رغم عدم انصياعه لأوامر قيادته بالقفز بالمظلة فوق الأراضي الأردنية، عندما أصيبت طائرته ونفدت ذخيرته، كان خبر تفجيره قاعدة "ميرون" بطائرته موضع احترام قيادته، بالمقدار الذي هز أركان العدو.

وبمرور ذكرى حرب تشرين التي استشهد فيها الطيار "كمال هلال نصر" استعادت "مدونة وطن" eSyria بتاريخ 10/10/2013 ذكرى الشهيد البطل بحوارها مع الصحفي "حسين خويص" من أبناء قريته "عرمان" الذي تحدث عنه قائلاً: «ولد الشهيد الطيار "كمال نصر" في قرية "عرمان" عام 1941 وحيداً لوالديه ولأربع شقيقات، تلقى علومه الاولى في مدارس "عرمان وصلخد"، وآثر في المجالس الاجتماعية أن يستمع عن معارك الجبل: معركة "خراب عرمان" و"الكفر" و"المزرعة"، وحكاية "ميثا الأطرش" والانتصارات التي حققها الثوار على الاحتلالين العثماني والفرنسي، الأمر الذي ولد لديه الطموح والاندفاع منذ نعومة أظفاره، فبعد حصوله على الشهادة الثانوية التحق بالكلية الجوية وتخرج فيها برتبة ملازم طيار، واتبع عدة دورات على طائرة مقاتلة من نوع "سيخوي" وتسلسل في الرتب حتى اصبح قائد سرب برتبة نقيب».

لم أر عزاءً يحوّل إلى عرس وطني كما هو عزاء المرحوم الشهيد "كمال نصر" إذ استقبله الأهالي بالحداء والأهازيج وأمه تزغرد لرفاقه مع شقيقاته والرجال الكبار والوجهاء يرددون "يا عريساً خضبوك بغير حـنّه / مُتْ شهيداً ما بعد روحك ملامه"، كذلك هزجت النساء: "والرضيع مننا لو صاح ننّه / نرضعه حب الوطن قبل الفطاما"، وبعد أربعة عقود مازال الجميع يهزجون: "بالروح نفدي وطنا / لو صاح صوت المنادي بالروح نفدي وطنا"، كرمى لما قدمه الشهيد الوحيد البطل "كمال نصر"

وتابع الصحفي "حسين خويص" بالقول: «خلال حرب تشرين التحريرية كان أحد المقاتلين الأوائل الذين انطلقوا مع لحظة الصفر أي عند الساعة الواحدة والنصف ظهراً إيذاناً ببدء المعركة، وفي اليوم التالي للحرب كلف بمهمة ضرب القاعدة العسكرية في "ميرون" بفلسطين المحتلة، وذلك في السابع من تشرين الأول عام 1973، وأثناء قيامه بتأدية مهمته أصيبت طائرته بعد نفاد ذخيرته، فطلبت منه القيادة الهبوط في الأراضي الأردنية، وعندها ظهر البطل الذي لا يرضى الهزيمة متبعاً وصية الأجداد، فقال كلمته الأخيرة: "سلموا على الأهل والوطن"، واتجه بطائرته نحو القاعدة ليحولها الى كتلة من النار هزت أركان جيش العدو، ليثبت لهم أن أجسادنا اذا لم تكفِ ذخيرتنا هي قنابلنا وصواريخنا».

اللواء مجيد الزغبي والعميد عادل الطويل

ونقلاً عن رفاق سربه بيّن العميد الطيار المتقاعد "عادل الطويل" قائلاً: «عرفنا الشهيد البطل "كمال نصر" واحداً من أهم الطيارين الذي حملوا المعنوية القتالية العالية وذلك قبل وأثناء الحرب، وعندما علم بأن قادة العدو بأحد المواقع قرر قدره باللحظة الأخيرة عند مهمة الصبح الأخير حين التقط معلومة تقول بأن "موشي دايان" في قاعدة "ميرون"، فقرر تدميرها، خاطبه رفاقه وهو في الجو يا سيدي لقد أطلقت صواريخ طائرتك الأربعة ونفدت صواريخنا جميعها، فرد كالبرق: "بقي الصاروخ الخامس وهذا وقته سلملي على مجد.. سلملي على مدى وعلى الوطن"، وبثوان خاطفة، حينها "زغردت أم الشهيد وبان سنا / يا ضنى عيني تهنى بالوساما". كانت طائرته "سيخوي" تلتهب وتلهب معها الأرض بينما السماء تفتح أبوابها لينضم إلى رضوانها بطل جديد كتب اسمه فوق قوس قزح: أنا الشهيد الطيار "كمال نصر"».

وعن استقبال أهالي "قرية عرمان" تابع العميد المتقاعد الطيار "عادل الطويل" قائلاً: «لم أر عزاءً يحوّل إلى عرس وطني كما هو عزاء المرحوم الشهيد "كمال نصر" إذ استقبله الأهالي بالحداء والأهازيج وأمه تزغرد لرفاقه مع شقيقاته والرجال الكبار والوجهاء يرددون "يا عريساً خضبوك بغير حـنّه / مُتْ شهيداً ما بعد روحك ملامه"، كذلك هزجت النساء: "والرضيع مننا لو صاح ننّه / نرضعه حب الوطن قبل الفطاما"، وبعد أربعة عقود مازال الجميع يهزجون: "بالروح نفدي وطنا / لو صاح صوت المنادي بالروح نفدي وطنا"، كرمى لما قدمه الشهيد الوحيد البطل "كمال نصر"».

الشهيد كمال نصر مع نصبه

وحول أعماله القتالية وبطولته أوضح اللواء الطيار "مجيد الزغبي" الحائز وسام بطل الجمهورية قائد سرب طيران في حرب تشرين قائلاً: «لم يكن الشهيد الطيار "كمال نصر" بطلاً عادياً بل يمكن القول إنه بطل من نوع خاص، ذلك لأنه شكل مع طائرته لوحة في سماء الوطن، وهو عمد بإرادة وإصرار أن يكون الصاروخ الخامس في تلك الطائرة، خاصة عندما قصفت طائرته، فأبى أن تحترق وحيدة، بل أتخذ من نفسه صاروخاً ليكون أحد أهم الاستشهاديين ويلحق بركب "جول جمال" والأبطال الميامين الذي دخلوا التاريخ وزينوا صفحاته النضالية بدمائهم الزكية، خاصة أنه من المعلوم لدينا أن الوحيد لا يكلف بالخدمة العسكرية، لكنه أصر أن يكون مقاتلاً، ربما كانت حالة تربوية اكتسبها من المكان والانتماء والحياة الاجتماعية عبر مضافات أهله».

وتابع اللواء الطيار "مجيد الزغبي" بالقول: «كان رفاقه متفقين على ألا ينفذ مهام خطرة لأنه وحيد، لكنه رفض وأصر بعناد قوي، حيث كان من بين أول تشكيل يقصف الأرض المحتلة، وأسندت إليه مهمة قصف مقر قيادة "ميرون" في "صفد" وهو مقر قيادي رئيسي قريب على الجبهة السورية، وذهب قائداً لتشكيل أربعة طائرات "سو 20" ونفذ المهمة حيث دمر مقر القيادة بطائراته ليكون شهيداً بطلاً يدخل سجل الخالدين.

في تدشين نصب الشهيد كمال نصر

ولعل الصفات لم يعرفها الآخرون فيه أنه كان موسيقياً ورساماً فناناً من درجة مميزة، وشاعراً يقرض الشعر بجدارة، وصاحب طرفة حاضرة دائمة بذكاء».