناصب عسكرية وقيادية عديدة.

وبعد تقاعده يقوم بتأدية واجبه الإنساني والاجتماعي، ويساهم في نشر ثقافة التشارك لتقديم المساعدة لمن يحتاج المساعدة، وهو يحمل سمعة عطرة وتواضعاً جمّاً».

وعن سلوكه الاجتماعي بين السيد "مفيد عدوان" وهو من أبناء قرية "الكفر" قائلاً: «يعتبر اللواء المتقاعد "نجيب بركات" من الشخصيات الاعتبارية الاجتماعية التي ساهمت في ترسيخ قيم أخلاقية واجتماعية من خلال السلوك والأخلاق التي تميز بها، وهو الذي تميز بنظافة لسانه ويده، ولهذا هناك إجماع من أهالي البلدة على تلك الصفات الإنسانية عنده».

يذكر أن لدى اللواء المتقاعد أسرة مؤلفة من أربعة شبان هم: "وسام" وهو برتبة مقدم، و"خلدون، وحسام، ومحمد"، وابنتين متزوجتين.

  • معركة الكفر انتصر فيها الثوار على القوات الفرنسية المتجهة لفك الحصار عن قلعة "صلخد"، واستغرقت أربعون دقيقة.